الأحد، 19 يونيو 2011

أصول تقنيات فن الفسيفساء


بوابة عشتار (، وبدايات فن الفسيفساء) عصر نبوخذ نصر الثاني (604 – 562 ق م
 الجزء الثاني من مقال بعنوان الفسيفساء اضغط  هنا لمطالعة الجزء الأول
إنه فنُّ التلاحم والتشابك بين قطع صغيرة الحجم من الزجاج أو  الحجارة ذات ألوان مختلفة بهيجة، فإذا بها تشكل صورًا تنبعث حية وجميلة من تراصف بسيط. لقد استطاع الفنان بأدواته البسيطة وقدرته الخلاقة أن يترجم فلسفات حضارية كاملة في ألوان متعددة عبر قطع مكعبة الشكل لا يتعدَّى حجمها السنتمتر الواحد، من الرخام أو الزجاج أو القرميد أو البلور أو الصدف أو أية مواد أخرى ثابتة اللون قابلة للقطع والصقل. فكيف تطوَّرت هذه التقنية وإلى أين ترجع أصولها؟
 تعود أولى الأعمال المكتشفة التي يمكن اعتبارها سلف فن الفسيفساء إلى معبد الوركاء بمدينة بابل حيث كان سكان بلاد الرافدين أول من استخدم الطوب (أو اللبن) المزجج في تزيين جدران الأبنية بأشكال هندسية متعددة، وكان لهم الفضل في تطوير أساليبه، من حيث المواد المستخدمة التي قاموا بتقليل أحجامها إلى أقل قدر ممكن حتى تتعدد ألوانه وتصبح الصور أكثر وضوحًا، إضافة إلى مهارة التشكيل وحرفية التركيب الذي أخرج أبدع لوحاته في باب عشتار، وجدران شارع الموكب وقاعة العرش في بابل. وقد انتقل هذا الفن خلال القرون التالية إلى آسيا الصغرى واليونان، حيث ذاع صيته واتخذ قوالب فنية جديدة، وتطوَّرت تقنياته وتبلورت أساليبه خلال الحضارة اليونانية ثم الرومانية.

 ولكن، يظل علينا أن نتصوَّر كيف ولد هذا الفن عبر مراحل أكثر قدمًا، تعود إلى بداية الاستقرار في مدن صغيرة، ونشوء أولى الممالك وما رافق ذلك من نهضة في كافة مناحي الحياة، الاقتصادية والاجتماعية بل وكذلك الفنية والفكرية والتقنية. وقد ساعدت التجارة البعيدة المدى في توفير المواد الأولية التي نجح الحرفيون والفنانون لاحقًا في تحويلها إلى لوحات جميلة.
الإسكندر وكراتروس يصطادان أسد، فسيفساء من الحصى في پلا، نهاية القرن الرابع قبل الميلاد.
 فنحن نعرف أن مبادلات المواد المختلفة، ومنها الحجارة الكريمة المتعددة الألوان، كانت تتم مع مصر وشمالي أفريقيا ومع إيران وأفغانستان والأناضول، حيث كانت بلاد الرافدين والشام تشكلان ممرًّا طبيعيًا لهذه المبادلات التجارية. وهكذا، مع توافر المادة الخام في المنطقة، إضافة إلى الصلصال الذي كان استخدامه قد تطوَّر بحيث باتت تُشكَّل منه قوالب اللَّبن (قوالب من الطين والقش) لبناء البيوت والمعابد والقصور، بدأ حرفيو الحضارة السومرية والبابلية بتعشيق الحجارة الملونة في كتل الصلصال المعدة للبناء، فكانت أولى لوحات التزيين الفسيفسائية في التاريخ.

 الفسيفساء من الفنون القديمة جدا التي عرفها الانسان  لتنفيذ  لوحات مختلفة المساحة  تمثل موضوعات مختلفة  أو تصميمات   و هي أحد أقدم الفنون التصويرية. تعتمد تقنيات هذا الفن علي التشكيل النهائي من عدد كبير من القطع ترصف في تناسق جنبًا إلى جنب

لتقوم بتغطية المساحات بواسطة قطع صغيره الحجم  وعادة ماتكون ملونة التي تكون بمجملها صورة ما أو تصميم  وتكون هذه القطع مختلفة الاشكال فمنها المكعب او المثلث او السداسي وغيرها من الزجاج و الأحجار والرخام والجرانيت والبلُّور والخزف والأصداف والأخشاب أو أي مادة صالحة

 لتشكيل أرضيات أو لوحات جدارية في البيوت والمعابد والقصور والكنائس والجوامع،أوتطبيقات أخري كالصناديق والمزهريات والنوافير وقع الأثاث وغيرها   وهي تتميَّز بثبات ألوانها وأشكالها لأنها مبنية من مواد طبيعية. وتعدُّ من أهم فنون العمارة المستخدمة في زخرفة وتزيين المباني. 

وكانت القطع الستعمله قديما تصنع من الطين المشوي كي تكون صلبة بما فيه الكفايه فتصمد للاستخدام طويل المدى وتتحمل آثار الزمن عليها .

 و قد شهد هذا الفن  تطورا كبيرا في القرون الماضية  تمثل باستخدام انواع مختلفة من الخشب (كخشب الورد والكينا والليمون) اضافة لدخول الصدف اليها ما اضفى جماليه ورونقا مختلفا .

كان الأوروبيين يقطعون قطع الموزاييك او  الفسيفساء  بشكل واحد أما المسلمين فلقد تفننوا في تقطيعه

وقد مر تطور  الفسيفساء  بمراحل عديدة حتى بلغ قمته في العصر الإسلامي التي تعطينا خلفية واضحة عن تجليات الحضارة الإسلامية في عصورها المزدهرة, ذلك الفن الذي اهتم بتفاصيل الأشياء والخوض في  أعماقها، نافذاً من خلال المواد الجامدة إلى معنى الحياة,  . واستطاع الفنان المسلم بأدواته الخلاقة أن يترجم لنا فلسفة هذه الحضارة في ألوان متعددة من الفنون الجمالية الراقية، التي يقف  الفسيفساء  في قمة هـرمها متربعاً على عرش الصورة الفنية المتكاملة، عبر قطع مكعبة الشكل لا يتعدى حجمها سنتيمترات من الرخام أو الزجاج أو القرميد أو البلور أو الصدف, وهو حجر ناطق يروي حكايات الماضي العتيق.. حكايات صاغتها أيدي الصناع المهرة على الجدار والقباب والأرضيات وغيرها فروت ماضيهم وكيف أن إبداعهم تجاوز حدوده وانطق الحجر فجمل المساجد والقصور وغيرها.   
الفسيفساء  هو فن العصور الإسلامية بامتياز وقد أبدع فيها المسلمون فطوروا هذا الفن و تفننوا به و صنعوا منه أشكالاً رائعة جداً في المساجد من خلال المآذن و القباب وفي القصور و النوافير و الأحواض المائية ...الخ. لكن هذا الفن العريق عاد للظهور من جديد بصورة حديثة تواكب العصر و لعل أبرز ما دفع الناس حتى مع تطورنا و تقدمنا نحب بل نجبر أحياناً للعودة إليها فظهر فن  الفسيفساء  في المنازل و القصور و الأسواق الحديثة في أحواض السباحة في الحمامات وفي أشكال رائعة من اللوحات الجدارية الضخمة.



الفسيفساء و الزجاج  

وتعتبر صناعة الزجاج من الحرف العريقة التي ورثتها الأجيال جيلاً بعد جيل حتى هذا العصر،

وقد شهدت هذه الصناعة تطوراً كبيراً وملحوظاً في العصر الإسلامي في المنطقة العربية لاسيما في بلاد الشام وفي دول المغرب العربي، وبرزت الزخرفة الإسلامية على سطح المرايا والقوارير بألوانها المطلية بالذهب وبالنقوش المتداخلة وخطوط الرسوم الهندسية التي تميز بها الفن الإسلامي.

وبقيت هذه المهنة في ازدهار واكتسبت أهمية كبيرة في الفترة الواقعة بين القرن الرابع الهجري وحتى القرن الرابع عشر، ثم أدخلت عليها تقنيات حديثة في صناعة الزجاج كأشكال بديلة عن النفخ التقليدي، لارتباطها ارتباطاً وثيقا مع منتجات الديكور والإكسسوارات.


وكان لطريقة النفخ في الزجاج مكانة مميزة في إنتاج القوارير ومزهريات الزينة، هذه الطريقة التي تعتمد على تعبئة الهواء داخل قوارير وقوالب بعد تسخينها وصهرها في درجات عالية من الحرارة، حيث أن عملية النفخ في كتلة العجين الزجاجي تنتج أشكالاً مختلفة من المنتجات الزجاجية كالأباريق والمزهريات وعلب الحلوى وصناديق الزينة والقوارير، ويحدد الحرفي الشكل والحجم النهائي للقطعة المراد تكوينها، ويختار لاحقاً نوع الزخرفة والنقش على سطحها، ويحتاج الحرفي الذي يعمل في صناعة الزجاج إلى مهارات فنية عالية كالمثابرة أمام أفران تعمل في درجات مرتفعة من الحرارة، والتدريب المستمر لفترات قد تصل إلى 4 سنوات لإتقان هذه الصنعة، وكذلك فلابد من توفر القدرة الإبداعية والفنية عند الحرفي لاكتساب المزيد من المهارة ومن ثم الإبداع في هذه الحرفة التي تحتاج إلى مواكبة الزمن والتطور وإنتاج نماذج مختلفة بين الحين و الآخر.

 الزجاج الملون:

الزجاج الملون جزء أساسي من الديكور           

 عرفت أنواع مختلفة من الزجاج الملون قديماً، ولا يزال أثر هذا الفن باقياً في آثار غرناطة حيث "قصر الحمراء" المزين بالثريات والقمريات الزجاجية، كذلك مسجد قرطبة الذي أقيم في عهد الخليفة عبد الرحمن بن معاوية (عبد الرحمن الداخل) الذي زين بأكثر من 365 ثريا ومشكاة وقنديل للزيوت.

وحاليا أصبح الزجاج الملون من أكثر المواد عصرية في المباني، والذي كان يعتبر مجرد زخرفة لمدة طويلة من الزمن، وهو يخضع اليوم لخطوات أكثر ابتكاراً، وذلك نتيجة الاستغلال الأمثل للإمكانيات الكبيرة الموجودة في الزجاج وكذلك استغلال التقنيات الحديثة وتطور الفكر الإبداعي والهندسي.



الموازييك   أحد فنون الزجاج المعشق:

لقد تبلور فن الفسيفساء بعد أن اكتملت الهوية الفنية الإسلامية، واتخذ لنفسه هذا الأداء والأسلوب الإبداعي بعيداً عن فن (الموزاييك) الغربي الذي اعتمد علي استخدام قطع صغيرة متشابهة هندسياً، ولذلك فقد تميز الفن الإسلامي بمنهج خاص يظهر بوضوح في المساجد والعمائر الإسلامية التي استوحى منها الفنان المسلم روحه الفريدة وقيمه الأخلاقية والاجتماعية والدينية. للموزاييك المغربي أو الزليج مكانة خاصة في المعمار العربي والإسلامي، فهو الصنعة التقليدية التي حافظت على أصالتها وفنيتها رغم التطور الكبير الذي شهده المعمار، وهذه الخصوصية تستمد قوتها وجماليتها من التراث وجودة المواد التي يعمل بها الصانع التقليدي لإخراج قطع الموازييك في حلتها البهية.



هناك تعليق واحد:

أهلا وسهلا

رحـلات وجـولات ورسائل لا تنـتهى للعقـل والـروح وأحـيانا للجـسـد عــبر نـوافــذ الادراك المعـروفـة والمجهولة تتـخطـى المكان والـزمان تـخـوض بحـار العـلم و تـكشـف أسـرار المـعرفة حربـا علـى الظــلام والتحاقا بالنـور بحـثا عـن الخيــر والجـمـال ووصــولا الى الـحـق