الاثنين، 30 مايو 2011

ولادة بنت المستكفي




ولادة بنت المستكفي ( قرطبة 994 -- 26 مارس 1091) أميرة عربية وشاعرة من بيت الخلافة الأموية في الأندلس، ابنة الخليفة المستكفي بالله الأموي. اشتهرت بالفصاحة والشعر، وكان لها مجلس مشهود في قرطبة يؤمه الأعيان والشعراء ليتحدثوا في شؤون الشعر والأدب بعد زوال الخلافة الأموية في الأندلس.

تشتهر ببيتين شهيرين من الشعر قيل أنها كانت تكتب كل واحد منهما على جهة من ثوبها:

أنا والله أصلح للمعالي                                   وأمشي مشيتي وأتيه تيهاً

وأمكن عاشقي من صحن خدي                       وأعطي قبلتي من يشتهيها

نسب ولادة واسمها

هي ولادة بنت المستكفي بالله محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن الناصر لدين الله الأموي، شاعرة أندلسية، من بيت الخلافة. وكانت واحدة في زمانها، المشار إليها في ذلك الوقت بسبب شعرها. وكانت تخالط الشعراء في زمانها وتجالسهم بل وتنافسهم.

أشعارها

كانت ولادة تحب الشعر، وكانت مع ذلك مشهودة بالصيانة والعفاف، حيث كانت شاعرة وأديبة من شعراء الأندلس وكان في قولها حسنة وجزلة الألفاظ، أنها كانت تناضل الشعراء، وتساجل الأدباء وتفوق البرعاة، فكان مجلسها في قرطبة ملعبا بجياد النظم والنثر يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرتها ويتهالك أفراد الشعراء والكتاب على حلاوة عشرتها وعلى سهولة حجابها وكثرة منتابها، كانت تخلط ذلك بعلو نصاب وكرم انساب وطهارة أثواب على أنها وجدت للقول فيها السبيل بقلة مبالاتها ومجاهدتها.

قالت ولادة مداعبة للوزير ابن زيدون وكان له غلام اسمه علي:
إن ابن زيدون على فضله              يفتا بني ظلما ولا ذنب لي

يلحظني شزرا إذا جئته                  كأني جئت لأحضي علي   

وكانت لولادة جارية سوداء بديعة الجمال فظهر لولادة أن ابن زيدون مال إليها فكتبت إليه:

لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا                    لم تهـو جاريتي ولم تتخير

وتركت غصنا مثمرا بجماله وجنحت               للغصن الذي لم يثمر

ولقد علمت بأنني بدر السما لكن                      ولعت لشوقي بالمشتري

ولادة بنت المستكفي وابن زيدون       

 كانت ولادة في المغرب تعد كعلية بالمشرق إلا أن ولادة تزيد بمزية الحسن الفائق، وأما الأدب والشعر والنادر، وخفة الروح فلم تكن تقصر عنها، وكان لها صفة في الغناء، وكان لها مجلس يغشاه أدباء قرطبة وظرفاؤها، فيمر فيه من النادر وإنشاد الشعر كثير لما اقتضاه عصرها.

وقيل: إن ابن زيدون لم يزل يروم دنو ولادة والاقتراب منها ولعا وحبا بها، فيهدر دمه دونها، ويهدد لسوء أثره ملك قرطبة وواليها، وعندما يئس من لقياها وحجب عنه، وكتب إليها يستديم عهدها، ويؤكد ودها، ويعتذر من فراقها بالخطب الذي خشيه، والامتحان الذي غشيه، ويعلمها أنه ما سلاها بخمر ولا خبا ما في ضلوعه من ملتهب الجمر، وهي قصيده ضربت في الإبداع بسهم، وطلعت في كل خاطر وهم، ونزعت منزعا قصر عنه حبيب بن أوس الطائي (البحتري) وعلي بن الجهم، وتعد القصيدة النونية لابن زيدون من غرر الشعر العربي، والتي نوردها في هذا المقام لأهميتها:

أَضْحَى التَّنَائِي بَدِيْلاً مِنْ تَدانِيْنا وَنَابَ عَنْ طِيْبِ لُقْيَانَا تَجَافِيْنَا

ألا وقد حانَ صُبح البَيْنِ صَبَّحنا حِينٌ فقام بنا للحِين ناعِينا

مَن مُبلغ المُبْلِسينا بانتزاحِهم حُزنًا مع الدهر لا يَبلى ويُبلينا

أن الزمان الذي ما زال يُضحكنا أنسًا بقربهم قد عاد يُبكينا

غِيظَ العِدى من تساقينا الهوى فدعوا بأن نَغُصَّ فقال الدهر آمينا

فانحلَّ ما كان معقودًا بأنفسنا وانبتَّ ما كان موصولاً بأيدينا

لم نعتقد بعدكم إلا الوفاءَ لكم رأيًا ولم نتقلد غيرَه دينا

ما حقنا أن تُقروا عينَ ذي حسد بنا، ولا أن تسروا كاشحًا فينا

كنا نرى اليأس تُسلينا عوارضُه وقد يئسنا فما لليأس يُغرينا

بِنتم وبنا فما ابتلت جوانحُنا شوقًا إليكم ولا جفت مآقينا

نكاد حين تُناجيكم ضمائرُنا يَقضي علينا الأسى لولا تأسِّينا

حالت لفقدكم أيامنا فَغَدَتْ سُودًا وكانت بكم بيضًا ليالينا

إذ جانب العيش طَلْقٌ من تألُّفنا وموردُ اللهو صافٍ من تصافينا

وإذ هَصَرْنا غُصون الوصل دانية قطوفُها فجنينا منه ما شِينا

ليسقِ عهدكم عهد السرور فما كنتم لأرواحنا إلا رياحينا

لا تحسبوا نَأْيكم عنا يُغيِّرنا أن طالما غيَّر النأي المحبينا

والله ما طلبت أهواؤنا بدلاً منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا

يا ساريَ البرقِ غادِ القصرَ فاسق به من كان صِرفَ الهوى والود يَسقينا

واسأل هناك هل عنَّي تذكرنا إلفًا، تذكره أمسى يُعنِّينا

ويا نسيمَ الصِّبا بلغ تحيتنا من لو على البعد حيًّا كان يُحيينا

فهل أرى الدهر يَقصينا مُساعَفةً منه ولم يكن غِبًّا تقاضينا

ربيب ملك كأن الله أنشأه مسكًا وقدَّر إنشاء الورى طينا

أو صاغه ورِقًا محضًا وتَوَّجَه مِن ناصع التبر إبداعًا وتحسينا

إذا تَأَوَّد آدته رفاهيَة تُومُ العُقُود وأَدْمَته البُرى لِينا

كانت له الشمسُ ظِئْرًا في أَكِلَّتِه بل ما تَجَلَّى لها إلا أحايينا

كأنما أثبتت في صحن وجنته زُهْرُ الكواكب تعويذًا وتزيينا

ما ضَرَّ أن لم نكن أكفاءَه شرفًا وفي المودة كافٍ من تَكَافينا

يا روضةً طالما أجْنَتْ لَوَاحِظَنا وردًا أجلاه الصبا غَضًّا ونَسْرينا

ويا حياةً تَمَلَّيْنا بزهرتها مُنًى ضُرُوبًا ولذَّاتٍ أفانِينا

ويا نعيمًا خَطَرْنا من غَضَارته في وَشْي نُعمى سَحَبْنا ذَيْلَه حِينا

لسنا نُسَمِّيك إجلالاً وتَكْرِمَة وقدرك المعتلى عن ذاك يُغنينا

إذا انفردتِ وما شُورِكْتِ في صفةٍ فحسبنا الوصف إيضاحًا وتَبيينا

يا جنةَ الخلد أُبدلنا بسَلْسِلها والكوثر العذب زَقُّومًا وغِسلينا

كأننا لم نَبِت والوصل ثالثنا والسعد قد غَضَّ من أجفان واشينا

سِرَّانِ في خاطرِ الظَّلْماء يَكتُمُنا حتى يكاد لسان الصبح يُفشينا

لا غَرْو فِي أن ذكرنا الحزن حِينَ نَهَتْ عنه النُّهَى وتَركْنا الصبر ناسِينا

إذا قرأنا الأسى يومَ النَّوى سُوَرًا مكتوبة وأخذنا الصبر تَلْقِينا

أمَّا هواكِ فلم نعدل بمنهله شِرْبًا وإن كان يروينا فيُظمينا

لم نَجْفُ أفق جمال أنت كوكبه سالين عنه ولم نهجره قالينا

ولا اختيارًا تجنبناه عن كَثَبٍ لكن عدتنا على كره عوادينا

نأسى عليك إذا حُثَّت مُشَعْشَعةً فينا الشَّمُول وغنَّانا مُغَنِّينا

لا أَكْؤُسُ الراحِ تُبدى من شمائلنا سِيمَا ارتياحٍ ولا الأوتارُ تُلهينا

دُومِي على العهد، ما دُمْنا، مُحَافِظةً فالحُرُّ مَنْ دان إنصافًا كما دِينَا

فما اسْتَعَضْنا خليلاً مِنك يَحْبسنا ولا استفدنا حبيبًا عنك يُثْنينا

ولو صَبَا نَحْوَنا من عُلْوِ مَطْلَعِه بدرُ الدُّجَى لم يكن حاشاكِ يُصْبِينا

أَوْلِي وفاءً وإن لم تَبْذُلِي صِلَةً فالطيفُ يُقْنِعُنا والذِّكْرُ يَكْفِينا

وفي الجوابِ متاعٌ لو شفعتِ به بِيْضَ الأيادي التي ما زلْتِ تُولِينا

عليكِ مِني سلامُ اللهِ ما بَقِيَتْ صَبَابةٌ منكِ نُخْفِيها فَتُخفينا

 وقال ابن زيدون يخاطب ابن عبدوس لاشتراكه معه في هواها:

أثرت هزبر الشرى إذ ربض ونبهته إذ هدا فأغتمض

ومازلت تبسط مسترسلا إليه يد البض لما اتفبص

حذار حذار، فأن الكريم إذا سيم خسفاً أبي فامتعض

وإن سكون الشجاع النهوس ليس بمانعه أن يعض

عمدت لشعري ولم تتئد تعارض جوهره بالعرض

أضاقت أساليب هذا القريض أم قد عفا رسمه فانقرض

لعمري فوقت سهم النضال وأرسله لو أصبت الغرض

وغرك من عهد ولادة سراب تراءى وبرق ومض

هي الما يعز على قابض ويمنع زبدته من مخض  
ومن شعر ابن زيدون وولعه بولادة بنت المستكفي قوله:

إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا                    والأفق طلق ومرأى الأرض قد راقا

وللنسيم اعتلال في أصائله                        كأنما رق لي فاعتل إشفاقا

والروض عن مائه الفضي مبتسم               كما حللت عن اللبات أطواقاً

نلهو بما يستميل العين من زهر                 جال الندى فيه حتى مال أعناقا

يوم كأيام لذات لنا انصرمت                     بتنا لها حين نام الدهر سراقاً

نلهو بما يستميل العين من زهر                 جال الندى فيه حتى مال أعناقاً

كأن أعينه إذا عاينت أرقي                       بكت لما بي فجال الدمع رقراقاً

ورد تألق في ضاحي منابته                      فازداد منه الضحى في العين إشراقاً

سرى ينافحة نيلوفر عبق                         وسنان نبه منه الصبح احداقاً

كان يهبج لنا ذكرى تشوقنا                       إليك، لم يعد عنها الصدر إذ ضاقا

لو كان وفي المنى في حمغا بكم                 لكان من أكرم الأيام أخلاقا

لا سكن الله قلباً عق ذكركم                       فلم يطر بجناح الشوق خفاقاً

لو شاء حملي نسيم الريح حين هفا              وافاكم بفتى أضناه ما لاقى

وقالت ولادة تهجوا الأصبحي:

يا أصبحي اهنأ فكم نعمة جاءتك من ذي القرش رب المنن

لقد نلت ياست ابنك مال ينل بفرج بوران أبوها الحسن

"ومرت ولادة بالوزير أبي عامر بن عبدوس وأمام داره بركة تتولد عن كثير الأمطار وربما استمدت بشيء مما هنالك من الأقذار، وقد نشر أبو عامر كمية ونظر في عطفيه وحشر أعوانه إليه". فقالت له:

أنت الخصيب وهذه مصر                 فتدفقا فكلاكما بحر

وفاة ولادة بنت المستكفي

أن ولادة بنت المستكفي كانت من أروع الشعراء والأدباء في شعرها حيث كانت لها مكانة مميزة في الشعر، وقد تركت وفاتها فراغاً كبيراً في نفوس محبيها وقد عمرت عمراً طويلاً، ولم تتزوج وماتت لليلتين خلتا من صفر سنة ثمانين، وقيل أربع وثمانين وأربعمائة، وكان أبوها المستكفي بالله بايعه أهل قرطبة لما خلفوا المستظهر بالله.
ومن أشعار ولادة المعروفة :

أنا والله أصلح للمعالي                         وأمشي مشيتي وأتيه تيها

وأمكن عاشقي من صحن خدَّي              وأعطي قبلتي من يشتهيها

لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا         لم تهوَ جاريتي ولم تتخيَّرِ

 وتركت غصناً مثمراً بجماله             وجنحت للغصن الذي لم يثمرِ

ألا هل لنا من بعد هذا التفرُّقِ             سبيلٌ فيشكو كلُّ صبٍّ بما لقي

 تمرّ الليالي لا أرى البين ينقضي        ولا الصبر من ورقِّ التَّشوُّقِ معتقي

لحاظُكم تجرحُنا في الحشا                وَلَحظنا يجرحكم في الخدود

 جرح بجرحٍ فاِجعلوا ذا بذا              فما الّذي أوجبَ جرح الصدود

أنتَ الخصيبُ وهذه مصر                 فتدفّقا فكلاكما بحرُ

ودّع الصبرَ محبّ ودّعك                   ذائع مِن سرّه ما اِستودَعك

 يقرع السنّ على أَن لم يكن               زادَ في تلك الخطى إذ شيّعك

أَلا هَل لنا من بعد هذا التفرّق            سبيلٌ فيشكو كلّ صبّ بما لقي

 وَقد كنت أوقات التزاورِ في الشت      أبيتُ على جمرٍ من الشوق محرقِ

ولقّبت المسدّس وهو نعت                  تفارقك الحياة ولا يفارق

 فَلوطيّ ومأبون وزانٍ                      وديّوث وقرنان وسارق

إنّ ابن زيدون له فقحة                      تعشقُ قضبان السراويلِ

 لَو أبصرت أيراً على نخلة               صارَت منَ الطيرِ الأبابيلِ

يا أصبحي اِهنأ فكم نعمة                   جاءَتك من ذي العرشِ ربّ المنن

 قد نلت باِست اِبنك ما لم ينل                بفرجِ بورانَ أبوها الحسَن

إنّ اِبن زيدون على فضلهِ                يغتابني ظلماً ولا ذنب لي

 يلحظُني شزراً إذا جئته                   كأنّني جئت لأخصي علي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا وسهلا

رحـلات وجـولات ورسائل لا تنـتهى للعقـل والـروح وأحـيانا للجـسـد عــبر نـوافــذ الادراك المعـروفـة والمجهولة تتـخطـى المكان والـزمان تـخـوض بحـار العـلم و تـكشـف أسـرار المـعرفة حربـا علـى الظــلام والتحاقا بالنـور بحـثا عـن الخيــر والجـمـال ووصــولا الى الـحـق