الأربعاء، 22 يونيو 2011

الصابئة هل هي ديانة ؟


   ديانة وُصفت بأنها عرفانية سرية، فهي ديانة كما أثبتت البحوث والدراسات الحديثة، وليست طائفة أو مذهب من الذاهب، هي ديانة يؤمن أتباعها بالله، وللصابئيين نبي هو النبي يحيا، والمقصود به "القديس يوحنا المعمدان" ولهم كتاب يتضمن جوهر الديانة الصابئية وطرق العبادة وطقوسها، ونظرتهم للكون والخلق والخالق.
توصف الصابئة بالعرفانية لأن أتباعها يؤمنون بأن النفس الخاطئة تنتقل انتقالاً وتتطهر بالمعرفة، وهي سرية لأن أتباعها لم يجاهروا بها لا من قبل ولا اليوم، حتى إن الكهنة لا يسلمون أسرارها إلا لأبناء دينهم بعد سن معينة ربما سن البلوغ أو الرشد من رجال ونساء، وهم بالتالي لا ينشرون كتبهم المتضمنة أصل ديانتهم وأسرارها وما ينشأ عن ذلك من تقاليد وعبادات وطقوس، بالإضافة لكونها ديانة مغلقة فلا يُسمح لأحد باعتناقها أو الانتساب إليها من جديد، كما أنهم لا يسمحون لأتباعهم من ذكور ونساء بالزواج من غريب أي غير المندائيين "الصابئيين"، فالزواج إذاً محصور داخل الجماعة، وحقهم فقط بامرأة واحدة، ولا تسمح ديانتهم بتعدد الزوجات.
1- التسمية: ذكر بعض المؤرخين والباحثين أن هناك جماعة من الصابئة أُطلق عليهم اسم "صابئة حران"، ويبدو أن سبب التسمية "حران" هو نسبتهم إلى المكان الذي عاشوا فيه، وهو مدينة حران في شمال سوريا القريبة من الجنوب العراقي، ويُقال أنهم أساساً من أصول يونانية وآرامية وكانت لغتهم الآرامية، وقد نسب بعض الباحثين أن الجماعة الأخرى من الصابئة وهم الأكثرية والأكثر شهرة هم "الصابئون المندائيون"، ومن المعروف أنهم هم الذي أطلقوا على أنفسهم هذه التسمية، ويُعزى سبب ذلك إلى أن كلمة "منداي" هي آرامية ومعناها "العارف"، أي المشتق من الفعل "عرف أو علم"، والصابئة بالمعنى الحقيقي: هي الجماعة الخارجة من دين إلى دين، أو من شيء إلى شيء.
2- الموطن الأصلي: يذكر بعض المؤرخين أن الصابئة الحرانية هم من أصول سريانية ومصرية، ولكن ذلك لم يُثبت كحقيقة تاريخية، وحتى الآن لم يُعرف من أين جاء الصابئة إلى حران في شمالي سوريا، وتجدر الإشارة إلى أن صابئة حران كانوا يزعمون:
 1- أن الكون متناه وانه كروي، ولكنهم لا يؤمنون بأن الأرض تدور، وليس للوجود مبدأ ثان وإنما يتعلق الوجود بالباري تعالى.
 2- كما يزعمون أن الكواكب سيارة وثابتة، وان الكواكب الثابتة متفوقة على الكواكب السيارة وتعينها على انجاز أفعالها، ويُنسب لهم اعتقادات مختلفة بالنجوم والكواكب حتى قال عنهم كثيرون أنهم  عبدة الكواكب والنجوم.
 3- كما يزعمون أن الفلك التاسع مماس لفلك الكواكب الثابتة، وهو المنتهى لفلك البروج، وان له درجات وكل درجة تنقسم إلى "شمال وجنوب".
3- وحدة الجماعة الصابئية:
في الحقيقة إننا لم نقع على بحث أو رأي، لا يذكر التاريخ الخاص بالصابئة أن هناك أكثر من جماعة تحمل هذا الاسم سوى ما ذكر عن صابئة حران الذين هاجروا من شمال سوريا لظروف خاصة بهم حيث كانوا يعيشون حول ينابيع عادية ومعدنية، فوصلوا إلى  جنوب البصرة في العراق، حيث التقوا بالصابئة هناك في منطقة  ماداي وشكلوا وحدتهم الحقيقية ولا ننسى أن بعضهم وهم قلة قد هاجروا إلى  إيران ولا زالوا يعيشون هناك حتى الآن.
هذا ومن المؤكد أن الصابئة المندائيين أصدروا كتاباً منذ القديم عنوانه "حران كويثة" أي "حران السفلى"، وقد جاء فيه أنهم جميعاً جاؤوا إلى بطائح البصرة في العراق من حران وما حولها في سوريا، وبالتحديد من جبال ماداي التي تسمى الآن عين عروس، ويؤكد احد كبار قادتهم وأهمهم ثابت بن قره الحراني في كتاب خاص به:
 1- أن الصابئة "الحرانية والمندائية" ديانة واحدة، ويقول: "نحن الوارثون، ونحن المورثون للصابئة المنتشرة في الدنيا".
 2- ويؤكد ثابت أيضاً: "إن قدماء الصابئة هم من أصل التقدم والحضارة في مختلف مناحي الحياة".
4- آراء الآخرين في وحدة الصابئة المندائية والحرانية:
اختلف الباحثون والدارسون في تحديد العلاقة بين المندائيين والحرانيين من الصابئة، وناقض بعضهم بعضاً:
 فالمستشرق "خولون" المتخصص بدراسة الصابئة الحرانية ينفي أي علاقة بين الحرانيين والمندائيين ويدعم رأيه بالقول: "الحرانيون عبدة كواكب، والمندائيون يبغضون عبدة الكواكب".
والباحث المعروف "اوليري" وافق خولون على رأيه مدعياً انه لا علاقة بين الحرانيين الذين كانوا في شمال سوريا مع  المندائيين الذين كانوا في جنوب العراق.

لكن الليدي دراوار، وهي متخصصة بالصابئة المندائية وقد عاشت بينهم لمدة /23/ سنة وعرفت عن قرب كل شيء عنهم، وهي تقول: "إن هناك مشاركة أساساً في كثير من الأمور بين الطرفين"، ويؤكد زعيمهم ثابت بن قره الحراني في النهاية أنهم اليوم جماعة واحدة بكل معاني الوحدة.
5- بعض معتقدات الصابئة:
سماهم البعض عبدة الكواكب، وقال آخرون هم سحرة ومشعوذون، وقال آخرون أقوالاً شتى فيهم، ومنهم السريان بلسان مار يعقوب الرهاوي (708م) وهو يقول: "انه ورد في كتب الصابئة يومذاك أن السماء والأرض والشمس والقمر وسائر الكواكب هي أزلية وغير مخلوقة، وأنها آلهة هذا العالم وأربابه وسادته".
ويقول أيضاً: "وإنهم يعتقدون أن العالم خُلق برفرفة روح الله على وجه الماء، وقالت الروح: كُنْ..فخلقت هذه كلها ووضعت الروح لهم أرضاً وسماءً وأفلاكاً وأبراجاً".
وأخيراً قال الرهاوي الذي سماهم مرة  بالكلدانيين وعاد فسماهم بالحرانيين، أن قادتهم المتشددين يدافعون عن  القضاء والقدر.
ابن الجوزي قال عنهم:
"اشتغلوا بالسحر والتنجيم، وقالوا لا بد من وسيط بين الله وخلقه في تعريف المعارف والإرشاد للمصالح، إلا أن ذلك الوسيط يجب أن يكون روحانياً لا جسمياً، لكنهم حددوا هذا الوسيط بأنه الفلك القديم الذي لا صانع له وهو فلك حي، كما يؤمنون ايضاً أن في كل كوكب نفس والنجوم تؤثر في النفوس".
والعالم الآلوسي يقول: "إن الصابئة فرقتان: عبدة الكواكب، وعبدة الأصنام. ولكل من الفرقتين أسلوبها وطريقتها في العبادة والتعبد، والصابئة المندائية والحرانية يعتقدون أن النجوم والكواكب تحتوي على مخلوقات حية وأرواح ثانوية لأمر ملك النور، ويرتكز اعتقادهم على أن النجوم والكواكب تتحكم بمصائر الشعوب، وتصاحب الأرواح الخيرة أرواح شريرة".
ويقول أن الأمور الجوهرية في اعتقادهم:
 1-    الماء الجاري وهو رمز الحياة العظمى.
 2-    الروح خالدة وتعيش على قرابين الأهل المقدمة بعد الممات.
 3-    الخضوع لما يقوله الكهنة في الكتب المقدسة.
6- العبادات والفرائض الدينية:
1-  الوضوء: وهو شبيه جداً بالوضوء لدى المسلمين، ولا تصلح الصلاة بدونه أبداً، ويجب أن يبدأ المتوضي بذكر "اسم الحي العظيم"، وهو يقصد ملك الماء الجاري، وهو ماء الحياة عندهم.
2-    الصلاة: وتؤدى ثلاث مرات ويتجهون في صلاتهم نحو الشمال.
3-  الصيام: وهو غير مستمر، ويتم بأوقات متقطعة ولكنها محددة ومدتها /36/ يوماً، واليوم يصومون بالامتناع عن أكل اللحوم المباحة لهم والسمك والبيض، ويركزون على أن الصوم هو الامتناع عن كل سيئة وكل عمل مشين.
4-  الصدقة: فقد أمر نبيهم "يحي" بتقديم الصدقة، وتتم عندهم الصدقة في مناسبات كثيرة ولأناس معروفين سلفاً وليست على سبيل المصادفة، وتتوجب الصدقة لكل من عضه كلب أو حية أو عقرب أو حيوان مفترس، وفي حالات الموت.
7- التعميــد:
وهو اهم شعائر وطقوس الصابئيين المندائيين، ويتم بالماء الجاري لأنه يعني الحياة ذاتها، فهم يؤمنون ان أليصابات زوجة زكريا قد حبلت بماء شربته، فأنجبت النبي يوحنا، لذلك كانت اهمية الماء عندهم بأهمية الحياة.
ويشترك الصائبة في العماد مع المسيحيين، ويختلفون عنهم بأن العماد عندهم أنواع ثلاثة:
1-    التعميد الكامل: ولا يجوز إلا يوم الأحد المقدس عندهم.
2-    العماد الخاص: يتم العماد عدة مرات، وفي مناسبات حياتية كثيرة كالزواج، وللتطهير من خطيئة أو ذنب.
 3-    العماد الجماعي: ويجب حتى على رجال الدين.
ولكل حالة من حالات التعميد ألبسة خاصة بها وادعيات ربانية، عبر طقوس متنوعة ومختلفة، كما يتم العماد حسب الحاجة، ويتم دائماً "باسم الله العظيم"، وإيمانهم أن آدم تعمد على يد الملاك "هيبل زيوا" واستمر نسل آدم على هذه الطقوس.
فالتعميد ركن أساسي من أركان الدين المندائي، بل هو فرض وواجب على كل الصابئيين ذكوراً وإناثاً، لأنه يمثل الولادة الثانية من خلال رمز الحياة "الماء الجاري" الذي به تتحد نفس المندائي بوحدة الحي الطاهر وتصبح نقية وهم يقولون أن يحيى بن زكريا نبيهم هو  أعظم من المسيح لأنه قام بتعميده.
8- الكتاب المقدس لدى الصابئة:
اسمه "الكونزربه" أي صحف آدم، وهو يتضمن العقيدة الصابئية وتاريخها والعبادات وطقوسها وأركان الديانة الصابئية كلها.
بيد أن الدراسات الحديثة تؤكد أن الصابئة تؤمن بالله الواحد، واليوم الآخر، كما تؤمن بالثواب والعقاب، فالمذنبون يذهبون بعد الموت إلى عالم الظلام، فيما يذهب الأبرار إلى عالم النور.
9- الخاتمـة:
الصابئة سايروا تطور المجتمعات بعد أن كانوا متقوقعين على أنفسهم، وتحكمهم نصوص جامدة لا شأن لها في الحياة المعاصرة، وقد عمل قادتهم في سوريا على استئجار أراض حول "نهر الأعوج" على طريق القنيطرة، وبعض المنازل لممارسة طقوس عبادتهم بالماء الجاري.

جميل المشرقي
http://www.skandarassad.com/temp/info_2_12.htm            الأب الكسندروس اسد.
2:59 م               الثلاثاء, حزيران 14, 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا وسهلا

رحـلات وجـولات ورسائل لا تنـتهى للعقـل والـروح وأحـيانا للجـسـد عــبر نـوافــذ الادراك المعـروفـة والمجهولة تتـخطـى المكان والـزمان تـخـوض بحـار العـلم و تـكشـف أسـرار المـعرفة حربـا علـى الظــلام والتحاقا بالنـور بحـثا عـن الخيــر والجـمـال ووصــولا الى الـحـق