هاشم الرفاعي (1353 هـ - 1378 هـ = 1935 - 1959م) شاعر مصري اسمه الحقيقي: سيد بن جامع بن هاشم بن مصطفى الرفاعي، ولكنه اشتهر باسم جده هاشم لشهرته ونبوغه، وتيمنا بما عرف عنه من فضل وعلم وعرف بهذا الاسم وانطوى الاسم الحقيقي عنه.
ولد في بلدة أنشاص بمحافظة الشرقية بمصر. التحق بمعهد الزقازيق الديني التابع للأزهر الشريف سنة (1366 هـ = 1947م)وحصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية في عام 1951م، ثم أكمل دراسته في هذا المعهد وحصل على الشهادة الثانوية سنة (1375 هـ=1956م)ثم التحق بكلية دار العلوم سنة (1374 هـ=1955م). قتله جمال عبد الناصر قبل أن يتخرج سنة 1959م، وذلك لهجائه له في قصائده الشعرية وشكواه من تسلط عبد الناصر وأجهزته الأمنية، ومنها قصيدته مخاطبا لعبد الناصر: ]
نشأته
كان هاشم الرفاعي سليلاً لأسرة متدينة، وقد نشأ في بيت يُعنى بالعلم ويهتم بالتفقه في دين الله ويحرص على التربية الإسلامية، وكان والده جامع شيخا لإحدى الطرق الصوفية المنتشرة في مصر، التحق بمعهد الزقازيق الديني التابع للأزهر الشريف سنة 1947م وحصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية في عام 1951م، ثم أكمل دراسته في هذا المعهد وحصل على الشهادة الثانوية سنة 1956م ثم التحق بكلية دار العلوم، ومن زملائه من أبناء الكلية الشاعر خالد محمد سليم، وقد لقي شاعرنا الله شهيداً قبل أن يتخرج سنة 1959م.
كان في مراحل دراسته كلها بارزاً بين زملائه، وبدأ يقول الشعر ولمّا يبلغ الثانية عشرة من عمره، ويقود الطلبة في المظاهرات ضد الاحتلال البريطاني والأوضاع الفاسدة السائدة في مصر وقتها، ومن شعره في تلك الفترة:يا مصر قد عاثت بأرضك عصبة باسم الصيانة والحماية أفسدوا
قتلوا شباب الجامعات وجندلوا في النهر من بمياهه يستنجدُ
ماذا جنوا حتى أرقْتَ دماءهم وبأي حق في المضاجع وسِّدوا
والخطاب في البيت الأخير موجه إلى الملك فاروق الذي أمر بإطلاق النار على الطلبة في مظاهرة كوبري عباس الشهيرة، وأمر بفتح الكوبري على المتظاهرين، فمن نجا من الغرق لم ينج من رصاص الشرطة، وفي واحدة من هذه المظاهرات أصيب هاشم الرفاعي برصاصة طائشة تركت أثراً في أعلى رأسه، وفُصِل من معهد الزقازيق الديني مرتين، كانت الأولى قبل قيام الثورة، وفي هذا يقول الشاعر:يا فتية النيل الممجَّد إننا نأبى ونرفض أن نساق قطيعا
هذا "ابن نازلي" للهلاك يقودنا جهراً ويَلقى في البلاد مطيعا
فإلى متى هذا الخنوع وإنه جرم أضاع حقوق مصر جميعا
بمثل هذا الحماس المتوقد كانت نفس شاعرنا تشتعل ثورة ضارية لم يستطع أن يكبتها، وأبت إلا أن تعلن عن نفسها في أكثر من موضع من شعره:
يا ثورة في ضلوعي *** وما لها من هجوعِ
إلام أقضي حياتي *** في ذلة وخضوعِ؟!
ظل شاعرنا هكذا حتى أشعلت ثورته ثورة أخرى عندما أُعلن عن قيام ثورة الضباط الأحرار في مصر بقيادة اللواء محمد نجيب الذي طرد الملك والإنجليز من مصر، واستقبل المصريون والعرب جميعاً هذه الثورة بالفرحة الغامرة، وكان لشاعرنا الحظ الأوفر من هذه الفرحة، فجاءت قصائده في الإشادة بالثورة وبقائدها نجيب تترى:أمل تحقق في البلاد عسيرُ قد كان في خلد الفقير يدورُ
لمّا أعيد إلى الكنانة مجدها وانجاب عنها الليل والديجورُ
بعث الإله إلى البلاد "نجيبها" فتحطمت للمفسدين صخور
لا أرجع الرحمن أياماً مضت كانت علينا بالشقاء تدور
لكن سرعان ما انقلبت الثورة على نفسها، وتآمر جمال عبدالناصر وزمرته على محمد نجيب وألقوا القبض عليه في مشهد مهين، وساقوه إلى الإقامة الجبرية بتهمة أنه يستمع إلى الإخوان المسلمين ويفتح لهم بابه، وأعلن جمال نفسه زعيماً ورئيساً لمصر حفاظاً على ما يسمى بمكتسبات الثورة وحماية لها من أعدائها الإسلاميين المتربصين بها! وفتح المعتقلات للإخوان سنة 1954م ودبر تمثيلية "المنشية" الشهيرة ليقدم مبررات لحملته على الإخوان أمام الرأي العام المصري والعالمي، ودخلت البلاد في دوامة حكم شمولي بوليسي لم يأمن فيه الناس على أنفسهم، وقد رؤوا السجن الحربي يفتح لهم فاه ويقول هل من مزيد.
رسالة في ليلة التنفيذ
أما أشهر قصائده على الإطلاق فتلك القصيدة التي تحدَّث فيها عن شهيد ينتظر إعدامه، يمرُّ فيها بمراحل انفعاليَّة مختلفة تصلُ ذروتها حينما يردِّد اسم أبيه في كل بيت من أبيات هذه القصيدة الرائعة "رسالة في ليلة التنفيذ". على الرغم من أن هذه القصيدة قد ألهمت الجماهير العريضة رُوح الحماسة ضدَّ أي طغيان، فإنها كانت نابعة من نفس تُؤمن بالله إيمانًا عميقًا، وتُصَوِّر للمتلقِّي هذه المعاني الربَّانيَّة الغالية، التي تربَّى عليها هاشم، والتي ظهرت جليَّة في شعره، فأصبحت "رسالة في ليلة التنفيذ" ملءَ السمع والبصر في كل مكان غابت فيه الحرِّيَّة، فخرجت هذه القصيدة نابعة صادقة يُرَدِّدها كلُّ صادق، وها نحن نردِّدها اليوم، يقول هاشم الرفاعي:أبَتَاهُ ماذا قد يخطُّ بناني والحبلُ والجلاَّد منتظرانِ
هذا الكتاب إليكَ من زنزانةٍ مقرورة صخريَّة الجدرانِ
الليلُ من حولي هدوءٌ قاتـلٌ والذكرياتُ تمور في وجداني
والنفسُ بين جوانحي شفَّافة دَبَّ الخشوع بها فهزَّ كياني
قد عشتُ أومنُ بالإله ولم أذقْ إلاَّ أخيرًا لذَّة الإيمانِ
والصمتُ يقطعه رنينُ سلاسلَ عبثت بهن أصابع السجَّانِ
ما بين آونة تمُــرُّ وأختها يرنو إليَّ بمقلتي شيطانِ
من كوَّةٍ بالباب يرقب صيده ويعود في أمنٍ إلى الدورانِ
أنا لا أحسُّ بأيِّ حقد نحوه ماذا جنى؟ فتمسُّه أضغاني
ويدورُ همسٌ في الجوانح ما الذي بالثورة الحمقاء قد أغراني؟
أَوَلم يكن خيرًا لنفسي أن أُرى مثلَ الجميع أسيرُ في إذعانِ؟
ما ضرَّني لو قد سكتُّ وكلَّما غلب الأسى بالغتُ في الكتمانِ
هذا دمي سيسيل يجري مطفِئًا ما ثار في جنبيَّ من نيرانِ
هذا حديثُ النفسِ حين تشفُّ عن بَشَرِيَّتِي وتمورُ بعد ثوانِ
وتقولُ لي: إن الحياةَ لِغَايةٍ أسمى من التصفيق للطغيانِ
أنفاسكَ الحرَّى وإنْ هِيَ أُخمدت ستظلُّ تغمرُ أُفْقَهم بدُخَانِ
وقروحُ جسمك وَهْوَ تحت سياطهم قسماتُ صبحٍ يتَّقيه الجاني
دمعُ السجين هناك في أغلاله ودمُ الشهيد هنا سيلْتقيانِ
حتى إذا ما أُفْعِمَتْ بهما الرُّبَا لم يبقَ غيرُ تمرُّد الفيضانِ
ومِنَ العواصف ما يكون هبوبها بعدَ الهدوء وراحةِ الرُّبَّانِ
ثم يختم هذه القصيدة الرائعة، بمجموعة من الأبيات الرائعة، التي تُوَجِّه المسلم إلى ربِّه جلَّ وعلا، وأمُل فيها الشاعر أن ينتصر الضياء والحقُّ، ويرتفع العدل الذي يرجوه، والذي سيجده عند الله تعالى، فيقول:هذا الذي سطَّرْتُهُ لكَ يا أبي بعض الذي يجري بفكرٍ عانِ
لكنْ إذا انتصر الضياءُ ومُزِّقَتْ بِيَدِ الجموع شريعةُ القُرصانِ
فلسوف يذكرني ويُكْبِرُ همَّتي مَنْ كان في بلدي حليفَ هوانِ
وإلى لقاء تحت ظلِّ عدالةٍ قدسيَّة الأحكام والميـزانِ
ولعلَّ من أبرز القصائد الإسلاميَّة في شعر هاشم الرفاعي قصيدة " شباب الإسلام " التي ذكَّر فيها بأمجاد الإسلام، وتاريخه العريق، وناقش فيها قضيَّة انحراف الشباب، ونبَّه من خلال هذه الأبيات إلى ضرورة النظر إلى المعايير الصحيحة للأخلاق والقيم والمُثُل، والتي يجب أنْ تُستقى من الكتاب والسُّنَّة النبويَّة الصحيحة، فقال:مَلَكْنَا هذه الدنيا قرونَا وأخضعها جدودٌ خالدونَا
وَسَطَّرْنَا صحائفَ من ضياءٍ فما نَسِيَ الزمانُ ولا نَسِينَا
حملْنَاها سيوفًا لامعاتٍ غداةَ الرَّوْع[2] تأبى أنْ تَلِينَا
إذا خَرَجَتْ من الأغماد يومًا رأيتَ الهول والفتحَ المبينَا
وكنا حين يأخذُنَا وَلِيٌّ بطغيانٍ ندوسُ لهُ الجبينَا
تفيضُ قلوبنا بالهديِ بأسًا فما نُغضي عَنِ الظُّلْمِ الجفونَا
وما فتئ الزمانُ يدور حتى مضى بالمجدِ قوم آخرونَا
وأصبحَ لا يُرَى في الرَّكْبِ قومي وقد عاشوا أَئِمَّتَهُ سنينَا
وآلمني وآلمَ كلَّ حُرٍّ سؤالُ الدهرِ أين المسلمونَا؟
تُرَى هل يرجعُ الماضي؟ فإِنِّي أذوبُ لذلكَ الماضي حنينَا
بَنَينا حِقبة في الأرض مُلْكًا يُدَعِّمُهُ شبابٌ طامحونَا
شبابٌ ذلَّلوا سُبُلَ المعالي وما عَرَفُوا سوى الإسلام دِينَا
تَعَهَّدَهُم فأَنْبَتَهُمْ نباتًا كريمًا طابَ في الدنيا غُصونَا
هُمُ وَرَدُوا الحياضَ مباركات فسالتْ عندهم ماءً مَعينَا
إذا شَهِدوا الوغى كانوا كُمَاةً يدكُّونَ المعاقل والحصونَا
وإِنْ جَنَّ المساءُ فلا تراهمْ مِنَ الإشفاق إلاَّ ساجدينَا[3]
ومن أعظم القصائد الإسلاميَّة التي نَظَمها هاشم الرفاعي وقالها قبل مقتله بأربعة أشهر فقط - في مارس من عام 1959م- قصيدة "أغنية أُمٍّ"، حيث تكلَّم عن محنة الإسلاميين في مصر، وفي العراق، ومحنة المسلمين في كل مكان، فتكلَّم في هذه القصيدة، عن مشاعر هذه الأُمِّ تجاه وليدها الذي أُعدم أبوه، فيتَّبع أسلوب التورية خوفًا من بطش الطغاة، ويتظاهر أنه يتحدث عن محنة العراق سنة 1959م، فيقول:
نمْ يا صغيري، إنَّ هذا المهدَ يحرسه الرجاءْ
مِنْ مُقلة سهِرَتْ لآلام تثورُ معَ المساءْ
فأصوغها لحنًا مقاطعه تأجَّجُ في الدماءْ
أَشْدُوا بأغنيتي الحزينة ثمَّ يغلبني البكاءْ
وأمدُّ كفِّي للسماءِ لأستحثَّ خُطا السماءْ
نَمْ لا تشاركني المرارة والمحنْ
فلسوف أرضعكَ الجراحَ مع اللبن
حتى أنالَ على يديكَ مُنًى وهبتُ لها الحياة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق