الأحد، 26 يونيو 2011

الزجاج .. وجه الحضارة


يضع المرء على عينيه زجاجتين، وثالثه على يمينه تضيء له البيت، يطفئ جهاز التلفزيون، لينظر من خلال النافذة، فيتأكد له بأن الزجاج في كل مكان، وليس هناك حدود لاستعماله. لكن هل نعرف كيف يصنع؟
يصنع الزجاج من الرمال، وهو المادة الأكثر انتشارا على الأرض. علما أن مزايا الزجاج تختلف كليا عن الرمال. فالزجاج لا يعتبر مادة صلبة، بل هو سائل لزج يتصلب عند لبرودة.
نحصل على الزجاج من نار الفرن. عبر آنية من المواد المقاومة للصهر هي البوتقة. يحضر صانع الزجاج خليطا يحتوي على ستين أو سبعين بالمائة من رمل السيليكون الذي يتكون في معظمه من ثاني أكسيد السيليكون أو السيليكيا.
تشكل هذا الخليط من بلورات، هي عبارة عن شبكة ذرات منسقه جيدا ومتماسكة فيما بينها بروابط ثابتة.
يضيف صانع الزجاج إلى هذا الخليط عدد من العناصر الأخرى التي تساعد على الانصهار، وهي تتشكل من الصودا والبوتاس وحجر الكلس أو صدف المحار.
تستعمل هذه المواد لتعزيز الانصهار الذي يتم بدرجة حرارة تصل إلى ألف وخمسمائة درجه مئوية، تحول دون هشاشة الزجاج بتعرضه لدرجة حرارة مرتفعه.

يسخن صانع الزجاج الخليط، فيؤدي التسخين إلى تحطيم تركيبة البلورة الرملية وتفاعل جميع العناصر فيما بينها، لتشكل مزيجا تنعدم فيه البنية محددة. يؤدي انعدام هذه البنية إلى تمتع الزجاج بمزاياه المدهشة، ومن يبنها إمكانية التحكم بشكل جديد له.
حين يصبح الزجاج الذائب جاهزا للنفخ، يجمع صانع الزجاج كمية منه حول قضيب طويل مجوف، ثم ينفخ فيه إلى أن تنتفخ الكتلة المنصهرة وتتحول إلى فقاعه.
تحدد قولبة القضيب المستمرة شكل هذه المادة باستخدام إناء معدني أو حديدي أو خشبي، يسمونه مارقر، وقد يتم ذلك يدويا باستخدام صحيفة مبلله.
يقسو الزجاج بمجرد أن يلامسه الهواء البارد. ثم يعاد تسخينه بالفرن كي تتابع عملية تحديد بنيته، إلى أن يتخذ شكله النهائي.
في ختام هذه العملية، ولأن الزجاج يكون هشا بعد، يوضع في الفرن للمرة الأخيرة كي يمنح القوة والصلابة، ما يمنح الزجاج قدرة على تحمل صدمات الحرارة التي يمكن أن تضعفه.
وبما انه لن يسخن للانصهار، بل لمجرد تسخينه، من الأفضل أن يتمكن من تحمل المتغيرات التي تطرأ على الحرارة من حوله. تكمن التقنية الأخرى باستعمال مصباح البروبين لتحديد بنية العمل المطلوب.
توضع الجزيئات في حركة دائمة، ما يجعل اللهيب من الزجاج مطواعا ومطاطا دون إذابته. يمكن العمل بالزجاج وهو بارد أيضا ونقشه باستعمال أداة مدببة أو باللجوء إلى تركيبة كيميائية كحامض الهيدرو فلوريك. نادرا ما يقوم صانع زجاج النوافذ بحفر قطعته، يل يكتفي   بتوجيه الإنارة من خلال تعدد الألوان وكثافة الزجاج.
للقيام بذلك يستعمل الفنان قطع من الزجاج الملون.
وربما يلونها بنفسه أيضا، باستعمال الكلورايد او سلفات الفضة كأساس للطلاء يعمل كماص للتفاعل الكيميائي بين مكونات الزجاج وأملاح الفضة.
تسمح هذه العملية للون بان يلتحق نهائيا بالزجاج، رغم احتفاظه بشفافيته ليمنح ذلك زجاج النوافذ المصقول مواصفات نوعية عالية.
لصناعة زجاج النوافذ الملون، تستخدم تقنية الرصاص وهي التقنية الأقدم والأكثر شيوعا.
نبدأ أولا بدراسة دور الضوء في الغرفة التي سيوضع فيها زجاج النافذة الملون ، ثم ننكب على صناعة مجموعة من العينات الصغيرة عن العمل، تقارب عشر الحجم المطلوب. نقوم بعدها بصناعة نموذج من الورق المقوى لتكوين فكرة عن حجم النافذة الكامل.
نضع رقما على كل قطعة من النماذج، حين يتم قصها تستعمل كقالب يقص الزجاج بالاعتماد عليها، وبذلك تكون احجية من قطع الزجاج قد صنعت.
يمكن لصانع الزجاج حينها ان ينتقل نحو الخطوة التاليه. وهي تمكن بتثبيت كل قطع الزجاج في قنوات رصاص طوليه.
لتتماسك قنوات الرصاص جيدا يتم تثبيتها بتلحيمها بنقاط لحام صغيره.
لتغطى بعدها بمعجون يمنع الماء من التسرب اليها، عند هذه النقطه. يصبح اللزجاج الملون جاهزا للتركيب.
ويعتمد جماله حينها على نوعية الانارة المحيطة بالمكان الذي ركب به.
زجاج النوافذ الملون لم يكن في الماضي مجرد قطع من الزجاج، بل كان يقص حكايات من البداية حتى النهايه، تحمل المعني، وتتميز بالتشويق.
بفضل شفافيته، كان الزجاج ولفترة طويلة المادة المفضلة للبناء
ولكن هذه الميزة لم تعد كافية لارضاء معماريي هذه الايام. فقد اصبح زجاج اليوم يفي بعدة شروط تقنية وعمليه.
منذ بداية ازمة الطاقه مثلا اصبحت النوافذ العاكسة قابلة اكثر للاستخدام، خصوصا في المكاتب المكيفه، فهي معزولة تماما وتحفظ الحراره.
ما يمنح الزجاج هذه المزايا هي طبقة رقيقه من المعدن المؤكسد، التي اما تكون ضمن الزجاج او انها تغطي سطحه.
خلال النهار تعكس الطبقة المؤكسده جزءا من اشعة الشمس فينجم عن ذلك اشعة ما تحت الحمراء نحو الخارج. المظهر الخارجي للزجاج يوحي بانها مرآة عاكسة تماما.
وفي الليل يحصل عكس ذلك تماما، اذ تعكس الطبقة المؤكسده الاشعة ما تحت الحمراء الموجودة في الغرفه، فيمنع التدفئة من التسرب.
الزجاج المستعمل اليوم في المباني يقوم بعدة وظائف، في وقت واحد.
النوافذ العاكسة تضفي نوعا من رجع الصدى الذي عادة ما يعزز انظمة التدفئه.
يتم ذلك بحفظ طبقة من الهواء او الغاز، بين لوحين من الزجاج.
بسماكة لا تتعدى العشرة مليمترات، تحمي هذه الطبقة من الضغط الناجم عن موجات الصوت.
الضجيج هو مواجات صوتية متتالية ومتداخله ناجمة عن ذبذبات في الطبقات الهوائيه.
في غرفة ذي حرارة عاديه، تنتقل موجات الصوت بسرعة 340 مترا في الثانيه.
النوافذ المضاعفة تمتص موجات الصوت، وبهذا تبتر عملية انتقالها.
يتم الحصول على النتيجة ذاتها بجمع لوحين من الزجاج في سماكات مختلفه.
بفضل هذا الاجراء البسيط، يمكن اختصار الصوت في غرفة ما الى ما يقارب النصف.
اضف الى ذلك ان تساعد طبقة الهواء على تعزيز اجراءات التدفئه لتوفر ما نسبته 45 بالمئه من الطاقة مقارنة مع نافذة من لوح واحد.
لهذا اصبح لوحين من الزجاج في النوافذ مسألة شبه متعارف عليها في المدن والبلدان البارده.
بما ان نوافذ اليوم اصبحت تلبي كثيرا من الأحتياجات، الجمالية والحرارية والصوتيه، ليس هناك ما يدعو لجعلها قليلة الامان ايضا.
انها مشكلة كبيره اذا اخذنا بالاعتبار ان تحطم الزجاج يؤدي الى حوادث موسفة كل عام، خصوصا بين الاطفال. الزجاج المصفح هو احد الاجوبة على هذه المشكله.

يتم تصفيح الزجاج بصقل لوحين او ثلاثة الواح معا، بواسطة غشاء رقيق من البوليفينيل والمعروفة ايضا بمادة ال .PVB
يوضع غشاء الpvb الذي لا تبلغ كثافته الميلميتر الواحد، بين لوحين من الزجاج.
ثم يتم ضغط اللوحين بين اصطوانتين هوائيتين، لاخلائها من اي فقاعات هوائيه. ثم تسخن على درجة حرارة لالتحامهما، بقوة الضغط، وباستخدام ادوات كهربائيه.
يلين ذلك غشاء الpvb وبعد ثلاثة او اربعة ساعات تذوب المادة بالكامل.
بعد ان اصبح الزجاج يتميز بالشفافية الكامله، اصبح الpvb يقوم بدور اللحمة بين الواح الزجاج ليجمعها بصلابة .
اذا ما تحطم الزجاج، سيحفظ الpvb الشظايا ويمنعها من التبعثر.
الزجاج المصفح بسماكة ستة مليمترات كثير الاستعمال في المدارس والمنشآت الرياضيه.
احيانا ما تنشأ الحاجة لتعزيز النوافذ اكثر من ذلك. فلا بد للزجاج المضاد للرصاص ان يكون بسماكة تصل الى العشرة ستيمترات.
الزجاج المعالج هو نوع اخر من الزجاج الآمن. على خلاف الزجاج التقليدي حين يتحطم الزجاج المعالج يتحول الى قطع صغيرة جدا.
هذه الشظايا التي قد تبلغ المليمترين او الثلاثه، ليس لها اي حد، مما يقلل من احتمالات الاصابه.
لصناعة الزجاج المعالج، يتم تسخين لوح عادي على درجة حرارة تصل الى الستمايه وعشرين درجه، ثم يبرد فجأة بالهواء البارد مباشرة.
هذه الصدمة الحراريه تضعف الزجاج،فتنشيء مناطق اقل مقاومة على مجمل سطح الزجاج.
الصدمة الميكانيكية ستؤدي الى تحطيم لوح الزجاج بكامله.
الى جانب هذه الوظائف التقنيه، يتطلب الامر من الزجاج المستعمل في صروح عمرانية حديثه، ان يتمتع بمزايا جمالية ايضا.
من هذه الناحيه يبدو ان الزجاج المستعمل في اهرامات اللوفر في باريس يسترعي هذه المسألة التقنيه.
رغم شفافية الزجاج بطبيعته العاديه، الا ان النوافذ تفقد بريقها مع مرور الزمن.
والسبب في ذلك يعود الى انها تحتوي على ايونات الحديد التي تتفاعل مع الاكسجين في الهواء فتكون اكسيد الحديد.
اكسيد الحديد سيمنح الزجاج لونا ضاربا الى الاخضرار. اما بالنسبة لاهرامات اللوفر فقد حلت المشكلة من خلال تقنية يتم التحفظ عليها، تتخلص من ايونات الحديد.

ويقال ان هذه النوافذ ستحافظ على شفافيتها الى الابد.
يحل الزجاج في الابنية الجديده محل الحجارة ببطء شديد.
سواء الملون منه او البالغ الشفافيه، كلا النوعين من الزجاج يحميان الانسان من مفاجآت الطقس كما ومن الضوضاء.
لقد اثبت الزجاج بما لا يدع مجالا للشك انه المادة الوحيدة التي اثبتت جدارتها في مجالات حياتية متعدده.



   عرض فيديو  1       عرض فيديو 2   
طالع أيضا

 الزجاج المعشق 
الفسيفساء
 
تقنيات الفسيفساء

فن الأرابيسك

الفسيفساء المغربي الزليج
حشوات الزجاج المعشق

التنفيذ العملي للفسيفساء
أعمال الفسيفساء الرائعة
عرض مزيد من الفسيفساء الرائعة
فسيفساء رائعة و مصرية
الخرز
 فن التصديف وفنون الصدف 
الزجاج وجه الحضارة 
كايندل .. هل لديك تعليق ؟ 
باترون زجاج معشق1
باترون زجاج معشق 2 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا وسهلا

رحـلات وجـولات ورسائل لا تنـتهى للعقـل والـروح وأحـيانا للجـسـد عــبر نـوافــذ الادراك المعـروفـة والمجهولة تتـخطـى المكان والـزمان تـخـوض بحـار العـلم و تـكشـف أسـرار المـعرفة حربـا علـى الظــلام والتحاقا بالنـور بحـثا عـن الخيــر والجـمـال ووصــولا الى الـحـق