الأربعاء، 8 يونيو 2011

الزمن



 "الزمن"، مفهوماً وتعريفاً وتصوُّراً، ليس بالشيء التي يَسْتَسْهِل عقل الإنسان الخوض فيه، وسَبْر أغواره، فهو ما زال لُغْزاً عسير الفهم والحل، ليس في الفلسفة والدين فحسب، وإنَّما في الفيزياء.

ومع أنَّ آينشتاين، وفي وجه آخر من وجوه عبقريته، قد حلَّ هذا اللغز، من حيث المبدأ والأساس، فإنَّ فَهْم، أو تمثُّل، هذا الحل ما زال من الصعوبة بمكان؛ ذلك لأنَّنا اعتدنا النظر إلى الزمن في طريقة تُعَسِّر، ولا تُيَسِّر، فَهْمنا وتَمثُّلنا لـ "الحل" الذي جاء به آينشتاين.

وفي قصَّة الخَلْق التوراتية لـ "الكون"، كان "الزمن" قبل أن يشرع الخالِق يَخْلق "الكون" في صورته التوراتية، فالأيَّام (الأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة، والسبت) كانت موجودة قبل أن يَخْلِق الله الأرض، التي في بعضٍ من هذه الأيَّام خلقها.

الجدل الديني، أو الديني ـ الفلسفي، في أمر "الزمن"، تطوَّر بعض الشيء، بعد مئات السنين من إنشاء قصة الخَلْق التوراتية، فكان السؤال الذي بُذِل كثيرٌ من الجهد والوقت من أجل إجابته هو: "هل الزمن مخلوق، خلقه الله كما خَلَق سائر الأشياء؟".

الإجابة استعصت؛ لأنَّ بعضاً من النصوص الدينية كانت في منتهى الوضوح في حديثها عن "الزمن الإلهي"، فثمَّة "يومٌ عند الله"، وهذا اليوم يفوق في حجمه الزمني اليوم عند البشر.

الماركسية، بفلسفتها "المادية"، وبمنهجها الجدلي (الدياليكتيكي) الذي حلَّ على خير وجه التناقض في العلاقة بين "المُطْلَق" و"النسبي"، فَهِمَت "الزمن" على أنَّه، كـ "الحركة"، جزء لا يتجزأ من وجود المادة، التي تتحرَّك دائماً في "المكان" و"الزمان". وقد اشتملت تلك الفلسفة على أفكارٍ تسمح لها، أي لتلك الفلسفة، بأن تكون على وفاق أساسي وجوهري مع مفهوم الزمن كما أنشأه وطوَّره آينشتاين.

سؤال "هل الزمن مخلوق؟"، أجابت عنه إجابة قاطعة نظرية "الانفجار العظيم" Big Bang إذ صوَّرت هذا "الانفجار" على أنَّه "خالِق الزمن"، فـ "قَبْلَهُ"، أي "قَبْل" هذا "الانفجار"، لم يكن لـ "الزمن" من وجود. لقد فَهِمَتْ هذه النظرية الكوزمولوجية الكون على أنَّه شيء لم ينشأ في الزمن، ففي ذلك "الشيء" Singularity الذي منه انبثق الكون بقوَّة "الانفجار العظيم" لم يكن من وجود للزمن، كما لم يكن من وجود للفضاء.

آينشتاين، في سعيه إلى حلِّ لُغْز "الزمن"، توصَّل، أوَّلاً، إلى أنَّ "الزمن" هو "البُعْد الرابع"، الذي يتِّحد اتِّحاداً لا انفصام فيه مع أبعاد المكان الثلاثة (الطول، والعرض، والارتفاع).

وعليه، ما عاد ممكناً أن نتصوَّر "المكان" و"الزمان" على أنَّهما شيئان منفصلان، فاتحادهما الذي لا انفصام فيه عُبِّر عنه لغوياً بمصطلح "الزمان ـ المكان (= "الزمكان")" Space – Time.

"الشيء" Object إنَّما هو "المادة في وجودها الشيئي (الجسماني)"، أي المُحَدَّد، المُعَيَّن، الملموس، المحسوس. وفي الكون، ليس من وجود إلاَّ لـ "الأشياء"، التي بتأثيرها في حواسِّنا الخمس، نُدْرِك وجودها إدراكاً حسِّياً مباشِراً.

وهذا القول لا ينقضه وجود أشياء لا يُمْكننا أن نُدْرِك وجودها إدراكاً حسِّياً مباشِراً، كأن نرى جسيم "الإلكترون" بالعين المجرَّدة. والفيزياء لديها الآن من الأدوات والوسائل والأساليب ما يسمح لنا بتأكيد، أو نفي، وجود شيء ما.

وفي لغة فلسفية، أقول في شأن الإدراك الحسِّي المباشِر للأشياء بـ "حاسة البصر" إنَّ هذا الإدراك يُمْكِن ويجب أن يُفْهَم ويُفسَّر على أنَّه نتيجة "تأثير متبادل"، أو "تفاعل (فيزيائي، طبيعي، مادي)"، بين "مادة معيَّنة (= الضوء)"، تنطلق من الشيء وبين "العين ـ الدماغ". ولو ظلَّت هذه "المادة" حبيسة في داخل ذلك الشيء، أو في حالٍ تَحُول بينها وبين الوصول إلى "العين ـ الدماغ"، لَمَا أصبح "الشيء" مرئياً، ولَسَعَيْنا في الاستدلال على وجوده (الموضوعي) من خلال ما يُحْدِثُه في أشياء أُخرى (في جواره على وجه الخصوص) من تأثير وتغيير محسوسين. ولكم أن تتخيَّلوا النتيجة المترتِّبة على انطلاق تلك "المادة (= الضوء)" من شيء ما، مع بقائها تدور حَوْله، أي مع بقائها عاجزة عن السير في الفضاء حتى تصل إلى "العين ـ الدماغ". لو حَدَثَ ذلك لَمَا تمكَّنَّا أبداً من رؤية هذا الشيء، ولا من رؤية حتى تلك "المادة"، أي الضوء الذي "كُتِبَ عليه" أن يظلَّ يدور حَوْله.

في الكون، تُوْجَد "الأشياء (أو الأجسام والجسيمات)" فحسب، كالنجم، والكوكب، والنهر، والجَبَل، والبرتقالة، .. إلخ.

وفي مزيدٍ من التعيين والتحديد، نقول إنَّ العام، أو المجرَّد، من الأشياء لا وجود له البتَّة، فليس من وجود (في الواقع الموضوعي) لـ "النجم العام"، أو لـ "النهر العام". "الفَرْد" من الأشياء هو ما يُوْجَد فحسب، في الواقع الموضوعي، فالنجم الموجود إنَّما هو "الشمس" مثلاً؛ والنهر الموجود إنَّما هو "النيل" مثلاً، وإنْ كان "المفهوم" يَعْكِس ويُصوِّر "العام" من الأشياء، والذي هو "الجوهر" غير المُدْرَك إدراكاً حسِّياً مباشِراً.

"الشيء"، في معناه هذا، ينشأ في الزمان، ويزول في الزمان، فكل شيء له "لحظة نشوء"، و"لحظة زوال". إنَّ "الشيء ـ الفَرْد" لا يُمْكنه أبداً أن يكون خالداً، أو أزلياً ـ أبدياً، أو سرمدياً. إنَّه ينشأ ليزول حتماً.

بين نشوئه وزواله "يتغيَّر" الشيء، وينبغي له أن يتغيَّر، فليس من شيء نشأ، فزال؛ ولكن من غير أن يعتريه أي تغيير (بين نشوئه وزواله). على أنَّ لحظة نشوء الشيء، ولحظة زواله، لا يُمْكِن النظر إليهما على أنَّهما "جزء من التغيير الذي يعتري الشيء (حتماً)"، فالتغيُّر الذي يعتري الشيء (بين لحظتي نشوئه وزواله) إنَّما هو كلُّ (وأقلُّ) اختلاف (= تغيير) يطرأ على الشيء.

و"الزمن" إنَّما هو صنو "التغيير"، فلو كانت الأشياء "تتجاور"، ولا "تتعاقب"، على استحالة ذلك، لَوُجِدَ كَوْنٌ فيه "مكان"، وليس فيه "زمان". وكل تغيير يعتري الشيء يجب أن يَسْتَغْرِق زمناً، قصيراً كان أم طويلاً، فهذه الكرة التي تحرَّكت على هذا السطح إذ دَفَعْتَها بيدكَ يجب أن تتوقَّف عن الحركة بَعْد 50 ثانية مثلاً. إنَّ هذا التغيير (توقُّف هذه الكرة عن الحركة) لا يَسْتَغْرِق زمناً يقاس (في عالمنا الأرضي) بالساعات أو الأيَّام. و"الحَدَثُ"، في هذا المثال، إنَّما "يبدأ" بتحرُّك تلك الكرة، و"ينتهي" بتوقُّفها عن الحركة، فليس من "حَدَثٍ" إلاَّ وله بداية ونهاية في الزمان. وكلَّما قلَّ الزمن الذي يستغرقه الحَدَث، لسبب ما، أي كلَّما ضاقت وتقلَّصت "المسافة الزمنية" بين بدء الحَدَث وانتهائه، زادت "سرعة التغيير (أو التطوُّر)".

"الزمن" إنَّما هو "التغيُّر"، فإذا "أسْرَع" الزمن، أسْرَع التغيُّر، وإذا "أبطأ" الزمن أبطأ التغيُّر. والتغيير الذي يعتري الشيء، حتماً، إنَّما هو الذي فيه، وبه، يستوفي الشيء شروط زواله، فالشيء إنَّما يختلف ويتغيَّر بما يؤدِّي، حتماً، إلى زواله. وليس "النمو"، أو "التطوُّر"، الذي يَعْرِفه الشيء سوى الوجه الآخر لعملية الإعداد والتهيئة لأسباب وعوامل زواله.

لِنَعُدْ إلى مثال الكرة، فأنا أريد أن أقيس زمن التغيير الذي طرأ عليها (أي توقُّفها عن الحركة) بمقياس آخر، هو "قلبي النابض". وبحسب هذا المقياس، اسْتَغْرَق هذا التغيير زمناً مقداره 60 نبضة. وعليه، يُمْكنني أن اتَّخِذَ من "قلبي النابض" ساعة أخرى أقيس بها زمن التغيير.

وفي الطبيعة أنماط كثيرة من الساعات، فكل شيء يَعْرِف "تغييراً منتظَماً" يُمْكِن اتِّخاذه ساعةً نقيس بها الزمن الذي يستغرقه التغيير في سائر الأشياء. و"مقياس الزمن" إنَّما هو أن يُقاس معدَّل التغيُّر في جسم ما (كمعدَّل نبضات قلب إنسان حي) نِسْبَةً إلى "تغيُّر منتظَم" في جسم آخر (دقَّات الساعة مثلاً). ولو أنَّ نَبْض قلبي يتسارَع تارةً، ويتباطأ طوراً، لَمَا اسْتَطَعْتُ أن اتَّخِذ منه ساعة، فـ "الساعة" يجب أن تكون "تغييراً منتظَماً".

أمْعِنْ النظر في "الزمان"، فتَجِد أنَّه كل تغيير تُرْجِم بتغيير في "المكان"، الذي له ثلاثة أبعاد، فـ "الدقيقة الواحدة"، وفي معنى من معانيها المكانية، إنَّما هي مسافة معيَّنة يقطعها كوكب الأرض في دورانه حَوْل الشمس. و"القلب النابض" إنَّما هو القلب المخْتَلِف "حجماً".

إنَّ "الفَرْق في الزمان" هو الوجه الآخر لـ "الفَرْق في المكان"، فليس من "فَرْق في الزمان" لا يَقْتَرِن بفَرْق في "الطول"، أو "العرض"، أو "الارتفاع"، أو الحجم، أو "المسافة"، أي بـ "فَرْق في المكان". وليس من فَرْق في المكان والزمان لا يُنْتِجه "تغيير آخر" يعتري الشيء.

وأنتَ لو سُئِلْت: "ما هي الثانية (أو الدقيقة، أو الساعة، أو اليوم، أو الأسبوع، أو الشهر، أو السنة)؟"، لأجَبْت بما يؤكِّد ويُثْبِت اشتمال مفردات الزمان على المكان.



كوكب الأرض إنَّما هو جزء من هذا الكل الكوني، يتبادل وإيَّاه التأثير الفيزيائي دائماً. و"التأثير الفيزيائي" إنَّما هو نوع معيَّن (أو أنواع معيَّنة) من "المادة"، ينتقل في الفضاء، بسرعة معيَّنة، من شيء إلى شيء، أو من جسم إلى جسم.

وثمَّة جسيمات، تشبه "العربات"، تَحْمِل "التأثير الفيزيائي"، من جسم إلى جسم، عبر الفضاء، فما أنْ تُفْرِغ تلك الجسيمات حمولتها في جسم معيَّن حتى تتفاعل تلك "الحمولة (من المادة)" مع هذا الجسم، فيطرأ عليه، بالتالي، تغيير معيَّن.

ولهذه الجسيمات الحاملة، والناقلة، لـ "التأثير الفيزيائي"، سرعةً معيَّنة (في الفضاء) تَعْدِل، ولا يُمْكِن أن تتخطى، "سرعة الضوء"، التي هي 300 ألف كيلومتر في الثانية.

وعليه، يمكن ويجب النظر إلى "حاضرنا" في الكرة الأرضية على أنَّه محكوم تماماً بـ "ماضينا الكوني"، فذلك الجسم الكوني أثَّر الآن في الكرة الأرضية، أي في حاضرنا؛ ولكنَّ تأثيره هذا هو جزء من ماضينا الكوني، فلقد انطلق تأثيره هذا نحونا قبل 100 مليون سنة مثلاً. إنَّ حاضر كوكب الأرض هو ثمرة تفاعُل هذا الكوكب مع ما وصل إليه من تأثيرات كونية مختلفة هي جزء من ماضي الكون القريب أو البعيد، فـ "الآن" لا وجود لها إلاَّ في عالمي الصغير (في الأرض، أو في جزء منها فحسب).

وكل ما نراه في السماء، أو الفضاء، من أجسام إنَّما هو "صورته في ماضيه" التي وصلت إلى عيوننا "الآن"، والتي استغرق وصولها دقائق، أو ساعات، أو سنوات، أو ملايين السنين. وهذه "الصورة" يمكن وصفها بأنَّها "الصورة المؤثِّرة"؛ فَمِنْ خلالها نرى "الأصل"، أي الجسم الكوني، في ماضيه (الذي يُقاس، وبحسب "الساعة الأرضية"، بالثواني، أو الدقائق، أو الساعات، أو السنين، .. إلخ). وفيها يُحْمَل "التأثير الفيزيائي" في حاضر كوكبنا الأرضي.

وليس من حادِث في الكون إلاَّ ويَظْهَر للمراقبين الكونيين جميعاً على أنَّه "اجتماع اللحظات الزمنية الثلاث،أي الحاضر، والماضي، والمستقبل"، فانفجار النجم X إنَّما هو حَدَثٌ وَقَع الآن بالنسبة إليَّ أنا الذي أعيش على كوكب الأرض، ووقَعَ في الماضي بالنسبة إليكَ أنتَ الذي على مقربة منه، وسيقع مستقبلاً بالنسبة إلى مراقِب كوني ثالث لم تصله حتى الآن صورة الحَدَث . إنَّ "الضوء" هو "المصوِّر"، و"الصورة"، و"ناقِل الصورة"، معاً.

حتى الزمن الذي يستغرقه حدوث الحدث يختلف مقداراً؛ لأنَّ الحدث يحدث في "موضع متحرِّك". تخيَّل أنَّكَ تراقِب من على سطح الأرض مركبة فضائية تسير في الفضاء البعيد، مبتعدةً عنكَ، بسرعة كبيرة. وتخيَّل أنَّ أحد المسافرين على متنها أشعل سيجارة، وشرع يدخنها. لقد بدأ هذا الحدث (تدخين السيجارة) والمركبة تبعد عنكَ بُعْداً معيَّناً؛ ولكنَّ المدخِّن ما أن انتهى من تدخين سيجارته (التي استغرق تدخينها مقداراً معيَّناً من الزمن لا تتَّفِق أنتَ وهو على تعيينه) حتى أصبحت المركبة (المتحرِّكة بعيداً عنكَ) تَبْعُد أكثر. وهذا الفرق في المسافة الفضائية بين بداية الحدث ونهايته لا بد له من أن يُتَرْجَم بفرق في الزمن الذي استغرقه حدوث الحدث، فالضوء الذي يَحْمِل صورة الحدث، والذي على سرعته التي لا تَعْدلها سرعة أخرى في الكون، إنَّما يسير بسرعة محدودة، مقدارها 300 ألف كيلومتر في الثانية.

"الزمن" يسير، في كل مكان من الكون، في اتِّجاه واحد فحسب.. "إلى الأمام"، أي "من الماضي إلى المستقبل". إنَّه يسير في "خطٍّ مستقيم"، فلا انحناء في مساره؛ وليس ممكناً، بالتالي، أن يسير في خطٍّ دائري، فيعود الشيء في تطوُّره إلى ماضيه، أي إلى ما كان عليه في ماضيه، كأن يعود هذا المُسنِّ جنيناً في رَحْم أُمِّه!

ويُخْطئ من يَسْتَنْتِج من نظرية آينشتاين في "الزمن" أنَّ الزمن يمكن في ظروف فيزيائية كونية معيَّنة أن يسير في اتِّجاه معاكِس، أي "من المستقبل إلى الماضي"، فليس من تطوُّر في الكون يُسْتَنْسَخُ فيه الماضي. حتى في الجدل الهيجلي أو الماركسي لا يُمْكِن فَهْم "نفي النفي" على أنَّه استنساخٌ لماضي الشيء، أو عودة إلى ماضيه، فالماضي، على أهمية تأثيره في حاضر ومستقبل الشيء، لا يُمْكِن أبداً أن يُبْعث حيَّاً.

"السَفَر"، الذي نَعْرِف إنَّما هو "السفر في المكان"، أي الانتقال من موضع إلى موضع. وكل سَفَرٍ في المكان لا بدَّ له من أن يستغرق زمناً، يطول أو يَقْصُر، وِفْقاً لـ "السرعة"، فأنتَ، مشياً على قدميكَ، تجتاز المسافة بين منزلك ومكان عملك في زمن مقداره 15 دقيقة مثلاً؛ أمَّا في السيَّارة، التي تسير بسرعة أكبر، فإنَّكَ تجتاز المسافة ذاتها في زمن مقداره 5 دقائق مثلاً. إنَّ كل سَفَرٍ، أي كل انتقال في المكان، يجب أن يستغرق زمنا، أي يجب أن يقترن بانتقال في الزمان.

ولكن، ثمَّة سَفَرٌ لم نَعْرفه حتى الآن، هو "السَفَر في الزمان"، الذي لا بدَّ لـ "الحاضر" من أن يكون نقطة انطلاقه. أمَّا وِجْهَة هذا السفر فهي إمَّا أن تكون "المستقبل"، وإمَّا أن تكون "الماضي".

نظرياً، واستناداً إلى تجارب فيزيائية أيضاً، يمكن "السفر إلى المستقبل"، أي "من الحاضر إلى المستقبل"؛ أمَّا "السفر إلى الماضي" فهو، وبحسب النظرية النسبية، المستحيل بعينه؛ ذلك لأنَّ سرعة الضوء هي السرعة الكونية القصوى أو العظمى، فإذا أردتَ السفر إلى الماضي فإنَّ عليكَ، بحسب بعض التصوُّرات والنظريات الفيزيائية، أن تسير بسرعة تفوق سرعة الضوء.

وحتى لا نهبط بتفكيرنا من "الفيزياء" إلى الدرك الأسفل من "الميتافيزياء"، في هذا الأمر، لا بدَّ لنا من أن نستمسك (حتى في خيالنا الفيزيائي) دائماً بالحقيقة الفيزيائية الكبرى، وهي أنَّ "السرعة فوق الضوئية" مستحيلة. ومن هذه الحقيقة تتفرَّع حقيقة فيزيائية أخرى على درجة عالية من الأهمية، هي أنَّ "السفر إلى الماضي" مستحيل هو أيضاً. نقول بذلك مع أنَّنا لا نميل إلى تصديق أنَّ "السفر إلى الماضي" هو العاقبة الحتمية للسير بسرعة فوق ضوئية.

وهناك من الفيزيائيين من يعتقد بوجود وسيلة أُخرى للسفر إلى الماضي، هي "المسار (المنحني) المُغْلَق"، والذي يمكن أن يكون حقيقة واقعة في داخل ذلك الجسم الكوني المسمَّى "الثقب الأسود". إنَّ كل مادة في داخل هذا الجسم لا يُمْكنها أبداً أن تغادره إلى "الفضاء الخارجي". حتى الضوء الذي يسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة (= السرعة القصوى في الكون أو الطبيعة) ليس في مقدوره أن يغادر هذا الجسم الكوني. وهذا إنَّما يعني أنَّ جسيماً عديم الكتلة هو "الفوتون" يعود دائماً إلى نقطة انطلاقه، فلا يتمكَّن أبداً من الإفلات من قبضة "الثقب الأسود".

إذا كان في مقدوركَ أن ترى تلك "المادة"، أي الضوء، أو "الفوتون"، وهي تحاول أن تغادر "الثقب الأسود" إلى "الفضاء الخارجي"، فسوف تراها (وهي التي تسير في الفضاء الذي نَعْرِف بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة) تسير في محيط دائرة، قُطْرها يقلُّ طولاً عن طول المسافة بين مركز "الثقب الأسود" وسطحه. وهذا المسار لم "تَخْتَره" هي؛ بل فُرِض عليها فَرْضاً.

إنَّها، أي تلك المادة، أو الضوء، ما أن تنطلق في مسارها الدائري الصغير المُغْلَق حتى تعود، حتماً، إلى النقطة التي منها انطلقت. وعودتها الحتمية إلى المكان ذاته هي ما حَمَلَت أولئك الفيزيائيين على الاعتقاد بأنَّ تلك المادة يجب أن تعود إلى "الماضي"، فهي لا يمكنها أن تعود إلى "نقطة البدء في المكان"، من غير أن تعود، أيضاً، إلى "نقطة البدء في الزمان"، أي إلى "الماضي"، فـ "المسار (المنحني) المُغْلَق" إنَّما هو مسارٌ في "المكان" و"الزمان" معاً، أي في "الزمان ـ المكان"، أو "الزمكان". ولو كنتَ أنتَ هذا "الفوتون" لرأيْتَ أنَّكَ تسير، بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية، في داخل "الثقب الأسود"، صعوداً، في "خطٍّ مستقيم"، ولرأيْتَ، بعد مُضي زمن معيَّن، مُقاسٌ مقداره بحسب ساعتكَ، أنَّكَ قد عُدَّتَ إلى النقطة التي منها انطلقت. وبالنسبة إليكَ ليس من فضاء آخر غير هذا الفضاء الذي تسير فيه؛ أمَّا أنا الذي أُراقبكَ من على سطح الأرض فأرى أنَّكَ تسير في خطٍّ دائري ضِمْن فضاء لا يُمْكِنكَ أبداً مغادرته، مع أنَّني أرى، في الوقت نفسه، أنَّ فضاءكَ هذا هو جزء من الفضاء الكوني. إنَّكَ في سيركَ هذا إنَّما تشبه شخصاً يسير بسرعة ثابتة ضِمْن نَفَق دائري مُغْلَق، مع فارِق أنَّكَ لا تُدْرِك أنَّكَ تسير في خطٍّ دائري، مثلكَ مثلُ هذا الذي يسير في خطٍّ مستقيم في موازاة خطِّ الاستواء الأرضي.

وعليه، يؤدِّي السير بسرعة فوق ضوئية، أو في مكان بلغ غاية الانحناء، إلى "العودة إلى الماضي"، على ما يزعمون. وهذا الزعم لا يمكن أن يكون له من صاحب إلاَّ هذا الذي تطرَّف ميتافيزيائياً في فهم الفيزياء، ضارِباً صفحاً عن صرخة التحذير التي أطلقها نيوتن إذا قال: "أيَّتها الفيزياء احترسي من الميتافيزياء!".

قُلْنا إنَّ لكل تغيير سرعته (العادية الطبيعية) فالمرأة، مثلاً، تضع مولودها بعد 9 أشهر من الحَمْل.. ليس بعد 9 أيَّام، أو 9 سنوات، من الحَمْل. قد تضعه بعد 7 أشهر. على أنَّ هذا لا ينفي، وإنَّما يؤكِّد، أنَّ السرعة العادية الطبيعية لهذا التغيير"، أي "الولادة"، هي 9 أشهر.

وأنتَ، ينبضُ قلبكَ نحو 70 نبضة في الدقيقة الواحدة، فالفاصِل الزمني بين نبضة ونبضة يقلُّ عن ثانية واحدة، وليس ممكناً أن يزيد، مثلاً، عن 10 ساعات، فالسرعة العادية الطبيعية لنبض قلبكَ تظل 70 نبضة في الدقيقة الواحدة.

وأنتَ تَغْلي لتراً من الماء في زمن مقداره 10 دقائق مثلاً؛ وليس ممكناً أن تغليه في زمن مقداره 10 سنواتٍ مثلاً.

هذا الذي قُلْنا في كل تلك الأمثلة لا يمكن فهمه والنظر إليه على أنَّه "الحقيقة الزمنية المطلقة"؛ ذلك لأنَّ للزمن سرعة، تزيد أو تقل، بحسب أحد عامِلَيْن: "السرعة"، أو "الجاذبية".

لو أنَّكَ سافرتَ في مركبة فضائية تزايدت سرعتها شيئاً فشيئاً حتى بلغت سرعة تقارِب سرعة الضوء فإنَّكَ لن ترى أيَّ اختلاف في سرعة نبض قلبكَ، فها أنتَ تَنْظُر إلى ساعتكَ، وتحسب عدد دقَّات قلبكَ في الدقيقة الواحدة، فتتأكَّد أنَّها لم تَزِدْ، ولم تَنْقُص، فقلبكَ ظلَّ ينبض نحو 70 نبضة في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتكَ أنتَ).

ولو أنَّ مارِداً كونياً انْتَزَعَكَ من مكانِكَ على الأرض ووضَعَكَ في كوكب، كتلته (أي جاذبيته) أكبر من كتلة كوكب الأرض بألف مرَّة مثلاً، فإنَّ قلبكَ يظل ينبض 70 نبضة في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتكَ أنتَ).

أمَّا أنا الذي أُراقبكَ من على سطح الأرض فلن أرى ما ترى. في المثال الأوَّل (سَفَرُكَ في المركبة الفضائية) أرى، على سبيل المثال، أنَّ قلبكَ ينبض 7 نبضات فقط في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتي أنا). وفي المثال الثاني (نَقْلُكَ إلى ذلك الكوكب) أرى، على سبيل المثال، أنَّ قلبكَ ينبض 20 نبضة فقط في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتي أنا). ولو وَضَعَكَ ذلك المارد في كوكب تقلُّ كتلته عن كتلة كوكب الأرض بنحو 10 مرَّات مثلاً، لرأيْتَ أنتَ أنَّ قلبكَ ظلَّ ينبض 70 نبضة في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتكَ أنتَ) ولرأيْتُ أنا أنَّ قلبكَ ينبض 100 نبضة (على سبيل المثال) في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتي أنا).

إنَّ قلبكَ يظلُّ ينبض 70 نبضة في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعتكَ أنتَ) في كل موضع في الكون تكون فيه، ومهما كانت سرعة (أو تسارُع) هذا الموضع، أو جاذبيته.

من ذلك نرى أنَّ "الفاصِل الزمني (أو "المسافة الزمنية")" بين حادثين (بين نبضة ونبضة من نبضات قلبكَ مثلاً) يتمدَّد (يَكْبُر، يتَّسِع، يزيد) بحسب ساعتي أنا الذي أُراقبكَ من "إطار مرجعي آخر"، من على سطح الأرض مثلاً. وهذا إنَّما يَحْدُث إذا كنتَ أنتَ (بحسب "النسبية الخاصة") في جسم تسارَع حتى قارَبَت سرعته سرعة الضوء، أو (بحسب "النسبية العامَّة") إذا كنتَ في جسم كوني عظيم الكتلة، أي أعظم من كوكب الأرض كتلةً، وجاذبيةً بالتالي. إنَّ "الجاذبية" تُنْتِج تباطؤاً في حركة الزمن، فالزمن في المشتري، أو الشمس، يسير أبطأ من الزمن في الأرض.

كلما زادت سرعة المركبة الفضائية قلَّ معدَّل نبضات قلب الإنسان الذي في تلك المركبة بالنسبة إلى المراقب الأرضي، فهذا المراقب يرى أن قلب ذلك الرجل ينبض 30 نبضة في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعة المراقب الأرضي) ثم يراه (بعدما زادت سرعة المركبة الفضائية) ينبض 10 نبضات في الدقيقة الواحدة. أما بالنسبة إلى ذلك الرجل، أي بالنسبة إلى ساعته، فإنَّ قلبه يظل ينبض 70 نبضة في الدقيقة الواحدة.

وهذا إنَّما يعني أنَّ "التسارُع" هو الذي يتسبَّب (في هذا المثال) في إبطاء حركة عقارب الساعة، في تلك المركبة، فمع كل زيادة في سرعتها، أي مع كل تسارُع لها، يقل معدَّل نبض قلب المسافِر على متنها، بالنسبة إلى المراقِب الأرضي (وساعته). وعلى هذا المثال قِسْ.

دعونا الآن، ومن أجل مزيدٍ من الوضوح، نتطرَّف في القياس على هذا المثال، أو على تلك الأمثلة، فنتخيَّل امرأة حامِل (في الشهر الثالث من حَمْلِها مثلاً) انطلقت من الأرض بمركبة فضائية، تسارَعت حتى قاربت سرعتها سرعة الضوء، ثمَّ عادت إلى الأرض، وقد استغرقت رحلتها الفضائية، ذهاباً وإياباً، ستَّة أشهر، بحسب ساعتها هي. لقد وَضَعَت مولودها ما أن وصلت إلى الأرض. إنَّ عُمْر هذه المرأة قد زاد ستَّة أشهر فحسب.

إذا سأَلَتْ هذه المرأة، عند عودتها، عن زوجها، فسوف يُخْبِرونها، عندئذٍ، أنَّ زوجها قد مات منذ مئات، أو آلاف، أو ملايين، السنين!

إنَّ الشيء، أي كل شيء، يتغيَّر ويتطوَّر بحسب الزمن الخاص به، أي بحسب ساعته هو. من وجهة نظر الشيء نفسه، أو بحسب ساعته هو، لن تختلف سرعة هذا التغيير (أو ذاك) الذي يعتريه مهما كانت سرعة الموضع الكوني الذي يُوْجَدُ فيه هذا الشيء، أو جاذبيته. من وجهة نظر مراقِب خارجي ما، أو بحسب ساعة هذا المراقِب، تختلف سرعة التغيير في ذلك الشيء.

التغيير في الشيء لن يقع قبل أن يستوفي شروط وقوعه، فهذا المقدار من الماء (السائل) لن يتحوَّل كله إلى جليد قبل أن يستوفي شروطا معيَّنة. وهذا "الاستيفاء" لا بدَّ له من أن يستغرق زمناً، قد يطول أو يَقْصُر، بحسب بيئة الشيء وظروف وجوده، فإذا طال الزمن الذي يستغرقه التغيير قُلْنا إنَّ هذا التغيير يتَّسِم بالبطء، وإذا قَصُر قُلْنا إنَّه يتَّسِم بالسرعة.

لِنَفْتَرِض أنَّ هذا المقدار من الماء (السائل) قد تحوَّل كله إلى جليد في زمن (أرضي) مقداره 30 دقيقة. لو كنَّا في مركبة فضائية تسارعت حتى قاربت سرعتها سرعة الضوء، وأتَيْنا بمقدار مماثِل من الماء (السائل) محاولين تجميده كله، بعدما هيَّأنا لهذا التغيير الشروط ذاتها، فإنَّ تجميد هذا الماء كاملاً سيستغرق الزمن ذاته، أي 30 دقيقة بحسب ساعة المركبة.

وغنيٌ عن البيان أنَّ إحداث هذا التغيير مشروط ببقاء هذا الماء، أو هذا العنصر أو ذاك من عناصر التجربة، محتفظاً بوجوده وهويته في هذه البيئة الجديدة (المركبة بسرعتها تلك) فثمَّة أشياء نَخْتَبِر ما يعتريها من تغيير في ظروف وجودها الأرضية (أي على كوكب الأرض) ولكنَّ هذه الأشياء لا تظل محتفظةً بوجودها، أو بخواصِّها التي نَعْرِف، في بيئة فيزيائية كونية أُخرى (في نجم، أو في تلك المركبة، مثلاً).

أنتَ الذي تراقِب تلك التجربة من على سطح الأرض سترى أنَّ تحوَّل هذا المقدار من الماء (السائل) إلى جليد لم يستغرق 30 دقيقة، وإنَّما 30 سنة (مثلاً) بحسب ساعتكَ، فتقول، بالتالي، إنَّ التغيير هناك، أي في تلك المركبة، يَحْدُث في بطء شديد. وستقول الشيء نفسه لو أنَّ تلك التجربة أُجْرِيَت في كوكب كتلته أكبر من كتلة كوكب الأرض بألف مرَّة مثلاً، فـ "التسارُع (وصولاً إلى سرعة تقارِب سرعة الضوء)" و"الجاذبية (الشديدة)" يُنْتِجان الظاهرة ذاتها.. ظاهرة "بطء (سير) الزمن".

كل "تغيير" نراقبه في الأرض مثلا لا بد له من أن يبطؤ في الجسم المتسارع، أو حيث تشتد الجاذبية. إنه يبطؤ بالنسبة إلى "الساعة الأرضية" مثلا.

هذا هو "تمدُّد الزمن" الناتج عن "التسارع"، أو عن "الجاذبية الشديدة"، وكأنَّ الثانية الواحدة تطول، وتكبر، وتتسع، لتعدل مقدارا أكبر من الزمن الأرضي.

تباطؤ حركة الزمن (= تمدُّد الزمن، أو تأخُّر الساعة) بسبب "التسارُع"، أو "اشتداد الجاذبية"، ما عاد بالقول النظري الصرف، فقد ثَبُتَ وتأكَّد في غير تجربة واختبار.

هناك جسيم (غير مستقر) يسمَّى "ميون". وهذا الجسيم ينحل ويتفكَّك (فيَنْتُج من انحلاله وتفكُّكه جسيمات مختلفة) في زمن متناهٍ في الضآلة، مقداره 2.2 ميكرو ثانية، أي أنَّ عُمْره 2.2 ميكرو ثانية. تخيَّل أنَّ أمامكَ "ميون" وُلِدَ (نشأ) الآن. هذا الجسيم ستراه ينحل ويتفكَّك، أي يموت ويزول بعد 2.2 ميكرو ثانية من ولادته. سترى كل ذلك بحسب ساعتكَ أنتَ. خُذْ هذا الجسيم، وََضَعْهُ في "مسرِّع"، أي في آلة تزيد سرعته كثيراً. بفضل هذا "المسرِّع" زادت سرعته كثيراً حتى بلغت 99 % من سرعة الضوء. قِسْ عُمْره الآن فتراه قد طال. لقد أصبح 16 ميكرو ثانية بحسب الساعة ذاتها، أي بحسب ساعتكَ أنتَ.

ولو جِئتَ بساعتين متماثلتين، تصميماً، ودِقَّةً، ووقتاً، فوَضَعْتَ إحداهما على مقربة من مركز الكرة الأرضية حيث الجاذبية أقوى وأشد، ووضَعْتَ الأُخرى بعيداً عنه، كأن تضَعَهَا في أعالي الغلاف الجوِّي للأرض، فسوف ترى أنَّ الساعة الأولى قد تأخَّرت عن الساعة الثانية. وهذا إنَّما يعني، مثلاً، أنَّ أحد التوأمين يشيخ قبل الآخر إذا ما عاش بعيداً عن مركز الجاذبية الأرضية، كأن يعيش على أعلى قِمَّة جبلية.

ليس من شيء (أو جسم، أو مادة ذات كتلة) يمكنه السير بسرعة الضوء. قد يسير بسرعة تقلُّ قليلاً عن سرعة الضوء، التي مقدارها 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة؛ ولكنَّه لن يتمكَّن أبداً من أن يسير بسرعة الضوء. لنتخيَّل أنَّ مركبة انطلقت من الأرض في رحلة فضائية، فشرعت تتسارع حتى قاربت سرعتها سرعة الضوء. المراقب لتلك المركبة من على سطح الأرض سيرى أنَّ سير عقارِب الساعة في المركبة يزداد بطئاً مع كل تسارع.

بدايةً، يرى أنَّ الدقيقة الواحدة عنده، أي بحسب ساعته هو، تَعْدِل نصف دقيقة في ساعة المركبة. وبعد أن تزداد سرعة المركبة أكثر، يرى أنَّ الدقيقة الواحدة عنده تَعْدِل 5 ثوانٍ في ساعة المركبة. وبعد أن تتسارع مرَّات عدَّة، يرى أنَّ السنة عنده تَعْدِل ثانيةً واحدة في ساعة المركبة. وعندما تبلغ سرعة المركبة 280 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، يرى أنَّ عشرين سنة عنده تَعْدِل ثانيةً واحدة في ساعة المركبة. أمَّا إذا بلغت سرعة المركبة 295 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة فإنَّ الثانية الواحدة في ساعة المركبة قد تَعْدِل مليون سنة أرضية.

لنفرِض الآن أنَّ المركبة قد بلغت "سرعتها القصوى"، أي السرعة التي تقلُّ قليلاً عن سرعة الضوء. في هذه الحال، سيرى المراقِب الأرضي أنَّ عقارب ساعة المركبة جميعاً قد توقَّفت توقُّفاً تامَّاً عن الحركة، فيظن أنَّ الزمن في المركبة قد توقَّف نهائياُ، أو "تجمَّد". إنَّ آخر مشهد رآه في المركبة (كأن يكون المسافِر على متنها قد رفع يده) سيظل يراه سكَّان الأرض إلى الأبد. قبل أن "يتجمَّد" الزمن في المركبة، أو قبل أن يرى هذا "المشهد الأبدي"، كان يرى الأحداث في المركبة تزداد بطئاً، فَرَسْمُ خطٍّ على ورقة هناك، أي في داخل المركبة، كان عملاً يستغرق ثانية واحدة بحسب ساعة المراقب الأرضي، فأصبح يستغرِق سنةً، ثمَّ مليون سنة، بحسب الساعة الأرضية.

الزمن في المركبة توقَّف، أو "تجمَّد"؛ ولكن بالنسبة إلى المراقب الأرضي فحسب، فالمسافِر على متن المركبة لن يرى أبداً ما يدلُّ على أنَّ سير الزمن عنده قد تباطأ، أو توقَّف، فها هو قلبه ينبض 70 نبضة في الدقيقة الواحدة بحسب ساعته هو، وها هو ينام 8 ساعات في اليوم، وها هو يتناول وجبة الغداء (كل يوم) بعد 8 ساعات من تناوله وجبة الفطور، وها هو يُدخِّن السيجارة في زمن مقداره 5 دقائق بحسب ساعته.

الظاهرة ذاتها تقريباً يراها المراقب الأرضي في مراقبته لمركبة فضائية وصلت إلى "ضواحي" جسم كوني يسمَّى "الثقب الأسود". ما أن تقترب تلك المركبة كثيراً من سطح "الثقب الأسود" حتى يتوقَّف الزمن نهائياً في تلك المركبة بالنسبة إلى ساعة المراقب الأرضي. وآخر مشهد يشاهده هذا المراقب في المركبة قبل دخولها إلى عمق "الثقب الأسود" سيظل سكَّان الأرض يشاهدونه إلى الأبد، فهم لن يروا أبداً المركبة وهي تدخل "الثقب الأسود". أمَّا المسافِر على متن تلك المركبة فلن يرى ما يدلُّ على أنَّ الزمن عنده قد توقَّف. هذا المسافِر سيدخل إلى عُمْق "الثقب الأسود"، وسيظل الزمن عنده يسير بالسرعة ذاتها، أي بلا تسارع، وبلا تباطؤ. إذا افترضْنا أنَّ هذا المسافِر يمكنه العيش في داخل "الثقب الأسود" فإنَّه لن يرى أي تغيير في سرعة الزمن عنده، فها هو قلبه ينبض 70 نبضة في الدقيقة الواحدة بحسب ساعته، وهو في عُمْق "الثقب الأسود".

إنَّ الزمن لا يتوقف، ولا "يتجمَّد"، في أي شيء إلاَّ بالنسبة إلى مراقب خارجي ما، كالمراقٍب الأرضي. وهذا إنَّما يعني أنْ ليس من توقُّف مُطْلَق للزمن. حتى في داخل "الثقب الأسود"، أو في تلك "البيضة" التي منها نشأ كوننا، لا يتوقَّف الزمن توقُّف مُطْلقاً. إنَّه يتوقَّف فحسب بالنسبة إلى مراقِب خارجي ما.

الزمن يتمدَّد (أي يبطؤ) بـ "التسارع" و"الجاذبية". هذه حقيقة فيزيائية ما عاد ممكناً، بعد التجربة والاختبار، الشك في صحَّتها. وثمَّة حقيقة فيزيائية أُخرى ما عاد ممكناً الشك في صحَّتها هي أيضاً. وهذه الحقيقة هي أنَّ سرعة الضوء في الفضاء تظل ثابتةً لا تتغيَّر بالنسبة إلى كل مراقٍب (أو كل "إطار مرجعي") في الكون، فأيُّ مراقِب إذا قاس سرعة أي ضوء يَجِدها 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة.

اجتماع هاتين الحقيقتين إنَّما يُظْهِر ويُؤكِّد حقيقة ثالثة لا شكَّ في صحَّتها، هي تقلُّص، وانكماش، واختصار، "المسافة الفضائية".


لمسافة بين كوكب الأرض والشمس تبلغ 150 مليون كيلومتر، يجتازها الضوء المنطلق من الشمس إلى الأرض في زمن مقداره 8 دقائق بحسب الساعة الأرضية. 

افْتَرِض الآن وجود شخص في كوكب آخر، كتلته أكبر من كتلة الأرض بألف مرَّة، أي أنَّ جاذبيته أكبر من الجاذبية الأرضية بألف مرَّة. الزمن في هذا الكوكب أبطأ من الزمن الأرضي. افْتَرِض أنَّ الثانية الواحدة في هذا الكوكب تَعْدِل 8 دقائق أرضية. هذا الشخص يرى أنَّ الضوء المنطلق من الشمس يصل إلى الأرض في زمن مقداره ثانية واحدة بحسب ساعته هو. ولقد قاس سرعة هذا الضوء (بمتره هو، وبساعته هو) فوجَدَ أنَّها 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة.

بالنسبة إلى هذا الشخص، يصل ضوء الشمس إلى الأرض في زمن مقداره ثانية واحدة بحسب ساعته هو. وهذا إنَّما يعني، بالنسبة إليه، أنَّ الشمس لا تبعد عن الأرض 150 مليون كيلومتر، وإنَّما 300 ألف كيلومتر فقط.

لو تباطأ الزمن عنده وظلَّت المسافة ثابتة لرأى الآتي: في زمن مقداره ثانية واحدة بحسب ساعته اجتاز الضوء المنطلق من الشمس إلى الأرض مسافة مقداره 150 مليون كيلومتر، وكأنَّ سرعة الضوء زادت فأصبحت 150 مليون كيلومتر في الثانية الواحدة عنده؛ وهذا يتناقض مع مبدأ "ثبات سرعة الضوء"، فسرعة هذه المادة يجب أن تظل 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، لدى قياس كل المراقبين لها.

يترتَّب على ذلك أنَّ كل تمدُّد (أو تباطؤ) في الزمن يَقْتَرِن، ويجب أن يَقْتَرِن، بتقلُّص، وانكماش، واختصار، كل مسافة فضائية.

ولو أنَّ مركبة فضائية دارت بسرعة تقارِب سرعة الضوء، في مدارٍ قريب من الأرض، فإنَّ المسافِر على متنها سيَجِد أنَّ المسافة بين الأرض والشمس تقلُّ كثيراً عن 150 مليون كيلومتر، فهذه المسافة تتقلَّص بما يتناسب مع تمدُّد (أو تباطؤ) الزمن في المركبة، وبما يوافِق قانون "ثبات سرعة الضوء بالنسبة إلى المراقبين جميعاً".

هذا المسافِر، وبكل ما لديه من أجهزة ووسائل وطرائق لقياس الأبعاد والأطوال والمسافات، سيتأكَّد أنَّ المسافة بين الأرض والشمس تقلُّ عن 150 مليون كيلومتر.

إنَّ أبعد مجرَّة عن الأرض تبعد عن هذا الكوكب 12000 مليون سنة ضوئية. وعليه قد نَسْتَنْتِج أنَّ عُمْر الكون 12000 مليون سنة.

هل سترى الأمر ذاته لو كنتَ تعيش في داخل "ثقب أسود"؟ الثانية الواحدة عندكَ قد تَعْدِل 1000 مليون سنة أرضية، بسبب عِظَم جاذبية هذا الجسم الكوني.


إنَّ أبعد مجرَّة ستراها تبعد عن "الثقب الأسود" الذي فيه تعيش 12 ثانية ضوئية، أي أنَّ عُمْر الكون لا يزيد، بالنسبة إليكَ، أو بالنسبة إلى ساعتكَ، عن 12 ثانية.

في هذا الجسم الكوني ("الثقب الأسود") يبلغ تمدُّد الزمان Time dilation حدُّه الأقصى، ويبلغ تقلُّص المكان Length contraction حدُّه الأقصى.

كل شيء عندكَ (أنتَ الذي في مركبة تسير بسرعة تقارِب سرعة الضوء، أو في موضع كوني شديد الجاذبية) يتضاءل حجماً؛ ولكنَّ هذا التضاؤل لا تراهُ أنتَ. أنا الذي أُراقبكَ من على سطح الأرض، مثلاً، أرى هذا التضاؤل. في تقلُّص وانكماش المكان، أنتَ ترى فحسب تقلُّص وانكماش "المسافات الفضائية". أنتَ ترى، مثلاً، أنَّ المسافة بين الأرض والشمس تقلُّ كثيراً عن 150 مليون كيلومتر؛ أمَّا أنا، الذي أعيش على الأرض، فأراها 150 مليون كيلومتر.

أنتَ تقيس سرعة الضوء المنطلق من الشمس إلى الأرض فتَجِدها 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة (بحسب متركَ وساعتكَ). وأنا أقيسها فأجِدها، أيضاً، 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة (بحسب متري وساعتي).

تمدُّد، أو تباطؤ، الزمن إنَّما هو، في معنى آخر له، "تَرَكُّز (تَكَثُّف) الزمن"، فـ "الدقيقة الواحدة"، بحسب الساعة في مركبة فضائية تسارعت حتى قاربت سرعتها سرعة الضوء، إنَّما تَعْدِل في "نظام مرجعي آخر"، كوكب الأرض مثلاً، ساعة، أو يوم، أو شهر، أو سنة، أو مليون سنة، .. إلخ.

قياس سرعة الشيء إنَّما يحتاج إلى أداتين: "الساعة"، و"المتر (أو غيره من أدوات قياس المكان)". وإذا كانت حركة الساعة، في "نظام مرجي متسارِع (أو عظيم الكتلة والجاذبية)" تتباطأ (نِسْبَةً إلى الساعة الأرضية مثلاً) فإنَّ "المتر"، في هذا النظام، يتقلَّص وينكمش (أي يتضاءل طوله نِسْبَةً إلى المتر الأرضي مثلاً). وينبغي لنا أن نفهم هذا التغيير الذي يطرأ على "الساعة" و"المتر" على أنَّه تغيير حقيقي، فعلي، موضوعي، أي يَعْكِس "حقيقة موضوعية"، مستقلة تماماً عن أحاسيسنا ومشاعرنا.

افْتَرِض الآن أنَّ الثانية الواحدة في هذا "النظام المرجعي" تَعْدِل 60 ثانية أرضية، وأنَّ "المتر" فيه يَعْدِل نصف متر أرضي. وافْتَرِض أيضاً، أو بعد ذلك، وجود مركبة فضائية، انطلقت من الأرض، فتسارَعت حتى بلغت سرعتها 280 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة.


طول هذه المركبة قبل انطلاقها كان، على سبيل المثال، 600 ألف كيلومتر، فما أن أصبحت سرعتها 280 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة حتى أصبح طولها، بعدما تقلَّص في اتِّجاه حركتها، 300 ألف كيلومتر. هذا الاختصار في طول المركبة لا يُدْرِكه المسافِر على متنها؛ لأنَّه سيقيس طولها بمتره الذي تقلَّص بالنسبة ذاتها.

المراقب الأرضي، فحسب، هو الذي يُدْرِك ذلك. وهذا المراقِب يُدْرِك، أيضاً، أنَّ طول "المتر" الذي يحمله "المسافِر" معه قد تقلَّص هو، أيضاً، فأصبح يَعْدِل، مثلاً، نصف متر أرضي.

"النسبية"، هنا، وكما نراها في اختلاف نتائج القياس الزماني والمكاني بين "المسافِر" و"المراقِب الأرضي"، لا تتعارض، ويجب ألاَّ تتعارض، مع "الحقيقة الموضوعية"، وهي أنَّ الزمن في تلك المركبة قد تباطأ فعلاً، وأنَّ طولها قد تقلَّص فعلاً.

هذا المسافِر أضاء مصباحاً في مقدَّم المركبة، فوصل ضوءه إلى مؤخَّرها في زمن مقداره 2 ثانية (بحسب ساعته هو). وقام، أيضاً، بقياس طول مركبته بالمتر الذي معه، فوَجَد أنَّ طولها لم يَزِد، ولم يَنْقُص، أي أنَّه (طول المركبة) ظلَّ 600 ألف كيلومتر. وعليه، مهما كان الانكماش الذي اعترى "متر" هذا المسافِر، والتباطؤ الذي اعترى حركة الزمن في مركبته، تظل نتيجة قياسه لسرعة الضوء، أي ضوء.. الضوء في داخل مركبته أم في خارجها، ثابتة لا تتغيَّر، أي أنَّ سرعة الضوء تظل 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. أمَّا أنا الذي أُراقِب تلك المركبة من على سطح الأرض، وأقيس الأبعاد بمتري أنا، والزمان بساعتي أنا، فأرى أنَّ طول المركبة قد أصبح، بعدما تقلَّص وانكمش في اتِّجاه حركتها، 300 ألف كيلومتر، وأرى، أيضاً، أنَّ ذلك الضوء (الذي ظلَّت سرعته 300 ألف كيلومتر في الثانية، بحسب متري أنا وساعتي أنا) قد اجتاز تلك المسافة (بين مقدَّم المركبة ومؤخَّرِها) في زمن مقداره، بحسب ساعتي أنا، ثانية واحدة.

ولكن، ما معنى هذه الظاهرة إذا ما حَوَّلْنا كل ثانية هنا إلى 60 ثانية أرضية، وكل متر هنا إلى نصف متر أرضي؟ معناها أنَّ هذا الضوء قطع مسافة مقدارها 300 ألف كيلومتر في زمن مقداره 120 ثانية. ومعناها، تالياً، أنَّ سرعة هذا الضوء (التي لا يمكن أن تَظْهَر في القياس، أي عندما يقيسها المسافِر أو أنا) تبلغ 2500 كيلو"متر(بحسب المتر الأرضي)"، في "الثانية (بحسب الساعة الأرضية)".

هذا المسافِر لن يَقْبَل أبداً فكرة أنَّ سرعة هذا الضوء كانت (في داخل مركبته) 2500 كيلومتر في الثانية الواحدة، فهو متأكِّد تماماً (بما لديه من وسائل وأدوات وأجهزة وأساليب لقياس المسافة، والطول، والزمن، والسرعة) أنَّ طول مركبته ما زال 600 ألف كيلومتر، وأنَّ هذا الضوء قد اجتاز المسافة من مقدَّم مركبتها إلى مؤخَّرِها في زمن مقداره ثانيتين اثنتين فقط (بحسب ساعته التي ليس لديه ما يَحْمِله على الشكِّ في دِقَّتها). وأنا أيضاً لن أقبل أبداً أنَّ طول مركبته قد ظلَّ 600 ألف كيلومتر (فهو تقلَّص بالنسبة إليَّ، أي بالنسبة إلى أدوات ووسائل قياسي للأطوال، وأصبح 300 ألف كيلومتر). ولن أقبل أيضا أنَّ سرعة الضوء في تلك المركبة تبلغ 2500 كيلومتر في الثانية الواحدة، وأنَّ هذا الضوء قد اجتاز تلك المسافة (300 ألف كيلومتر) في زمن مقداره 120 ثانية، فما لديَّ من أدوات ووسائل وأجهزة وطرائق لقياس الأطوال والمسافات والزمن يؤكِّد لي أنَّ هذا الضوء قد اجتاز تلك المسافة (التي هي 300 ألف كيلومتر) في ثانية واحدة فحسب.

ولكن، لِتَتَخَيَّل الآن أنَّ "عرَبَة" تسير على طريق في داخل تلك المركبة من مقدَّمها إلى مؤَّخرها، وأنَّها قد شرعت تسير عندما انطلق ذلك الضوء من مقدَّم المركبة إلى مؤخَّرِها. المسافِر على متن تلك المركبة رأى أنَّ "العربة" قد اجتازت تلك الطريق (التي طولها بالنسبة إليه 600 ألف كيلومتر) في زمن مقداره، بحسب ساعته، 100 ثانية (أي أنَّ سرعتها، بالنسبة إليه، 6000 كيلومتر في الثانية). أنا الذي أُراقِب تلك "العربة" من على سطح الأرض أرى غير ذلك. أرى أنَّ "العربة قد اجتازت تلك الطريق (التي طولها، بالنسبة إليَّ، 300 ألف كيلومتر) في زمن (أرضي) مقداره 6000 ثانية (1.6 ساعة) فالثانية الواحدة في المركبة إنَّما تَعْدِل 60 ثانية أرضية. وعليه، أرى أنَّ سرعتها تبلغ 50 كيلومتر في الثانية الواحدة (بحسب متري أنا، وساعتي أنا).

في "مثال الضوء (في داخِل المركبة)"، اتَّفَقْتُ أنا وأنتَ على سرعته فحسب، واختلفنا في حساب "المسافة" التي قطعها، و"الزمن" الذي استغرقه قطعها. وفي "مثال العَرَبَة"، لم نتَّفِق في شيء، لا في "سرعة العربة"، ولا في "المسافة" التي قطعتها، ولا في "الزمن" الذي استغرقه قطعها.

ولو انطلقت هذه المركبة من الأرض نحو الشمس، متسارِعةً حتى بلغت سرعتها 280 ألف كيلومتر في الثانية، لَقَطَعت المسافة بين الأرض والشمس، والتي مقدارها 150 مليون كيلومتر، بحسب القياس الأرضي لها، في زمن مقداره موضع خلاف بيني (أنا المراقِب الأرضي) وبينكَ (أنتَ المسافِر على متنها). أنتَ سيستغرِق سفركَ إلى الشمس، وبحسب ساعتكَ، 10 ثوانٍ مثلاً. أمَّا أنا فسوف أرى أنَّ سفركَ قد استغرق، بحسب ساعتي الأرضية، 535.7 ثانية. أنتَ متأكِّدٌ الآن أنَّ المسافة التي قطعتها مركبتكَ لم تظل 150 مليون كيلومتر، وأنَّها قد تقلَّصت، فأصبحت 2800000 كيلومتر (18.6% من المسافة الأصلية). أمَّا أنا فأراها على حالها، أي أنَّها ظلَّت 150 مليون كيلومتر. أنتَ ترى أنَّ الضوء المنطلق من الشمس يصل إلى الأرض في زمن مقداره، بحسب ساعتكَ، 9.3 ثانية. وأنا أراه يصل إلى الأرض في زمن مقداره، بحسب ساعتي، 500 ثانية (8.3 دقيقة). أنتَ تقيس سرعة مركبتكَ فتَجِدها 280 ألف كيلومتر في الثانية (بحسب متركَ وساعتكَ). وأنا أقيسها فأجدها أيضاً 280 ألف كيلومتر في الثانية (بحسب متري وساعتي).




كل ثانية عندكَ إنَّما تَعْدِل 50 ثانية عندي؛ والمتر عندكَ إنَّما يَعْدِل 18.6 سنتيمتر عندي (18.6% من المتر الأرضي). ولو أردتُ إجراء "حساب ثالث" لا يُمْكِن أن تَظْهَر نتائجه في أيٍّ من أدوات القياس (المكانية والزمانية) التي لديكَ ولديَّ، لَقُلْتُ الآتي: أنتَ قِسْتَ بمتركَ المسافة التي قطعتها مركبتكَ فوجدتَ أنَّها 2800000 كيلومتر؛ ولكنَّ متركَ يَعْدِل 18.6% من المتر الأرضي. وعليه، تكون المسافة 520 ألف كيلومتر. وهذه المسافة يقطعها الضوء في زمن مقداره، بحسب ساعتكَ، 9.3 ثانية. ولكنَّ الثانية عندكَ تَعْدِل 50 ثانية عندي. وهذا إنَّما يعني أنَّ الضوء الذي قطعها كانت سرعته 1118 كيلومتر في الثانية. أمَّا سرعة مركبتكَ فتكون 1040 كيلومتر في الثانية.

تخيَّل الآن أنَّكَ مقيم في داخل "ثقب أسود"، فكم يبلغ طول نصف قطر هذا الجسم الكوني المُظْلِم؟ أقيسه أنا المراقِب الأرضي فأجده 300000 كيلومتر (مثلاً). تقيسه أنتَ فتَجِده 3000000 كيلومتر (مثلاً). أنا أرى أنَّ الضوء يجتاز تلك المسافة (أي نصف القطر هذا) في ثانية (أرضية) واحدة. أمَّا أنتَ فتراه يجتازها في زمن مقداره، بحسب ساعتكَ، 10 ثوانٍ. المتر عندكَ يَعْدِل 10 سنتيمتر عندي (10% من المتر الأرضي). والثانية عندكَ تَعْدِل 10 ثوانٍ عندي. ولكَ أنْ تتخيَّل التغيير الذي سيطرأ على تلك النتائج الحسابية إذا ما كانت الثانية عندكَ تَعْدِل مليون سنة أرضية، أو أكثر؛ والمتر عندكَ يَعْدِل 0.000001% من المتر الأرضي، أو أقل!

لا شكَّ لدينا في مبدأ "ثبات سرعة الضوء بالنسبة إلى المراقبين جميعا"، فكل مراقِب يقيس سرعة أي ضوء لا بدَّ له من أن يَجِدها 300 ألف كيلو"متر" في "الثانية" الواحدة. ولكن "المتر" ليس هو ذاته، لجهة طوله، في كل أنحاء الكون؛ و"الثانية" ليست هي ذاتها، لجهة "كثافة الزمن فيها"، في كل أنحاء الكون.

ويكفي أن يتمدَّد (أو يبطؤ) الزمن، ويزداد تمدُّداً، وأن ينحني المكان (تنكمش الأطوال والمسافات..) ويزداد انحناءً، حتى يبطؤ كل تغيير، وكل سرعة.. إلاَّ سرعة الضوء.

عن ميدل ايست اونلاين


السفر عبر الزمن

 هو مفهوم الانتقال إلى الوراء أو إلى الأمام من نقاط مختلفة في الزمن، بشكل يماثل الانتقال خلال المكان. إضافة إلى ذلك، بعض التفسيرات للسفر عبر الزمن توحي بأنه من الممكن الانتقال بين أكوان متوازية  مثلت فكرة السفر عبر الزمن أداة مشتركة في القصص الخيالية في القرن التاسع عشر، وكان السفر عبر الزمن هو إلى المستقبل فقط تماشياُ مع ظاهرة التمدد الزمني في النظرية النسبية. وقد توصلت باحثة ألمانية حديثا في إثبات عدم إمكانية السفر عبر الزمن إلى الماض وذلك من خلال دراستها لنظرية أينشتاين  يطلق على أي وسيلة تقنية سواءً كانت خيالية أم افتراضية تُستعمل للسفر عبر الزمن تسمى آلة الزمن.

نسبية الزمن

النسبية وهي النظرية التي أضافت الزمن كبعد رابع بالإضافة إلى الأبعاد المكانية الثلاثه، تقول أن الزمان والمكان مرتبطان معاً ولا يمكن ان يوجد أحدهما بمعزل عن الاخر. نسبياً، نعلم أننا نستطيع أن نتحرك في هذه الأبعاد-المكانية- بكل حرية حيث نستطيع السير يمينا أو يسارا أو إلى الأمام أو الخلف أو إلى أعلى أو أسفل. ويمكننا ركوب آلات مثل الطائرة أو الصاروخ التي تنقلنا في البعد المكاني الثالث "الارتفاع" ومن هذه الفكرة البسيطة عن الأبعاد يتضح أنه بإمكاننا أن نتنقل عبر الزمن بهذه الصورة. لكن النظر إلى ما سبق يعد مفهوماً كلاسيكياً فحسب حيث يفترض أن الزمن مقياس مطلق لسرعة حركة هذه الأجسام. في النسبية يبدو الزمن نفسه على أنه دالة في السرعة النسبية بين الأجسام ويتباطأ أكثر فأكثر كلما كان الفرق في السرعة النسبية بين الأجسام أقرب إلى سرعة الضوء ويمكن أن يتوقف تماماً إذا ما وصلت هذه السرعة النسبية إلى سرعة الضوء.


لو افترضنا أن رائدا للفضاء غادر الأرض وعمره 25 سنة آنذاك، وترك أخاه الصغير البالغ من العمر 22 سنة وغاب في رحلته الفضائية مدة عشرة سنوات بحسب توقيته على الصاروخ المسافر بسرعة قريبة جداً من سرعة الضوء بحسب ما يرصد أخوه، فإنه يجد عند عودته من رحلته في سن 35 سنة أن أخاه الذي كان أصغر منه عمراً قد أصبح في سن الأربعين أو الخمسين على حسب سرعة الصاروخ التي تحرك بها.

تباطؤ الزمن بزيادة السرعة بين المراقبين


يتبين من نظرية النسبية أن الساعة على الصاروخ تمشي ببطء.


وتبلغ السرعات المعتادة على الأرض، حيث  وهي سرعات صغيرة لا نستطيع من خلالها ملاحظة تلك الفوارق. حتى بافتراض السفر بسرعة الصاروخ فتلك سرعات قليلة أيضا ولا تُحدث فرقا ملحوظا، وإنما نبدأ ملاحظة تلك الفروق الزمنية عند سرعة 30,000 كيلومتر /ثانية، أي عند 1/10 سرعة الضوء وهي سرعة كبيرة جدا.

تمدد أو تباطؤ الزمن


"تمدد" الزمن في هذا السياق ليس مفهومًا فيزيائيًا نظريًا خاصة في الأجسام الدقيقة دون الذرية، وإنما هو تمدد حقيقي في الزمن الذي يحيا فيه الإنسان. وتبين المعادلة السابقة أن الزمن يتمدد بالنسبة للمشاهد على الأرض (طبقا لساعته) بينما يظل نفسه بالنسبة للمسافر في الصاروخ (طبقا لساعته). فلو زادت سرعة إنسان ما (في سفينة فضاء مثلا) إلى حوالي 87% من سرعة الضوء, فإن الزمن يبطؤ لديه إلى الضعف.

مفارقة التوأم


ما سبق كان عبارة عن حديث بسيط لتقريب المفهوم ولكن الحقيقة أن هناك مفارقات عديدة تظهر أثناء نقاش مفهوم الحركة بين المراقبين. نتيجة لذلك تحدث بعض المفارقات المبهمة لدى البعض في تفسير ما يترتب عليه تمدد الزمن. من هذه المفارقات اشتهرت قصة مفارقة التوأم. تبدأ هذه المفارقة بقصة طريفة بأنه لو سافر أحد توأمين على سفينة لمدة عشرة أعوام بسرعة قريبة جدا من سرعة الضوء - مثلا - فسيجد ابنه المولود حديثًا قد أصبح عمره عشرين عامًا، أو أن أخيه التوأم يكبره بأقل من عشرة أعوام (اعتمادا على مدى قرابة سرعة المسافر من سرعة الضوء). تسببت هذه المسألة في تخبط الكثير من المقبلين على تقبل مفاهيم النسبية وظن البعض بأن هذه هي المفارقة. السبب في ذلك يعود إلى التفسير الخاطئ لها. في النسبية لا يستطيع أي من المراقبين تمييز المتحرك من الثابت سوى نسبيا. معنى ذلك أن المراقب على السفينة مثلا كان يبدو لأخيه التوأم متحركا مع السفينة بسرعة قريبة من سرعة الضوء بينما العكس تماما كان يظهر من وجهة نظر المسافر حيث أنه كان ينظر من خلال نافذة السفينة والتي تعتبر موطنا ساكنا بالنسبة له فيلاحظ أن أخاه التوأم على الأرض هو الذي كان يتحرك مع الأرض مبتعدا بسرعة قريبة من سرعة الضوء. هنا تكمن المفارقة الحقيقية للتوأم حيث أن كلا منهما يعتقد بأن الآخر هو من سيكبر في السن.


سبب هذه المفارقة نجم من الافتراض غير الواقعي للأحداث. عند نقاش السفر تم إهمال الأحداث الناجمة عن تسارع وتباطؤ الأجسام أي أننا افترضنا جدلا حركة المراقبين النسبية بسرعة (منتظمة) قريبة من سرعة الضوء دون الخوض في تفاصيل الزمن اللازم لتسارع المركبة من السكون وما يترتب عليه من حسابات جديدة. في النسبية الخاصة والتي تتعامل مع الأطر المرجعية العطالية تجعل التوأم الذي على الأرض قادرا على تطبيق معادلات النسبية الخاصة وتمدد الزمن وليس كليهما. هنا يصبح التوأم على الأرض هو من سيكبر في السن فعلياً أكثر من الآخر.

يعد السفر بسرعة تقترب من سرعة الضوء أمراً ممكن فيزيائيا وتكنولوجيا. وقد استطاع العلماء تسريع جسيمات أولية مثل الإلكترون والبروتون إلى سرعات تقترب من سرعة الضوء ولاحظوا زيادة في كتلتها، وأن تلك الزياة تتفق تماما مع معادلات اينشتاين.

ويرى العالم كارل ساجان أن هذا يمكن أن الوصول إليه خلال عدة مئات من السنين. وبناء على ذلك شكلت مجموعة من العلماء يرأسها الأمريكي كيب ثورن والروسي إيجور نوفيكوف ما أسموه بـ(كونسورتيوم) روسي - أمريكي لتحقيق تقنية تسمح بابتكار آلة للسفر عبر الزمن.  

انحناء الفضاء والنسبية العامة لأينشتاين

تعرف الهندسة المستوية بالهندسة الإقليدية، نسبة إلى إقليدس الذي عاش حوالي عام 300 ق.م وبواسطة هذه الهندسة يمكن وصف أي شكل هندسي بواسطة نظام الإحداثيات الكارتيزية، أي استخدام الأسطح المستوية لوصف الخطوط المنحنية والمجسمات الفراغية. والفضاء طبقا لهذه الهندسة هو فضاء مستو. ولم تكن تلك هي الهندسة الوحيدة الممكنة، فقد طرح لوباتشفسكي عام 1828 هندسة لاإقليدية ذات أسطح منحنية مفتوحة معتمدة على منحنى القطع الزائد. ثم طرح برنارد ريمان عام 1850 هندسة لاإقليدية معتمدة على السطح الكروي المغلق، وطورها ويليام كليفورد عام 1870 وافترض احتمال أن يكون الفضاء الكوني رباعي الأبعاد ينطوي على منحنيات تشابه تضاريس سطح الأرض. ولم يكن ينقص تصور كليفورد سوى التفسير الفيزيائي الصحيح حتى يتطابق مع النظرية النسبية العامة، التي طرحت بعد 45 عاما. فالبعد الرابع في الفضاء لم يكن سوى الزمن وانحناء الفضاء يحدث بتأثير جاذبية الأجسام.


وبتقديم أينشتاين النظرية النسبية الخاصة عام 1905 والتي وضع فيها معادلات حركة الأجسام في فضاء مستو رباعي الأبعاد، وبوجود الهندسة اللاإقليدية وطرحه لفكرة انحناء الزمان والمكان بتأثير الجاذبية، تكونت لدى آينشتين المادة الخام لنظرية متكاملة للجاذبية يمكن أن تكون بديلاً لنظرية نيوتن. ولما كان آينشتاين غير بارع في الرياضيات فقد لجأ لصديقه في الدراسة مارسيل جروسمان، وكان قد أصبح آنذاك عميدا لمعهد البوليتكنيك بزيوريخ، وكان بارعا في الهندسة اللاإقليدية، ووجد الحل في هندسة ريمان للأسطح المنحنية المغلقة. وقدم أينشتاين الصيغة النهائية للنظرية في ثلاث جلسات في أكاديمية العلوم في برلين عام 1915م, وطبعت عام 1916م.

وكان من أهم نتائج النسبية العامة تغير نظرتنا إلى الكون، فالمكان والزمان ليسا خلفية ثابتة للأحداث، وإنما هما مساهمان نشيطان في ديناميكا الكون. والفكرة الأساسية هي أنها تضم "بعد" الزمان إلى أبعاد المكان الثلاثة لتشكّل ما يسمى (الزمكان). وتدمج النظرية تأثير الجاذبية بأنها "تحني" الزمكان بحيث لا يكون مسطحا. ولما كان الزمكان منحنيا فإن مسارات الأجسام تظهر منحنية، وتتحرك كما لو كانت متأثرة بمجال جاذبية. وانحناء الزمكان لا يؤدي فقط إلى انحناء مسار الأجسام ولكنه يؤدي أيضاً إلى انحناء الضوء نفسه. وقد وجد أول برهان تجريبي لذلك عام 1919 م حيث تم إثبات انحناء الضوء الصادر من أحد النجوم عند مرور الضوء بالقرب من الشمس بتأثير جاذبيتها. وتم ذلك بمراقبة الموقع الظاهري للنجم خلال كسوف الشمس ومقارنته بموقعه الحقيقي (خلف الشمس). فالزمكان ينحني بشدة في وجود الأجسام ذات الكتل الضخمة مثل النجوم والشمس، ويعني ذلك أن مسار الأجسام ينحرف في المكان أثناء الحركة وكذلك تنحني في الزمان بأن تبطئ زمنها الخاص نتيجة لتأثير الجاذبية الواقعة عليها. فإذا تصوّرنا فضاءا رباعي الأبعاد له ثلاثة أبعاد تمثل المكان وبعداَ رابعا للزمان ورسمنا خط الحركة المنحنية للجسم مع تباطؤ الزمن على المحور الرابع، لظهر لنا الزمكان منحنياَ بتأثير الكتلة الجاذبة.

الثقوب السوداء والسفر عبر الزمن


في العام نفسه الذي ظهرت فيه النسبية العامة 1916م وطرح فكرة انحناء الزمكان، أثبت الفلكي الألماني كارل شفارتزشيلد أنه إذا ضغطت كتلة (ك) في حدود نصف قطر صغير بما فيه الكفاية، فإن انحراف الزمكان سيكون كبيرا بحيث لن تتمكن أي إشارة من أي نوع من الإفلات، بما في ذلك الضوء نفسه، مكونا حيّزا لا يمكن رؤيته، سمي فيما بعد (الثقب الأسود). ويحدث ذلك عند انهيار نجم تتجاوز كتلته ضعف كتلة الشمس، حيث ينضغط ويتداخل بفعل قوته الجاذبة حتى تكون كل مادة النجم قد انضغطت في نقطة ذات كثافة لامتناهية، تسمى نقطة التفرد الزمكاني. وأي شعاع ضوء (أو أي جسم) يرسل داخل حدود الثقب الأسود، ويسمى أفق الحدث، يسحب دون هوادة إلى مركز الثقب الأسود. ومن الناحية النظرية يبدو أنه عند الاقتراب من الثقب الأسود تتزايد انحناءة الزمكان حتى تبلغ أفق الحدث، الذي لا نستطيع أن نرى ما وراءه. ورغم أن فكرة وجود نجم بهذه المواصفات ترجع إلى العالم جون ميتشيل الذي قدمها في ورقة بحث عام 1783م، إلا أن مساهمة شفارتزشيلد تكمن في أنه قدم حلولا للمعادلات التي تصف انهيار النجم إلى ثقب أسود على أساس نظرية النسبية. واتضح لاحقًا أن شفارتزشيلد لم يصل إلى حل واحد للثقب الأسود، وإنما إلى حلين. وهو شيء يشابه الحل الموجب والحل السالب لالجذر التربيعي. فالمعادلات التي تصف الانهيار النهائي لجسم يقتحم الثقب الأسود تصف أيضا - كحل بديل - ما يحدث لجسم يخرج من الثقب الأسود (يطلق عليه في هذه الحال أحيانا (الثقب الأبيض)). وبذلك يبدو أننا إذا ما تابعنا انحناء الزمكان داخل الثقب الأسود يبدو لنا وكأنه ينفتح مرة أخرى على زمكان آخر، فكأنما الثقب الأسود يربط زمكان كوننا بزمكان مختلف، ربما زمكان كون آخر.

ولكن المشكلة كانت في أن أي مادة تدخل هذا الثقب الأسود ستسقط حتمًا في التفردية المركزية لتنسحق بشكل يخرج عن فهمنا. ولكن مع تقدم الأبحاث وجدت هذه المشكلة حلا، فقد ثبت أن كل الأجسام المادية في الكون تدور سواء كانت مجرات أو نجوما أو كواكب، ومن ثم فإننا نتوقع أن تدور الثقوب السوداء بالمثل. وفي تلك الحال يمكن أن يدخل جسم ما إلى الثقب الأسود ويخرج من الناحية الأخرى دون أن يمر بالمفردة ويتحطم، وذلك بتأثير دوران الثقب الأسود. وفي عام 1963 م نشر روي كير حلولا لمعادلات آينشتاين المتعلقة بالثقوب السوداء الدوّارة. وبينت أنه ينبغي أن يكون من الممكن من حيث المبدأ الدخول إلى ثقب أسود دوار من خلال ممر يتجنب التفردية المركزية (نقطة الانسحاق) ليظهر على ما يبدو في كون آخر، أو ربما في منطقة زمكان أخرى في كوننا ذاته، ويشكل الثقب الأسود ما يسمى بالثقب (الدودي). وبذلك تثير هذه النتيجة بشكل قوي إمكان استخدام الثقوب السوداء بوصفها وسيلة للسفر إلى الماضي بين أجزاء مختلفة من الكون والزمان. alfred rodward

الوسائل المتوقعه للسفر عبر الزمن


الثقوب السوداء


إن فكرة استخدام الثقوب السوداء في السفر عبر الزمن تعتمد على أنه من الممكن عندما يحدث انحناء شديد للزمكان أن يحدث اتصال بين نقطتين متباعدتين في الزمكان. وبالتالي إذا تحقق مسار مغلق للزمكان يمكن العودة إلى نقطة البدء في الزمان والمكان. ويرى بعض العلماء أن السفر إلى الماضي لا يمكن أن يحدث، وإنما يكون باستمرار في اتجاه المستقبل. والعبرة هي اقتراب سرعة الحركة من سرعة الضوء. والنسبية معناها مقارنة زمن راكب الصاروخ وزمن صديقه الباقي على الأرض.


الأوتار الكونية


هي أجسام يفترض أنها تخلفت عن الانفجار العظيم لها طول يقدر بمئات ءالسنين الضوئية، ولكنها دقيقة جدا إلى حد انحناء الزمكان بشدة حولها. فإذا تقابل وتران كونيان يسير أحدهما عبر الآخر بسرعة الضوء تقريبا لتكون منحنى مغلق للزمكان يستطيع المرء اتباعه للسفر إلى الماضي. وقدم فرانك تبلر عام 1974م فكرة للسفر عبر الزمن تعتمد على أن اسطوانة كثيفة الكتلة سريعة الدوران سوف تجر الزمكان حولها مكونة مسارات زمنية مغلقة. وفي عام 1949 م أثبت الرياضي الشهير كورت جودل أن الكون يمكن أن يكون دوارا بمعدل بطيء جدا، وأنه يمكن أن يترتب على ذلك مسار مغلق في الزمكان.


آلة السفر عبر الزمن


كيب ثورن وزملاؤه وضعوا تصميمًا خياليا لآلة للسفر في الزمن تعتمد على تخليق ثقب دودي ميكروسكوبي في المعمل، وذلك من خلال تحطيم الذرة في معجل للجسيمات. ثم يلي ذلك التأثير على الثقب الدودي الناتج بواسطة نبضات من الطاقة حتى يستمر فترة مناسبة، ويلي ذلك خطوة تشكيله بواسطة شحنات كهربية تؤدي إلى تحديد مدخل ومخرج للثقب الدودي، وأخيرا تكبيره بحيث يناسب حجم رائد فضاء بواسطة إضافة طاقة سلبية ناتجة عن نبضات الليزر. ولكن لا يزال ذلك خيالا.


أختلاف الأراء بين العلماء


لقد أدت تلك التصورات النظرية لإمكانية السفر عبر الزمن إلى مناقشة التناقضات الناتجة عن ذلك، كمثل أن يسافر المرء إلى الماضي ليقتل جدته قبل أن تحمل بأمه، أو أن يؤثر على مسار التاريخ فيمنع الحروب مثلا... إلخ. ورأى بعض العلماء أنه يمكن حل تلك التناقضات من خلال مفهوم المسارات المتوازية للتاريخ بحيث يكون لكل إمكان مسار مستقل للأحداث. فيكون العالم بعد تغيير أحداثه في الماضي عالما مستقلاً موازيا. وفي الوقت الحالي لا تمثل تلك المناقشات سوى أفكار تأملية فلسفية وليست علمية، فلم يسافر أحد إلى الماضي حتى الآن. ويؤيد ستيفن هوكنج العالم المشهور بأبحاثه عن الثقوب السوداء ونشأة الكون فكرة حدوث السفر إلى الماضي على المستوى الميكروسكوبي، ولكنه يرى أن احتمال أن يكون هناك انحناء في الزمكان يكفي لوجود آلة للزمان هو صفر. ويرى أن هذا يدعم ما يسميه (حدس حماية التتابع الزمني) الذي يقول إن قوانين الفيزياء تتآمر لمنع الأشياء الميكروسكوبية من السفر في الزمان. ويرى بول ديفيز أن وجود جسر للزمان ما هو إلا مفهوم مثالي لا يضع في حسابه الموقف الفيزيائي اللاواقعي للثقب الأسود في الكون، وأنه على الأرجح أن هذا الجسر المثالي لابد أن يتحطم داخل الثقب الأسود. ومع ذلك فإن ما يجري داخل الثقب الأسود سيظل مثيرا للبحث العلمي والتأمل العقلي، وأنه يستطيع أن يكشف لنا عن مزيد من جوانب الطبيعة التي يتسم بها الزمن.


فالعلماء في واقع الأمر يختلفون في تقدير إمكان السفر عبر الزمن، وإن كانت الغالبية ترى أن هذا غير ممكن. ويذكر ستيفن هوكنج أن كيب ثورن يعتبر أول عالم جاد يناقش السفر عبر الزمان كاحتمال عملي. وهو يرى أن ذلك له فائدة في كل الأحوال، فعلى الأقل سيمكننا من أن نعرف لم لا يمكن السفر عبر الزمن؟ وأن فهم ذلك لن يتأتى إلا بعد الوصول إلى نظرية موحدة للكم والجاذبية (النظرية الموحدة للقوى)، وسيظل تفسير ما يحدث للمادة داخل الثقب الأسود أو في مسار زمكاني مغلق مبهمًا بالنسبة إلينا.

السفر عبر الزمن في روايات الخيال العلمي


كان السفر عبر الزمن من الأفكار الكلاسيكية التي طرحت في أدب الخيال العلمي. حيث تعرض لها الأديب الإنجليزي ج. ويلز عام1895 في (آلة الزمن) وجاك فيسني في (وجه في الصورة) ورؤوف وصفي في (مغامرة في القرن السادس عشر) وتوفيق الحكيم في مسرحيتي (أهل الكهف، ورحلة إلى الغد).. ومن أجمل الروايات التي قرأتها رواية تدور حول وكالة سياحية من القرن القادم تنظم لعملائها رحلات سياحية إلى الماضي لمشاهدة الكوارث والأحداث العظيمة التي وقعت على الأرض.. وهكذا يتنقل السياح عبر الزمن لمراقبة الحرب الأهلية في أمريكا وسقوط القنبلة الذرية على هيروشيما ثم الانتقال إلى الستينيات لمشاهدة اغتيال الرئيس كينيدي على الطبيعة ثم العودة إلى سان فرانسيسكو لمعاينة زلزالها الشهير قبل وقوعه بدقائق!!


وقد تحولت معظم هذه الروايات إلى أفلام سينمائية رائعة ـ بما في ذلك أول رواية لويلز "آلة الزمن".. ومن الأفلام التي جمعت بين الكوميدا والخيال فيلم "العودة إلى المستقبل" حيث يعود البطل إلى الزمن الماضي لمساعدة والده المراهق والتقريب بينه وبين والدته تمهيداً لإنجابه!

إدعاءات علمية


انتشرت مؤخرا في كثير من المنتديات العربية وحتى بعض الكتب العربية مجهولة المصادر مواضيع تتعلق بالسفر عبر الزمن وعن تجارب ناجحة أو شبه ناجحة أجراها العلماء مؤخرا. مفاد أحد هذه المواضيع أن العلماء استطاعوا نقل عملة نقدية آنيا من ناقوس إلى آخر ولكن بعد مرور زمن مقداره ساعة وست دقائق ولمسافة حوالي 90 سنتيمترا


الغريب أن هذه المواضيع لم تنشر لها تراجم أو مصادر من الإنكليزية مثلا أو لغات أخرى شهيرة سوى العربية. يبدوا أن السبب وراء هكذا أقاويل إما عدم تفهم العامة لمفهوم النسبية وقوانينها أو لأن المراجع العربية تفتقر للمصادر في كثير من الكتب والمقالات العلمية. ربما كان السبب الآخر هو موضوع النقل الكمي quantum teleportation والذي يعنى بنقل المعلومات الكمية من نظام كمي إلى نظام كمي آخر.

أسباب معارضة الفكرةلو سافر شخص إلى الماضي فكيف يتواجد في زمن قبل أن يوجد أباه وهذا منطقياً وفلسفياً أمر غير مقبول أي أن يسبق المعلول العلة كما يسبق الابن أباه ؟؟

أنه لو استطاع أحد السفر عبر الزمن لماذا لم يأتي إلينا من هم في المستقبل ؟؟ حيث أنهم وصلوا إلى أرقى المستويات في التقنية... ؟؟

هل يمكن أن أعيش في زمن أحفاد أحفادي وهم لم يأتوا بعد ؟؟ أو أن أعيش في زمن أباء أبائي وأنا لم أولد بعد ؟ كيف تكون البيئة التي أعيش فيها وهي متغيره الآن ؟؟

هل من الممكن أن توجد كتلة في مكانين مختلفين في نفس الوقت ؟؟

ماذا لو التقى الشخص بنفسه عندما كان صغيرا ؟


طالع أيضا


http://www.oloommagazine.com/Articles/ArticleDetails.aspx?ID=2357
الكون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا وسهلا

رحـلات وجـولات ورسائل لا تنـتهى للعقـل والـروح وأحـيانا للجـسـد عــبر نـوافــذ الادراك المعـروفـة والمجهولة تتـخطـى المكان والـزمان تـخـوض بحـار العـلم و تـكشـف أسـرار المـعرفة حربـا علـى الظــلام والتحاقا بالنـور بحـثا عـن الخيــر والجـمـال ووصــولا الى الـحـق