الاثنين، 27 يونيو 2011

عين القط


مع حلول الظلام
ينطلق القط المنزلي بكل رشاقة
باحثا عن حشرات أو فئران يصطادها
ولا نملك إلا أن
نعجب بهذه القدرة الاستثنائية التي يتمتع بها القط وغيره من الحيوانات الليلية
فنحن نتحسس طريقنا
في الظلام ونصطدم بالعوائق أو نسقط في أي حفرة يضعها حظنا العاثر في طريقنا
فما الذي تتميز به عينا القطط عن عيني الانسان
حتى يرى في الظلمة بسهولة ؟
حقاً أن بؤرة عين القط
يتسع كثيرا في الظلام مما يسمح بدخول اكبر قدر ممكن
من اشعة الضوء داخل العين كما أن شبكية عين القط
اسمك مما هي لدينا
ويتصف قعر العين لديه بأنه يعكس الاشعة لاستغلالها لاقصى حد
لكن يبدو أن الميزة الرئيسية لعين القط
هي تلك التي اكتشفها علماء احياء وفيزياء مؤخرا
والتي تنشأ عن ترتيب معين ومميز لمادة الوراثة DNA
مما يجعل نوى الخلايا البصرية
تعمل عمل العدسات المجمعة أو اللامة للضوء
في عام 1866 اكتشف الالماني مكس شلتزة
مبادىء الإبصار
تحوي شبكة العين نوعين من الخلايا المستقبلة للضوء
احدهما المخاريط
( جمع مخروط )
وهي التي تسمح لنا بتمييز الالوان
والنوع الاخر العصي البالغة الحساسية للضوء
وبالتالي فهي مسؤولة عن الابصار الليلي
لكن ما سر هذه الحساسية الفائقة للضوء؟
كشف بالصدفة
تعود بداية القصة الى عام 2005
عندما كان فريق باحثين ألمان من جامعة لدفغ مكسمليانز في ميونخ
يدرسون جينات معينة في خلايا شبكية عيون الفئران
فلاحظوا وجود شذوذ في ترتيب DNA
في نوى خلايا العصيات
اذ انه كان مرتبا بعكس الترتيب الاعتيادي المألوف في كافة الخلايا الحية
ويشار إلى أن طول مادة الوراثة DNA داخل نواة الخلية حوالي المترين
لكن هذا الحبل الطويل يجد مكانه في النواة
بفضل التفافه حول جزيئات البروتينات مثل عقد من اللؤلؤ
يطلق على هذا العقد اسم كروماتين
وهو يكون مفككا في مركز النواة حتى تسهل قراءة محتوياته
ومكثفا متراصا على محيط النواة
لكن المفاجأة التي كانت بانتظار الباحثين الالمان هي
أن هذا النمط كان معكوسا في خلايا العصي في شبكية عين الفأر
فأجزاء DNA المتراصة توجد في مركز النواة
والأجزاء المفككة أقرب لمحيط النواة
وكانت هذه هي المرة الأولى التي تلاحظ فيها
مثل هذه الظاهرة الاستثنائية فرضية غير متوقعة
كانت الخطوة التالية هي محاولة تفسير سبب هذه الظاهرة الغريبة
والغرض منها فأثيرت عدة فرضيات
وكان منها أن هذا الترتيب المعكوس يلعب دورا في الرؤية الليلية لدى الفأر
أثارت هذه الفرضية سخرية ورفضا لدى عدد من الباحثين
كما يقول بوريس يوفي ( B.Joffe ) ورغم ذلك قرر الباحثون
استكشاف مدى صحة هذه الفرضية
فبدأوا بجمع بيانات عن الشبكية في عيون نحو 20 حيوانا ليلياً
وكانت المفاجأة كبيرة
اذ تبين أن هذه الظاهرة موجودة لدى جميع هذه الحيوانات
بعكس جميع الحيوانات النهارية
أي التي تمارس نشاطها في النهار وتنام ليلاً
وهكذا تأكدت فرضية التفسير الابصاري لانعكاس ترتيب DNA
في نوى خلايا العصي في الشبكية
وكانت الخطوة التالية هي فهم دور هذا الانعكاس في الإبصار الليلي
وهنا استعان فريق الباحثين المكون
من علماء احياء بفيزيائي مرموق من جامعة كمبرج
يدعى جوشن غوك J.Guck استعان غوك بالحاسوب
لبناء نموذج لخلايا الشبكية لدى حيوانات ليلية ونهارية
ولدراسة مسار الأشعة الضوئية عبر هذه الخلايا
وكانت النتيجة مذهلة
عملت خلايا شبكية الحيوانات الليلية عمل عدسة مجمعة للاشعة بعكس
ما هي في الحيوانات النهارية والتي شتتت الأشعة
وحتى ندرك أهمية هذه الظاهرة
نذكر أن عدد العصي في شبكية عيون الحيوانات الليلية كبير جدا
مقارنة بزميلاتها النهارية
ولهذا السمك الكبير سلبية واضحة
لأن الأشعة يجب أن تخترق هذه الطبقة السميكة قبل أن تصل الى الطبقات
التي تحول الضوء الى اشارة كهربائية ترسل للدماغ
ولو لم تتمتع العصي في الشبكية بخاصية تجميع الأشعة لانخفضت شدة الاشعة
التي تخترق هذه الخلايا مما يقلل الفائدة من كثرتها
وعلى اية حال
فان الابحاث في هذا المجال ما زالت في بداية الطريق لتفسير اسرار الرؤية الليلية
فشدة الضوء في ليلة عادية تقل بمليار مرة عن شدته في النهار
ولا شك أن دماغ الحيوانات الليلية
يمتلك وسائل وقدرات فائقة حتى يتمكن من تفسير هذه البيانات الضوئية بالغة الضعف

طالع أيضا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا وسهلا

رحـلات وجـولات ورسائل لا تنـتهى للعقـل والـروح وأحـيانا للجـسـد عــبر نـوافــذ الادراك المعـروفـة والمجهولة تتـخطـى المكان والـزمان تـخـوض بحـار العـلم و تـكشـف أسـرار المـعرفة حربـا علـى الظــلام والتحاقا بالنـور بحـثا عـن الخيــر والجـمـال ووصــولا الى الـحـق