الاثنين، 27 فبراير 2012

الأسد في الثقافة الإنسانية


أعتبر الأسد أيقونة للإنسانية منذ آلاف السنين، حيث ظهر كرمز في الكثير من الحضارات الأوروبية، الآسيوية، والأفريقية، وعلى الرغم من تعرّض البشر لهجوم هذه الحيوانات وحتى للافتراس في بعض الأحيان، 

فقد تمتعت بوصف إيجابي في أكثر الأحيان، فقيل أنها قوية وشرسة لكنها نبيلة على الرغم من ذلك. ومن الأوصاف والألقاب المألوفة للأسود في معظم الحضارات لقب "ملك الأدغال" أو "ملك الغابة"، و"ملك الوحوش"؛ وبالتالي فإن الأسد أعتبر منذ القدم رمزا للملكيّة والمجد،   بالإضافة للشجاعة؛ وظهر في العديد من الحكايات للراوي الإغريقي أزوب، التي تعود للقرن السادس قبل الميلاد  ومن التفسيرات المفترضة لاكتساب الأسد هذه السمعة المهيبة على الرغم من انه ليس أكبر اللواحم أو أكثرها شراسة، هو أنه أكبر الحيوانات المفترسة المعروفة للحضارات القديمة التي بنت عليها الحضارات اللاحقة أساساتها، مثل الحضارة المصرية وحضارات بلاد ما بين النهرين وحوض البحر المتوسط، وعلى الرغم من أن بعض هذه الحضارات عرفت ضوار أكبر من الأسود، مثل الببر في إيران والعراق، الدب في اليونان، إلا أن الأسد يبقى أشد تأثيرا بالنفس منها جميعا بسبب مظهره الخارجي (خصوصا الذكر). 
التاريخ
"سيدة الأسد"-منحوتة برأس أسد يُعتقد بأنها أقدم تمثيل بشري للأسد.
يعود أقدم تمثيل للأسد في الحضارة البشرية إلى حوالي 32,000 سنة؛ فقد تمّ العثور على منحوتة عاجيّة لشخص برأس أسد في كهف فوغلهيرد بجبال الألب في جنوبي غرب ألمانيا، وأطلق عليها اسم "الرجل الأسد" في بداية الأمر (بالألمانية: Löwenmensch) قبل تعطى اسم "سيدة الأسد" (بالألمانية: Löwenfrau)، وتُنسب هذه المنحوتة إلى الحضارة الأورينياسيّة (نسبة إلى موقع أورينياك الذي عُثر فيه على أثار من تلك الحقبة).  ومن التمثيلات القديمة للأسود أيضا، الرسوم الكهفيّة مثل تلك التي عُثر عليها في كهفيّ لاسو وشوفيه في فرنسا، ففي الأول وُجد تصوير لأسدين يتزاوجان قدّر وجوده منذ حوالي 15,000 عام، أي خلال العصر الحجري القديم، أما في الثاني فقد عُثر على رسوم لأسود كهوف عام 1994؛ وقد قُدر عمرها بقرابة 32,000 عام  على الرغم من أنه يُحتمل أن تكون من نفس حقبة رسوم لاسو أو من فترة أقرب منها
مجّد المصريون القدماء اللبؤة (الصيادة الشرسة) وصوروا آلهتهم الحربية بهيئتها، ومن ضمن الآلهة المصرية الممثلة بهيئة الأسد: سخمت، باخت، تفنوت، مسخنت، منحت، مفدت، وأبو الهول؛  ومن هذه الآلهة أيضا أبنائها نفسها مثل ماحس، وبعض الألهة النوبية، وفقا لشهادة المصريين القدماء، كالإله ديدوين.
منحوتة من الغرانيت لسخمت من معبد الأقصر، تعود لما بين عاميّ 1403-1365 ق.م. يُحتفظ بها اليوم في المتحف الوطني بكوبنهاغن.
 إن الفحص الدقيق للآلهة الممثلة على هيئة أسود في الكثير من الحضارات القديمة يُظهر أنها لم تُمثّل بهيئة ذكور فقط بل بلبؤات أيضا. يظهر التقدير والأعجاب بالتعاون المنسق الذي تظهره اللبوات خلال الصيد في أثار بشرية تعود لعصور قديمة جدا، ومن ذلك بوابات الأسود التي رُسم أو نُحت على معظمها أشكالا تعود للبؤات. ومن الأسود المشهورة الأسطورية، الأسد النيمياني، الذي كان رمزا في اليونان القديمة وروما، وقد اعتبر رمزا لمجموعة النجوم التي تشكل برج الأسد، كما وتم ذكره في الميثولوجيا حيث قام هرقل بقتله وارتداء جلده المنيع ليحمي به نفسه.
كان الأسد شعارا لقبيلة يهوذا، وبعد أن تأسست مملكتهم حتى اتخذت من الأسد شعارا لها أيضا، وقد ذُكر الأسد في الفصل ما قبل الأخير من سفر التكوين عندما كان النبي يعقوب يُبارك أبنه الرابع  
يُعد الأسد رمزا بارزا في كلا الحضارتين البابلية القديمة والحديثة، ويُعرف الأسد البابلي التقليدي، المرسوم والمنحوت على العديد من الجدران الأثرية، باسم أسد بابل الذارع. ويُقال أنه في بابل تمّ إلقاء النبي دانيال المذكور في الكتاب المقدس إلى عرين الأسود وإنقاذه منه لاحقا   خُصصت هذه الرمزيّة لاحقا في العراق لدبابة أسد بابل خلال عهد نظام صدام حسين، وقد اقتبست تقنية الدبابة من إحدى النماذج الروسية.
 الأسد في الاسلام
قيل لعم نبي الإسلام محمد بن عبد الله حمزة بن عبد المطلب، الذي كان يُعرف بأنه صيّاد للأسود: أسد الله، ويقال "من نبل الأسد أنه اشتق لحمزة بن عبد المطلب"، وفي الإسلام يُعد الأسد (الضواري بشكل عام) من الحيوانات المحرّم أكلها، كما ذُكر في القرآن الكريم أن ما أكله الأسد يعد أيضا من المحرمات، واستخدم لفظ "سبع" ليدل على هذه الضواري. 
قال عدد من الأئمة وعلماء الدين المسلمون، مثل الأمام الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وداود والجمهور: "يحرم أكل الأسد لما روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل ذي ناب من السباع فأكله حرام"، بينما قال أخرون مثل الإمام مالك: "يكره أكل كل ذي ناب من السباع ولا يحرم".
 الأسد في حضارات الشعوب
أسد بابل الذارع، على بوابة عشتار، بابل، العراق.
يُعد ناراسيما (الرجل الأسد)، وفقا للنصوص البورانيّة الهندوسية، تجسيد أو أفتار لفيشنو يأخذ شكل رجل نصفه أسد، وهو يُعبد من قبل من نذروا أنفسهم له الذين يؤمنون بأنه أنقذ الطفل الذي نذر نفسه إليه، براهلدا، من والده الملك الشيطان الشرير "هيرانياكشيبو"؛  يأخذ الفيشنو شكل شخص نصفه أسد ونصفه الأخر إنسان في حالة ناراسيما، حيث يمتلك خصرا وقسما سفليّا بشريّا، ووجه شبيه بوجه الأسد ومخالب  يُعبد ناراسيما بوصفه "الأسد الإله".

ومن مظاهر تمثيل الأسد الأخرى الاسم الفيداوي الهندي القديم "سينغ" والذي يعني أسد ويعود تاريخه إلى حوالي 2000 سنة في الهند القديمة، والذي كان يطلق أصلا على أفراد الطبقة العسكرية (الراجبوتيون). وبعد ولادة أخوة الخالصة عام 1699 أخذ السيخ باسم "سينغ" وفقا لرغبات الغورو غوربند سينغ. أصبح هناك اليوم قرابة 20 مليون سيخي في العالم يستعملون هذا اللقب كما يفعل الهندوس الراجبوتيون
تضع الكثير من الدول الآسيوية والأوروبية الأسد على أعلام دولها وتتخذ منه شعارا لها، ومن أبرزها الشعار الوطني للهند. وفي جنوبي شبه القارة الهندية، يُعتبر الأسد الآسيوي رمزا للسينهاليون،  المجموعة العرقية الأكبر في سريلانكا؛ يُشتق هذا الاسم من الكلمة الهندو أوروبية سينهالا، التي تعني "شعب الأسد" أو "الشعب ذي دم الأسد". يبرز الأسد الآسيوي حامل السيف كشكل مركزي في علم سريلانكا. 
 
يدخل الأسد الآسيوي ضمن قائمة الحيوانات المألوفة الممثلة في الفن الصيني، 
وقد استخدمت صورتها لأول مرّة خلال أوخر حقبة الربيع والخريف (القرن الخامس أو السادس قبل الميلاد)،
شعار المملكة المغربية
 ثم أصبحت أكثر انتشارا خلال عهد سلالة هان (206 ق.م.-220 م.)، عندما أخذ الأباطرة يضعون تماثيل الأسود الحارسة الإمبراطورية أمام مداخل قصورهم كشكل من أشكال الحماية. 
كانت الأوصاف الصينية الأولى للأسود غير مطابقة لأوصافها الحقيقية بسبب أنها لم تقطن الصين يوما؛ وبعد إدخال الفن البوذي إلى البلاد خلال عهد سلالة تانغ (بعد القرن السادس الميلادي)، أخذ الفنانون يصورون الأسود بدون أجنحة كما في السابق، كما أصبحت أجسادها أثخن وأقصر، وشعر لبدتها أجعد.  تُعد رقصة الأسد أحد أشكال الرقص التقليدي في الحضارة الصينية، والتي يقوم الراقصون فيها بارتداء زيّ أسد وتقليد حركاته أثناء عزف موسيقى في الغالب تستخدم فيها آلات الصنوج، الطبول، والأقراص الجرسيّة. تؤدى هذه الرقصات خلال احتفالات رأس السنة الصينية، احتفال قمر أغسطس، وغيرها من الاحتفالات التي تقام في سبيل الحصول على الحظ الجيّد
شعار أوكرانيا
تشتق جزيرة سنغافورة اسمها من الكلمتين الملاويتين سينغا (أسد) وبورا (مدينة)، والتي تتحدر بدورها من الكلمات التاميلية-السنسكريتية சிங்க سينغا सिंह سيمها وपुर புர بورا، المماثلة للكلمة اليونانية πόλις بولس  أعطي هذا الاسم للجزيرة، وفقا للنصوص التاريخية، في القرن الرابع عشر من قبل أمير سومطري ملاوي يُدعى "سانغ نيلا أوتاما"، الذي ترجّل على الجزيرة بعد عاصفة رعديّة ورأى حيوانا غريبا على الشاطئ، فأخبره رئيس وزرائه بأنه أسد (أسد آسيوي).  أظهرت الدراسات الأخيرة لسنغافورة أن الأسود لم تصل إليها يوما، لذا فإن الحيوان الذي شاهده الأمير كان ببرا على الأرجح.
"أصلان" أو "أرسلان" (بالتركية: Aslan أو Arslān) هو الاسم التركي والمغولي للأسد، وقد استخدم كلقب لعدد من الحكام السلاجقة والعثمانيون، بما فيهم ألب أرسلان وعلي باشا حاكم يانينة (أسد يانينة)، وهو أيضا اسم تركماني/إيراني ولقب لبعض العائلات الدرزية في لبنان وسوريا، الذين يحملون أيضا لقب أمراء منذ عهد الدولة العثمانية، ومنهم الأمير مجيد أرسلان والأمير طلال أرسلان.
الأسد شعار سريلانكا
كانت كلمة "أسد" تُخلع على العديد من الحكام المحاربين الذين اتصفوا بالشجاعة في العصور الوسطى، مثل ريتشارد الأول ملك إنكلترا، الملقّب ريتشارد قلب الأسد  هاينريش الأسد (بالألمانية: Heinrich der Löwe) دوق سكسونيا، وروبرت الثالث، دوق فنلاندرس الملقب "أسد الفلاندرس"—ولا يزال هذا اللقب كما الأسد يعد أيقونة فلاندرس الوطنية حتى العصر الحالي. ومن المحاربين الشرقين الذين حملوا لقب "أسد" حمزة بن عبد المطلب الذي قيل له "أسد الله" و"أسد الجنة" بعد استشهاده، وكذلك صلاح الدين الأيوبي الذي أطلق عليه عدد من الحكام الصليبين "أسد الشرق".
 تظهر الأسود كثيرا على الشعارات القومية والوطنية،
 إما بصفتها جزء أساسي على الدرع نفسه، أو كدعامة، أما اللبؤات فأكثر ندرة من الأسود في شعارات البلدان.  إن اللغة الرسمية في النبالة، المسماة بالتباهي، تستخدم كلمات فرنسية لتصف الصور على دروع الشعارات بدقّة، ومثل هذه الأوصاف كانت تُظهر ما إذا كانت الأسود أو الحيوانات الأخرى المصورة "جامحة"، "rampant" (منتصب على قائمتيه الخلفيتين، باسط للأماميتين) أو "وديعة"، "passant" (يقف على قوائمه الأربع، رافع ليده اليمنى)،
 فإن كانت تظهر على أنها جاثمة كانت تعتبر وديعة والعكس صحيح  يستخدم الأسد كشعار للعديد من الفرق الرياضية، من الفرق الوطنية لكرة القدم في إنكلترا، اسكتلندا، وسنغافورة، إلى بعض الأندية المشهورة مثل أسود ديترويت (بالإنكليزية: Detroit Lions) من الإتحاد الوطني لكرة القدم الأمريكية  تشيلسي، وأستون فيلا من الدوري الإنكليزي الممتاز  بالإضافة لمجموعة من الأندية الأصغر حول العالم. 
يضع نادي آستون فيلا أسدا جامحا كشعار له، وكذلك يفعل نادي رينجرز، ودندي يونايتد من الدوري الاسكتلندي الممتاز.
لا يزال الأسد يظهر في الأدب المعاصر، من أصلان المخلّص في الرواية الخيالية الأسد، الساحرة، والخزانة، وجميع الكتب اللاحقة في سلسلة سجلات نارنيا تأليف الكاتب سي. إس. لويس  إلى الأسد الجبان الكوميدي في عالم أوز المذهل.  أدّى وصول تقنية السينما في أوائل القرن العشرين إلى الاستمرار باستخدام الأسد كرمز بشري؛ وأحد الأسود الأيقونية المعروفة هو ليو الأسد، جالب حظ استوديوهات ميترو غولدوين ماير (MGM)، الذي لا يزال يُستخدم منذ عشرينات القرن العشرين  وفي ستينات القرن نفسه بزغ نجم أشهر لبوة على الأرجح، ألسا، في فيلم ولدت حرّة  (بالإنكليزية: Born Free)، المبني على القصة الحقيقية المنشورة بكتاب يحمل نفس العنوان.  استخدم دور الأسد كملك للوحوش في الرسوم المتحركة كذلك الأمر، ابتداءً بمسلسل المنغا الياباني من خمسينات القرن العشرين الذي أطلق أول برنامج رسوم متحركة ملوّن باليابان، كيمبا الأسد الأبيض، الأسد ليوناردو من مسلسل الملك ليوناردو وأتباعه القصار، وصولا إلى فيلم والت ديزني لعام 1994 الأسد الملك،  الذي أبرز الأغنية المشهورة "الأسد ينام الليلة" (بالإنكليزية: The Lion Sleeps Tonight) في تسجيل الفيلم الصوتي. تظهر صورة لأسد أيضا على عملة الراند الجنوب أفريقية، من فئة الخمسين.

هناك تعليق واحد:

  1. رحال Voyager: الأسد في الثقافة الإنسانية >>>>> Download Now

    >>>>> Download Full

    رحال Voyager: الأسد في الثقافة الإنسانية >>>>> Download LINK

    >>>>> Download Now

    رحال Voyager: الأسد في الثقافة الإنسانية >>>>> Download Full

    >>>>> Download LINK

    ردحذف

أهلا وسهلا

رحـلات وجـولات ورسائل لا تنـتهى للعقـل والـروح وأحـيانا للجـسـد عــبر نـوافــذ الادراك المعـروفـة والمجهولة تتـخطـى المكان والـزمان تـخـوض بحـار العـلم و تـكشـف أسـرار المـعرفة حربـا علـى الظــلام والتحاقا بالنـور بحـثا عـن الخيــر والجـمـال ووصــولا الى الـحـق