الثقافة كلمة عريقة في اللغة العربية أصلا، فهي تعني صقل النفس والمنطق والفطانة، وفي القاموس المحيط : ثقف ثقفًا وثقافة، صار حاذقًا خفيفًا فطنًا، وثقَّفه تثقيفًا سوَّاه، وهي تعني تثقيف الرمح، أي تسويته وتقويمه. واستعملت الثقافة في العصر الحديث للدلالة على الرقيّ الفكري والأدبي والاجتماعي للأفراد والجماعات. والثقافة ليست مجموعًة من الأفكار فحسب، ولكنها نظريٌة في السلوك بما يرسم طريق الحياة إجما ًلا، وبما يتمّثل فيه الطابع العام الذي ينطبع عليه شعبٌ من الشعوب، وهي الوجوه المميّزة لمقوّمات الأمة التي تُمَيَّزُ بها عن غيرها من الجماعات بما تقوم به من العقائد والقيم واللغة والمبادئ، والسلوك والمقدّسات والقوانين والتجارب. وفي الجملة فإن الثقافة هي الكلُّ المركَّب الذي يتضمن المعارف والعقائد والفنون والأخلاق والقوانين والعادات.
فإنه يمكن استخدام كلمة "ثقافة" في التعبير عن أحد المعاني الثلاثة الأساسية التالية:
التذوق المتميز للفنون الجميلة والعلوم الإنسانية، وهو ما يعرف أيضا بالثقافة عالية المستوى.
نمط متكامل من المعرفة البشرية، والاعتقاد، والسلوك الذي يعتمد على القدرة على التفكير الرمزي والتعلم الاجتماعي.
مجموعة من الاتجاهات المشتركة, والقيم, والأهداف، والممارسات التي تميز مؤسسة أو منظمة أو جماعة ما.
عندما ظهر هذا المفهوم لأول مرة في أوروبا في القرني الثامن عشر والتاسع عشر، كان يشير فيما يشير إليه إلى عملية الاستصلاح أو تحسين المستوى، كما هو الحال في عملية الزراعة أوالبستنة.أما في القرن التاسع عشر، أصبح يشير بصورة واضحة إلى تحسين أو تعديل المهارات الفردية للإنسان، لا سيما من خلال التعليم والتربية، ومن ثم إلى تحقيق قدر من التنمية العقلية والروحية للإنسان والتوصل إلى رخاء قومي وقيم عليا. إلى أن جاء منتصف القرن التاسع عشر، وقام بعض العلماء باستخدام مصطلح "الثقافة" للإشارة إلى قدرة الإنسان البشرية على مستوى العالم
وبحلول القرن العشرين، برز مصطلح "الثقافة" للعيان ليصبح مفهوما أساسيا في علم الانثروبولوجيا، ليشمل بذلك كل الظواهر البشرية التي لا تعد كنتائج لعلم الوراثة البشرية بصفة أساسية. وعلى وجه التحديد، فإن مصطلح "الثقافة" قد يشمل تفسيرين في الانثروبولوجيا الأمريكية ؛ التفسير الأول : نبوغ القدرة الإنسانية لحد يجعلها تصنف وتبين الخبرات والتجارب بطريقة رمزية، ومن ثم التصرف على هذا الأساس بطريقة إبداعية وخلاقة.التفسير الثاني : فيشير إلى الطرق المتباينة للعديد من الناس الذين يعيشون أرجاء مختلفة من العالم والتي توضح وتصنف بدورها خبراتهم، والتي تؤثر بشكل كبير على تميز تصرفاتهم بالإبداع الوقت ذاته. وفى أعقاب الحرب العالمية الثانية، صار لهذا المفهوم قدر من الأهمية ولكن بمعاني مختلفة بعض الشئ في بعض التخصصات الأخرى مثل علم الاجتماع، والأبحاث الثقافية، وعلم النفس التنظيمي، وأخيرا الأبحاث المتعلقة بعلم الإدارة.
مجالات ارتقاء المثل الإنسانية
في غضون القرن التاسع عشر، كان لأنصار الحركة الإنسانية الكلاسيكية ومنهم الشاعر والكاتب الإنجليزي ماثيو آرنولد مفهوما آخر لكلمة "الثقافة" حيث استخدموا هذا المصطلح للإشارة إلى الصورة المثلى في دماثة الخلق، أو بصورة أخرى الوصول إلى "أفضل ما توصل إليه البشر من طرق للتفكير قيلت أو اعتُقد فيها في ذلك الوقت وبصورة عملية، فإن مفهوم الثقافة يشير إلى كل ما هو مثالي أو يجتمع علية القوم أو الصفوة وكل ما هو وثيق الصلة بمثل هذه الأمور مثل فن الرسم والنحت، الموسيقى الكلاسيكية، فن الطبخ المتميز والأزياء الراقية، والخلق الكريم ،أن التعريفات المعاصرة للثقافة تندرج تحت ثلاثة تصنيفات أو مزيج من الثلاثة التالية
"عملية تنمية للنواحي الفكرية والروحية والجمالية "
"طريقة معيشية معينة في حياة شعب من الشعوب، أو مميزة لفترة من الفترات من المجموعات".
جميع الأعمال والممارسات الخاصة بالنشاط الفكري والفني بصفة خاصة".
كما ارتبطت هذه الممارسات بأنماط الحياة البدوية، فإن كلمة "ثقافة" اتسمت بكل ما تعنيه كلمة "حضارة" (مشتقة من الكلمة اللاتينية سيفي تاس ، بمعنى مدينة)ويعد الاهتمام بالفلكلور الشعبي هو من أهم ما يميز الحركة الرومانسية. وهو ما أدى بدوره إلى تعريف كلمة "ثقافة" بين العامة من غير النخب. وهذا التمييز يشبه ذلك التمييز الموجود بين عليّة القوم من الطبقة الاجتماعية الحاكمة وعامة الناس. وبعبارة أخرى، فإن فكرة "الثقافة" التي نشأت في أوروبا إبان القرنين الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر عكست بدورها حالة من عدم المساواة داخل المجتمعات الأوروبية
آراء القرن العشرين حول مفهوم كلمة ثقافة الإنثربولوجية الأمريكية
على الرغم من أن علماء الأنثر وبولوجيا في جميع أنحاء العالم يوافقون على تعريف تايلور للثقافة، إلا أنه في في القرن العشرين برز مفهوم كلمة "ثقافة" بوصفه مفهوم مركزي وموحد في الانثروبولوجيا الأمريكية، حيث أنها تشير إلى القدرة الإنسانية بصورة رمزية وبشكل كبير والتي بدورها تعبر عن الخبرات الفردية بشكل رمزي ,وفى الوقت ذاته تقوم بربط تلك الخبرات الرمزية بشكل اجتماعي.فيمكن تقسيم الانثروبولوجيا الأميركية إلى أربعة حقول، كل منها يشارك بدور هام في البحث عن الثقافة : وهم الانثروبولوجيا البيولوجية، واللغويات، والأنثروبولوجيا الثقافية وعلم الآثار.و قد أثر البحث في هذه المجالات على علماء الانثروبولوجيا الذين يعملون في بلدان أخرى بدرجات مختلفة
الانثروبولوجيا البيولوجية :وأثرها قي تطور الثقافة
يدور بحث بشأن الثقافة بين مركزين لعلماء الانثروبولوجيا البيولوجية حول اثنين من المناقشات. الأولى، هي ثقافة الإنسان الفريدة من نوعها أو بالمشاركة مع الأجناس الأخرى (كما هو جلي، الحيوانات الرئيسية الأخرى)؟هذا هو السؤال المهم، حيث تقوم نظرية التطور على أن البشر ينحدرون من سلالة (انقرضت الآن) البدائيات غير البشرية. ثانيا، كيف تطور مفهوم الثقافة بين بني البشر؟
ثقافة غير البشر
لاحظ جيرالد ويس أنه على الرغم من تعريف تايلور التقليدي لكلمة ثقافة يقتصر على البشر بعينهم، فإن العديد من علماء الأنثربولوجيا قد اتخذوا من هذا أمرا مفروغا منه، وبالتالي عملوا على حذف هذا الشرط الهام من المفاهيم اللاحقة ,، مجرد ثقافة المساواة مع أي سلوك مكتسب. يعد هذا الزلل مشكلة لأنه خلال السنوات التكوينية لعلم الحيوانات الراقية المعاصر، قد تلقى بعض علماء الحيوانات الراقية تدريبا في علم الانثروبولوجيا (وبالطبع هم على دراية بأن مفهوم كلمة ثقافة يشير إلى تعلم السلوك بين البشر)، وبعضها الآخر ليس كذلك. وقد لاحظ بعض العلماء من غير الأنثربولوجيين، أنه طالما أن حيوان الشمبانزي قد تعلم بعض السلوكيات ،فبالتالي فلديهم قدر من ثقافة. فحتى يومنا هذا، ينقسم علماء الحيوانات الراقية والذين لديهم خلفية عن الأنثربولوجيا إلى فريقين، بعض منهم ينادى بأن لدى الحيوانات الراقية ثقافة، والبعض الآخر ينادى بعدم وجود ذلك إدراك الطفل
تمد عملية نمو المهارات المشتركة بحلول نهاية العام الأول من حياة الطفل بأساس قوى للتعلم بطريقة المحاكاة يظهر بطبيعة الحال في العام الثاني.حيث قلد مجموعة أطفال يناهزوا ال18 شهرا من العمر طريقة معقدة نسبيا لشخص بالغ في إضاءة مفتاح الكهرباء، وإن كان لدى تلك المجموعة من الأطفال طرق أكثر سهولة وأكثر طبيعية لتحقيق نفس الهدف. وفي دراسة أخرى، تعامل فيها مجموعة أخرى من الأطفال في عمر ال 16 شهرا مع البالغين الذين استخدموا سلسلة معقدة من الحركات بدت مقصودة بعض الشئ، ومجموعة مماثلة من الحركات بدت عرضية نوعا ما، بدأ الأطفال في محاكاة تلك الحركات التي تبدو متعمدة. وكشفت دراسة أخرى تم إجراؤها على مجموعة من الأطفال يناهزون ال 18شهرا عن أنهم يحاكون البالغين في حركاتهم المتعمدة، والتي لا تشترط أن ينجحوا في تنفيذها بدرجة صحيحة في كل الأحايين. ركز توماسيلو على أن هذا النوع من التعلم بالمحاكاة " يعتمد أساسا على قدرة الرُضع على تمييز البالغين، وعلى قابليتهم على التعرف على تصرفات الآخرين والهدف من ورائها والوسائل المختلفة التي يمكن استخدامها لتحقيق ذلك." يسمى ماسيلو هذا النوع من التعلم ب"التعلم الثقافي لأن تعلم الطفل ليس مجرد تعلم مجموعة أشياء من الأشخاص الآخرين، وإنما يعتبر أيضا تعلم أشياء من خلالهم—بمعنى أنه يجب أن يعرف شيئا عن وجهة نظر الكبار إبان موقف معين للاستفادة من حدوث موقف مماثل في المستقبل. ويخلص إلى أن الميزة الرئيسية للتعلم الثقافي هو أنه لا يحدث إلا عندما يقوم الفرد "بتفهم تصرفات الآخرين المتعمدة، كما هو الحال مع شخص ما، حينما تكون لديه وجهة نظر ما حيال العالم من حوله والتي يمكن إتباعها وتطبيقها والاستفادة منها بشكل عام
يعد كلا من التعلم بالمنافسة أو بالمحاكاة طريقتين مختلفتين لا يمكن تفسيرهما إلا قي ظل كلا من الظروف البيئية المحيطة أو ملابسات عملية التطور على حد سواء. ففي إحدى التجارب, تم تقديم اثنين من صغار الشمبانزى يناهزوا الثانية من العمر كل على حدة بأداة للغرف وشئ يبعد عنهم نسبيا.كما قدم الأشخاص البالغون طريقتين للوصول إلى الشئ باستخدام الأداة إحداهما فعالة والأخرى أقل فعالية.استخدم الشمبانزى الطريقة الأكثر فعالية ذاتها أكثر من مرة.وبنفس الطريقة، يقلد الأطفال أي أسلوب يتبناه البالغين ويرونه سليما. فربما يعتقد البعض بأن الشمبانزى أكثر ذكاء إذا ما وضع قي كفة مقارنة بنفس تلك المعايير مع البشر قي آن واحد. لدى كلا الطرفين نسبة ذكاء متساوية من منطلق الناحية التطورية لكن مع مراعاة اختلاف نوع الذكاء المرتبط باختلاف البيئات ترتبط آليات تعلم الشمبانزي مع البيئة المادية المحيطة بهم والتي لا تتطلب سوى القليل من التعاون الاجتماعي فيما بينهم(وذلك بالمقارنة مع البشر). فتتناغم آليات تعلم الإنسان والبيئة الاجتماعية المتشعبة المحيطة به حيث نجد أن تفهم وجهات نظر الآخرين أهم بكثير من النجاح قي أداء مهمة معينة.من وجهة نظر توماسيلو ,مكنت تلك الآلية من تحقيق "التأثير التدريجي " والذي ساعد بدوره البشرية في تطور أنظمتها الاجتماعية المتشعبة والتي خلقت نوعا من التكيف الفعال مع البيئات المادية المختلفة على سطح البسيطة.
التعليم الثقافي
التعليم الثقافي
يعتبر التعلم الثقافي من وجهة نظر توماسيلو ضرورة ملحة من أجل اكتساب اللغة.حيث لا يتعلم كل أطفال مجتمع ما أو معظمهم في آخر جميع المصطلحات من خلال التأثير المباشر من قبل البالغين عليهم.وعموما ,يجب على السواد الأعظم من الأطفال أن يجدوا طريقة لتعلم اللغة من خلال الاحتكاك الإجتماعى الطويل الأمد ,حتى من خلال الكلام الموجه لغيرهم في بعض الأحايين. وذلك لوجود كمية هائلة من المفردات الخاصة بلغتهم أيا كانت.هذا ما أكدته مجموعة متنوعة من التجارب التي تعلم من خلالها الأطفال بعض الكلمات الجديدة وإن لم يتواجد مصدرا مباشرا لتلك الكلمات، بل يمكن أن يتواجد أكثر من مصدر لها في آن واحد، ولم يكن للبالغين أية جهود مبذولة بطريقة مباشرة كمحاولة لتعليم ولو كلمة واحدة فقط للطفل. لا يعتبر الرمز سوى علامة على الفهم العام لموقف مشترك هذا ما انتهى إليه توماسيلو
اللغة والثقافة
قد لوحظت العلاقة بين الثقافة واللغة في فترة تعود إلى الفترة الكلاسيكية، وربما قبل ذلك بوقت طويل. فالإغريق القدامى، على سبيل المثال، يميزون بين الشعوب المتحضرة وبارباروس "أولئك الذين يميلون إلى الثرثرة"،، أي أولئك الذين يتكلمون لغات غير مفهومة. فنظرا لأن هناك مجموعات تتحدث لغات مختلفة، وغير مفهومة فقد يعتبر ذلك دليلا ملموسا على الاختلافات الثقافية أكثر من كونه من السمات الثقافية الأخرى الأقل وضوحا
في الواقع، إن أصل اللغة، والذي يفهم على أنه قدرة الإنسان على التواصل عن طريق الرموز المعقدة، وكذلك منشأ الثقافة المعقدة غالبا ما يعتقد أنهما يشتركان في نفس الأصل هو نفس العملية التطورية للإنسان البدائي. في الواقع، إن أصل اللغة، والذي يفهم على أنه قدرة الإنسان على التواصل عن طريق الرموز المعقدة، وكذلك منشأ الثقافة المعقدة غالبا ما يعتقد أنهما يشتركان في نفس الأصل هو نفس العملية التطورية للإنسان البدائي.. ومن ثم فإنه يمكن وصف كل من اللغة والثقافة على حد سواء كوسيلة لاستخدام الرموز في بناء الهوية الاجتماعية والحفاظ على التماسك الاجتماعي في إطار مجموعة اجتماعية لا يمكنها الاعتماد بشكل كامل على طرق بناء المجتمع التي ظهرت قبل ظهور الإنسان وذلك بسبب كبر حجمها على سبيل المثال الاستمالة..و لأنه يعتبر كل اللغة والثقافة على حد سواء في جوهرهما أنظمة رمزية، فقد قام المنظرون الثقافيون في القرن العشرين بتطبيق طرق تحليل اللغة التي تطورت في ضوء علم اللغويات من أجل تحليل الثقافة.
ومع ذلك، فإن اللغات، التي تفهم على أنها مجموعة معينة من قواعد الكلام في مجتمع معين، هي أيضا جزء من ثقافة المجتمع الذي يتحدث تلك اللغة. فالبشر يستخدمون اللغة كوسيلة للتعبير الهوية الثقافية داخل مجموعة واحدة وبشكل يميزهم عن باقي المجموعات الأخرى. حتى بين المتحدثين بلغة واحدة فإننا كثيرا ما نجد بعض الاختلافات في استخدام تلك اللغة، ويستخدم كل اختلاف من هذه الاختلافات في تمييز بعض المجموعات الفرعية عن غيرها ضمن إطار الثقافة الأوسع. في علم اللغويات تسمى هذه الطرق المختلفة لاستخدام لغة واحدة "أصناف". فاللغة الإنجليزية على سبيل المثال، يتحدث بها الناس بشكل مختلف في الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، وحتى داخل البلدان الناطقة بالانكليزية هناك المئات من اللهجات الإنجليزية التي تشير إلى أولئك الذين ينتمون إلى منطقة معينة و/ أو ثقافة فرعية.. على سبيل المثال، في المملكة المتحدة تميز لهجة كوكني أولئك الذين ينتمون إلى مجموعة من عمال الطبقة الدنيا من شرق لندن. كما تظهر الفروق بين الأنواع المختلفة من نفس اللغة غالبا ليس في الاختلاف في طرق النطق والمفردات اللغوية فحسب، ولكن أيضا في بعض الأحيان في الاختلاف في النظم النحوية، وكثيرا ما تستخدم في الأنماط المختلفة (على سبيل المثال كوكني العامية المقفاة أو لغة رجال المحاماة). هذا وقد تخصص كل من اللغويين وعلماء الانثروبولوجيا، وبخاصة علماء اللغويات الاجتماعيين، وعلماء اللغويات المتخصصون قي الأعراق والانثروبولوجيا اللغوية في دراسة كيفية تنوع طرق الكلام بين المجتمعات التي تتميز بالكلام.
وتعتبر طرق الكلام أو الإشارة في مجتمع ما جزءا لا يتجزأ من ثقافة المجتمع ككل، تماما كما هي الممارسات المشتركة الأخرى. فاستخدام اللغة هي طريقة لبلورة وتوضيح هوية المجتمع. فطرق الكلام بين الأشخاص ليست طريقة لتسهيل التواصل بينهم فحسب وإنما لتحديد هوية ومكانة المتحدث الاجتماعية أيضا. فعادة ما يطلق اللغويون على الطرق المختلفة في التحدث بلغة ما، مصطلحا يشمل لهجات معرفة جغرافيا أو ثقافيا ولغات أو أساليب تحدد المجموعة الفرعية ذاتها وتميزها عن غيرها. كما يعرف علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا اللغوية الأسلوب التواصلي على أنه الطرق التي تستخدمها اللغة والتي تعتبر مفهومة في إطار ثقافة معينة.
فلا تقتصر الاختلافات بين اللغات علي اختلافات النطق، والمفردات أو القواعد اللغوية فحسب، بل تتعدى لتشمل تحويل الكلام إلى إشارات من خلال الاختلافات في " ثقافات الكلام". حيث يوجد بعض الثقافات على سبيل المثال أنظمة واسعة
تختلف عند التمييز بين مخاطبة بعض الناس باستعمال الاسم الأول والبعض الآخر باستعمال الألقاب و أيضا عند استعمال الألقاب مثل "سيدتي"، "ولدى"، "دكتور" أو "صاحب السمو ولكن في لغات أخرى قد تكون مثل هذه الأنظمة معقدة للغاية
وتندثر معالمها ضمن قواعد اللغة ومفرداتها أما في لغات شرق آسيا، على سبيل المثال التايلاندية، البورمية والجاوية، تستخدم كلمات مختلفة حسب شخصية المخاطب سواء أكان من رتبة أعلى أو أقل وذلك طبقا لتصنيف تحتل فيه الحيوانات والأطفال أدنى مرتبة والآلهة وأعضاء الحاشية الملكية أعلاها وفى لغات أخرى قد تستخدم تعبيرات مختلفة عند مخاطبة أي من الجنس الآخر أو الأقارب من الدرجة الأولى، وتستخدم العديد من اللغات طرقا خاصة للتحدث إلى الأطفال والرضع.. من بين تلك المجموعات ،قد يترتب على تبنى تلك الثقافة عدم التحدث إلى شخص معين،، على سبيل المثال يعتبر تحدث المرء إلى محارم الآخر من المحرمات في لكثير من ثقافات الشعوب الأصلية في أستراليا، وقد لا يوجه الحديث إلى الأطفال بطريقة مباشرة في بعض تلك الثقافات. وقد تتطلب بعض اللغات الأخرى طرقا مختلفة للتحدث مع أفراد من مختلف الطبقات الاجتماعية، وغالبا ما يقوم مثل هذا النظام على الفروق بين الجنسين، كما هو الحال في اليابان
تغيير الثقافة
ولقد تطور الاختراع الثقافي ليشمل أي ابتكار جديد مفيد لمجموعة من الناس، وتم التعبير عنه في سلوكهم بدون أي وجود مادي له. وتكمن الإنسانية في فترة يتصف فيها العالم بـ" التغيير المتسرع للثقافة "، بدافع من التوسع في التجارة الدولية، وسائل الإعلام، وفوق كل شيء، تزايد الكثافة السكانية، من بين عوامل أخرى.
وتتأثر الثقافات داخليا بكلأ من القوى المؤيدة للتغيير والقوى المناهضة للتغيير. تتأُثر تلك القوى بكلأ من البناء الاجتماعي والأحداث الطبيعية، كما تشارك بدور كبير في استمرار الأفكار والممارسات الثقافية ضمن الأنظمة الحالية، والتي تكون عرضة للتغيير قي حد ذاتها.
وقد تُنتج أشكال الصراع الاجتماعي والتنمية التكنولوجية تغييرات داخل المجتمع عن طريق تغيير الآليات الاجتماعية، وتعزيز النماذج الثقافية الجديدة، وتحفيز أو تمكين العمل الإنتاجى. وقد تصاحب تلك التحولات الاجتماعية نظيرتها من التحولات الأيديولوجية وغيرها من أنواع التغيير الثقافي. على سبيل المثال، ضمت الحركة الأميركية النسائية بعض الممارسات الجديدة والتي أنتجت بدورها تغيرا في العلاقات بين الجنسين، وفى الأنظمة الاقتصادية على حد سواء. ولا يمكن استثناء الظروف البيئية من تلك العوامل. وتتضمن تلك التغييرات من سيكون بطل الفيلم المحلي المقبل. على سبيل المثال، بعد أن عادت الغابات الاستوائية في نهاية العصر الجليدي الماضي، باتت النباتات المنزلية متاحة، مما أدى إلى اختراع الزراعة، والتي بدورها أحدثت العديد من الابتكارات الثقافية والتغيير في الأنظمة الاجتماعية
وقد تتأثر الثقافات من الخارج عن طريق الاحتكاك بين المجتمعات، والتي قد تنتج أيضا، أو تمنع - التحولات الاجتماعية والتغيرات في الممارسات الثقافية. وقد يكون للحرب أو التنافس على الموارد بالغ الأثر قي التطور التكنولوجي أو التغييرات الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، قد يتم نقل الأفكار الثقافية من مجتمع إلى آخر، عن طريق التعايش أو التبادل الثقافي. فعن طريق التعايش ،قد يتم نقل أي شيء (ليس بالضرورة ذكر قيمته) من ثقافة إلى أخرى. على سبيل المثال، قد يبدو الهمبرغر مدهشا عند تقديمه قي الصين على الرغم من وجوده العادي قي الولايات المتحدة. حيث يشير "التعايش النشط" أو (تبادل الأفكار) إلى عنصر واحد من ثقافة معينة والذي قد يقودنا إلى اختراع أو شهرة في ثقافة أخرى. من ناحية أخرى ,يرجع "الاقتراض المباشر" إلى التقدم التكنولوجي من ثقافة إلى أخرى. وتقدم نظرية تبادل الابتكارات نموذجا يعتمد على البحوث النظرية والذي من شأنه مساعدتنا في معرفة لماذا ومتى يمكن للأفراد والثقافات اعتماد أفكار، وممارسات، ومنتجات جديدة.
وللتبادل الثقافي معاني عديدة، ولكن في هذا السياق، يشير إلى استبدال سمات ثقافة ما بنظيرتها من ثقافة أخرى، مثلما حدث لبعض سكان أمريكا الأصليين ولكثير من الشعوب الأصلية في جميع أنحاء العالم خلال عملية الاستعمار. وتشمل العمليات ذات الصلة على المستوى الفردي نوعا من التشابه أي تبنى فرد ما ثقافة مختلفة
من فضلك . أضف تعليقا في نهاية الصفحة
ولا تتردد في ضغط زر المشاركة لتشارك غيرك الفائدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق