الجمعة، 9 مارس 2012

أنظمة الحرب تحت الماء والتكهف الفائق


التحرك بسرعة فائقة تحت سطح الماء(*)
<S. آشلي>
 عندما غرقت الغواصة الروسية كورسك Kursk K-141 في الشهر 8/2000، راجت شائعات تقول إن الانفجارات الغامضة التي جعلت الغواصة تهوي إلى قاع بحر بارنتز ترتبط بوجه أو بآخر باختبار طوربيد فائق السرعة. وكان قد ألقي القبض قبل ذلك بعدة أشهر على رجل الأعمال الأمريكي <E. پوپ> في موسكو بتهم تتعلق بالتجسس، فأشيع حينذاك أنه كان يحاول شراء مخططات لطوربيد فائق السرعة. ومع أن تفاصيل الحادث البحري المفجع وقضية الجاسوس الشهيرة مازالت معلقة، فإن الدلائل تشير إلى أن كلتا الحادثتين ترتبطان بتقانة مذهلة لم يُكتب حولها إلا النزر اليسير، تسمح للأسلحة وللقطع البحرية بأن تشق طريقها تحت سطح الماء بسرعة تصل إلى مئات الأميال في الساعة ـ بل وتتجاوز سرعة الصوت في الماء أحيانا. تجدر الإشارة إلى أن التقانات التقليدية تسمح بالحركة تحت سطح الماء بسرعة لا تزيد على 80 ميلاً في الساعة.
 وقد بات من الواضح أكثر فأكثر مؤخرًا أن القوى البحرية الكبرى في العالم تطور طرائق لبناء ترسانات بحرية كاملة تشتمل على أسلحة وأساطيل مبتكرة تحت مائية قادرة على التحرك بسرعات لم يسبق لها مثيل. إن القدرة على الوصول إلى هذه السرعات العالية ـ والتي هي ضرب من «قوة التحرك السريع» warp drive في الماء ـ تعتمد على ظاهرة فيزيائية من ظواهر ميكانيك السوائل تعرف بالتكهّف الفائق supercavitation. وتحدث هذه الظاهرة عندما تتكون فقاقيع من بخار الماء عند حافات الأجسام المغمورة في ماء سريع الجريان (التدفق). وتكمن الحيلة هنا في إحاطة الجسم المتحرك بغلاف متجدد من الغاز بحيث لا يبلل الماء إلا جزءا صغيرًا من سطح الجسم، الأمر الذي يخفف من قوة السحب اللزج viscous drag. وقد تمثل نظم التكهف الفائق قفزة كمومية quantum leap في الحرب البحرية، وهي تماثل ـ إلى حد ما ـ الانتقال من الطائرات المروحية إلى الطائرات النفاثة، بل وحتى إلى الصواريخ والقذائف.

يمكن أن تتحرك الطوربيدات السرية وغيرها من المنظومات البحرية العاملة تحت سطح البحر بسرعة مئات الأميال
 في الساعة، من خلال سيرها داخل فقاقيع تخفف كثيرًا من المقاومة الناجمة عن السحب.
 وعلى الرغم من التمويل المتواضع حاليًا المخصص لأبحاث التكهف الفائق (وهو نحو 50 مليون دولار في الولايات المتحدة الأمريكية)، فإن قائمة الأسلحة والقطع البحرية التي تعتمد هذه الخاصية في عملها واسعة ومدهشة؛ فهي تشتمل على طلقات تحت مائية فائقة السرعة تستهدف الألغام والطوربيدات الموجَّهة homing torpedoes والقوارب ـ بل وحتى الطائرات والحوامات المحلِّقة على ارتفاعات منخفضة، وتُطلق من حجيرات إطلاق تشبه في شكلها إلى حد كبير الأبراج الدوارة التي استُخدمت على متن القاذفات الجوية في الحرب العالمية الثانية. وثمة إمكانات أخرى كالطوربيدات العالية السرعة المضادة للسفن وللطوربيدات، إضافة إلى «وسائط فصل اشتباك غير موجهة متوسطة المدى»، وهي أسلحة أكبر حجمًا تستخدم للعمل على وضع نهاية لقتال ينشب بين غواصتين. كما يمكن تصور طائرة تسير على سطح الماء بسرعة فائقة، إضافة إلى قذائف تحت مائية ذات قدرة نووية مصممة لتحييد مجموعات حربية كاملة من حاملات الطائرات.
 يعتقد بعض خبراء القوى البحرية أن نظم التكهف الفائق قد تغير طبيعة الحرب تحت سطح البحر، فتحوِّل مواجهات الكر والفر بين الغواصات الكبيرة إلى ما يشبه معركة جوية تتميز باشتباكات عالية السرعة والضجيج بين «مقاتلات» subfighters قصيرة المدى تتبادل طلقات تحت الماء، بعد أن تكون هي نفسها قد انطلقت من حاملات عملاقة تعمل تحت الماء subcarriers.
 ويشير خبراء آخرون إلى إمكانية استعمال طوربيدات أو صواريخ موجهة بعيدة المدى ومتعددة المراحل تعمل بالتكهف الفائق ومزودة برؤوس نووية (أي أسلحة وقائية موجهة بعيدة المدى)، ورخيصة الكلفة نسبيًّا، قد تثبت فعاليتها ضد منظومات «حرب النجوم» للدفاع الصاروخي المستقبلي. ويمكن لهذه الطوربيدات أو الصواريخ أن تطلَق من مسافة عدة أميال وهي تحت سطح الماء تمامًا، ثم تبرز من مياه الشاطئ قريبا من أهدافها، وتلقي بأحمالها الفتاكة قبل أن يكون بإمكان الدفاعات الجوية أو الفضائية الردّ عليها.
 ومما يدعو إلى العَجب أن نعلم حديثًا فقط أنه كان هناك ـ على مدى العديد من السنين ـ سلاح واحد على الأقل من الأسلحة التي تعتمد خاصية التكهف الفائق. ففي عام 1977، وبعد انقضاء نحو عشر سنوات من البحث والتطوير، أَدخلت القوى البحرية السوڤييتية ـ سرّاً ـ طوربيدًا يعمل بوقود صاروخي أطلقت عليه اسم شكڤال shkval (أي العاصفة) باستطاعته أن «يطير» عبر الماء بسرعة 100 متر في الثانية (أي نحو 230 ميلاً في الساعة) بل يزيد، ضمن تجويف غازي مولَّد ذاتيًّا. وعلى الرغم من أن هذه القذيفة ذات الرأس النووي تفتقر من بعض الوجوه إلى الإتقان والفاعلية الكاملة، فإن الأخبار التي شاعت عنها في التسعينات من القرن العشرين جعلت القوى الحربية في الدول الغربية تولي تقانة التكهف الفائق اهتمامًا ملحوظًا.
 مما لا شك فيه أنه ينبغي التغلب على تحديات كثيرة ذات شأن تتعدى الأمور التقنية قبل أن تصبح أي من تقانات الجيل القادم هذه حقيقة واقعة. فلا بد من النظر مثلاً في الاعتبارات البيئية إضافة إلى قضايا الملاحة. ولعل أكبر عائق للتقدم في هذا المضمار هو تأمين التمويل اللازم لبناء نظم بحرية تعتمد التكهف الفائق. ومع هذا فإن التاريخ يشير إلى أن التقانة الحربية غالبًا ما تجد الدعم المالي اللازم لها حتى ولو ندر توفره للأغراض الأخرى.
 يقول <R. كوكلنسكي> [وهو مهندس وباحث في علم تحريك الموائع (الهدروديناميك) لدى مركز أبحاث البحرية للقتال تحت سطح الماء NUWC، قسم نيوپورت في ولاية رود آيلاند، وهو المركز الرائد لدى البحرية الأمريكية الذي يتحرى موضوع نظم التكهف الفائق]: «بالنظر إلى قلة عدد المنظومات التي أنشئت حتى الآن، فإننا مازلنا من عدة وجوه في مرحلة مماثلة للمرحلة التي كانت عليها الطائرة بعد أن تمكن «الأخوان رايت» Wright brothers من التحليق أول مرة، إلا أننا خلافًا لما كان عليه الحال حينذاك، نعلم الآن أكثر منهما عن الفيزياء والتقانة المرتبطتين بالموضوع.»
 أساسيات التكهف الفائق(**)
يتطلب دفعُ جسم ما في الماء جهدًا ملحوظًا، وهذا ما يلمسه كل سبّاح. ويزداد الأمر صعوبة كلما حاولنا الانطلاق بسرعة أكبر لأن الاحتكاك بالسطح يزداد بازدياد السرعة. كما أن السباحة تحت الماء تماما تغدو أكثر صعوبة؛ لأن الماء يولد مقاومة سحب drag resistance تزيد 1000 مرة على قوة السَّحب التي يولدها الهواء للأجسام التي تتحرك فيه.
لذلك يجهد مهندسو البحرية في معالجة هذه المسائل المعروفة منذ القدم عن طريق تصميم هياكل انسيابية لتخفيض قوة السحب الاحتكاكي للماء، وتزويد السفن بمحركات ذات قدرة عالية لشق طريقها عبر الأمواج. ومن ثم فقد يفاجؤون إذا علموا أن العلماء والمهندسين اكتشفوا أسلوبًا آخر للتغلب على قوة السحب اللزج يمكنهم من شق الطريق في الماء بسرعات عالية. وتكمن الفكرة عمومًا في تخفيض مساحة السطح المبلل من الجسم المتحرك في الماء، عن طريق إحاطته بفقاعة غازية منخفضة الكثافة.
 أسلحة سريعة تحت سطح البحر(***)
▪ تقوم القوى البحرية العظمى في العالم بتطوير ترسانات مبتكرة من أسلحة ووسائط تحرك سريع تحت الماء تعتمد على ظاهرة التكهف الفائق، التي تخفض من قوة السحب الهدرودينامية، عن طريق التحرك داخل فقاقيع من بخار الماء والغاز تولدها ذاتيا.
▪ قام سلاح البحرية الروسي بنشر طوربيد يعمل بوقود صاروخي وفق ظاهرة التكهف الفائق، يعرف باسم شكڤال Shkval (أي العاصفة)، يقال إنه يسير تحت الماء بسرعة 230 ميلاً في الساعة. وتطمح روسيا ـ التي تعاني ماليًّا ـ إلى بيع طراز مطور من هذا الطوربيد إلى دول أخرى. وقد ابتاعت فرنسا والصين وإيران عددا من طوربيدات شكڤال حتى الآن.
▪ تشتمل قائمة الأسلحة البحرية التي تعمل وفق ظاهرة التكهف الفائق على قذائف تحت مائية قصيرة المدى لتدمير الألغام البحرية والطوربيدات المعادية القادمة، كما تشمل الطوربيدات العالية السرعة والقذائف الضخمة تحت المائية القادرة على تدمير مجموعة كاملة من القطع البحرية. وتضم أيضًا القطع البحرية الصغيرة الفائقة السرعة، بل وربما الغواصات التي تعمل بنظام التكهف الفائق. ودُرست كذلك إمكانية تطوير طوربيدات استراتيجية متعددة المراحل وبعيدة المدى تحمل رؤوسًا نووية قادرة على تحدي دفاعات «حرب النجوم.»

«عندما يتحرك سائل بسرعة حول جسم ما، ينخفض الضغط في تدفق السائل، ولا سيما عند نهايات الجسم»، كما يؤكد ذلك <P .M. تولين> [الذي يشغل منصب مدير مختبر هندسة المحيطات في جامعة كاليفورنيا بسانتا باربرا] وهو رائد في نظرية تدفقات التكهف الفائق. ويضيف إنه «بازدياد السرعة يبلغ الضغط في التدفق نقطة يتساوى فيها مع ضغط بخار الماء، وعندئذ يخضع السائل إلى تحوُّلٍ طوريّ ويتحول إلى غاز، أي بخار ماء.» وبعبارة أخرى فإن عدم وجود الضغط الكافي لإحداث تماسك جزيئات الماء معا يجعل هذه الجزيئات تتفكك إلى غاز.
 مبدأ عمل التكهف الفائق(****)
إن تدفق الماء بسرعة حول جسم ما يخفض الضغط الواقع عليه. فإذا تجاوزت سرعة الجسم 50 مترًا في الثانية انخفض الضغط إلى حد يحول الماء إلى بخار، فتتولد فقاعة غازية خلف الجسم، وهكذا تنشأ ظاهرة التكهف cavitation. فإذا أحاطت الفقاعة بالجسم إحاطة السوار بالمعصم قلنا إننا بصدد ظاهرة تكهف فائق supercavitation. تولد الأجسام الرفيعة المتناظرة محوريًّا، من أمثال الطوربيد الروسي شكڤال العالي السرعة [الصورة العليا]، كهوفًا فائقة طويلة إهليلجية الشكل. تبين الصورة في المنتصف رقاقة في نفق مائي في جامعة گرينوبل بفرنسا، وفيها يولد التدفق السريع للسائل (من جهة اليمين) ظاهرة تكهف فائق تعلو سطح الرقاقة. تُظهر المحاكاة الحاسوبية لدينامية السوائل [الصورة السفلى]، التي أجريت في المختبرات APL بجامعة ولاية پنسلڤانيا، تكهفأ جزئيًّا ناشئًا عن تدفق فوق مقدمة جسم غير حاد، كما تظهر ما يسميه الاختصاصيون بظواهر تناثر الفجوات cavity shedding. [يبدو السائل هنا بلون أحمر، والبخار بلون أزرق].

نموذج محاكاة حاسوبية لظاهرة التكهف الجزئي(*****)

يقول تولين: «في ظروف معينة، ولا سيما عند الحافات الحادة، يمكن أن يشتمل التدفق على تكهفات ذات ضغط ثابت تقريبًا، مملوءة ببخار الماء تجرّ وراءها الهواء. وهذا ما نطلق عليه اسم التكهف الطبيعي natural cavitation. ويتخذ التكهف الشكل الضروري للحفاظ على شروط الضغط الثابت عند حدوده، وهي الحدود التي ترتبط وتتحدد تمامًا بالجسم الذي يولدها، إضافة إلى ضغط التكهف وقوة الثقالة.» ويحاول مهندسو البحرية تجنب حدوث التكهف لأن وجوده يمكن أن يولَّد اضطرابًا في تدفق الماء فيؤدي إلى تخفيض فاعلية المضخات والتوربينات (العنفات) وسطوح الانسياب المائي hydrofoils والدواسر propellers. وقد يؤدي أيضًا إلى حدوث موجات صدم عنيفة (ناجمة عن سرعة انهيار الفقاقيع) تتسبب في تنقر السطوح المعدنية وتآكلها.
ليس التكهّف الفائق إلا ضربًا متطرفًا من التكهف، وفيه تتشكل فقاعة واحدة تغلِّف الجسم المتحرك بأكمله تقريبا. فإذا تجاوزت سرعة الجسم في الماء نحو 50 مترًا في الثانية تقوم مولِّدات التكهف الكليلة المقدِّمة blunt-nosed cavitators ومنظومات حقن الغاز الأمامية prow-mounted gas-injection systems بتوليد هذه الجيوب الغازية المنخفضة الكثافة (التي يطلق عليها الاختصاصيون اسم التكهّفات الفائقة). وفي الأجسام الانسيابية النحيفة المتناظرة محوريًّا يأخذ التكهف الفائق شكل مجسم إهليلجي متطاول يبدأ من مقدمة الجسم المتحرك وينتهي في مؤخرته، ويتوقف طوله على سرعة الجسم في الماء.
لا تلبث التكهّفات الإهليلجية الناجمة أن تنغلق بفعل ضغط الماء المحيط بها، ويسود المنطقة التي يحدث فيها ذلك تدفقات معقدة وغير مستقرة. وتنشأ معظم الصعوبات في إعداد النماذج الرياضياتية لتدفقات التكهف الفائق عندما ننظر فيما يطلق عليه «تولين» اسم «اللخبطة التي يخلفها التكهّف»، وهي المنطقة المعروفة باسم منطقة انهيار التكهّف أو انغلاقه. وواقع الأمر إن عوامل الضغط داخل الكهوف الغازية ليست ثابتة، وهذا يؤدي ـ كما يقول تولين ـ إلى حدوث الكثير من مشكلات التحليل.
ومهما تعدَّدت نمذجة التدفقات عندما لا يمس الماء سوى مولِّد التكهف، فإن الأجسام التي يرافق حركتَها التكهفُ الفائق يمكنها أن تنزلق بسرعة فائقة ضمن فقاقيع الغاز المتطاولة، وبقوة سحب دنيا.

مقطع في الطوربيد الروسي شكڤال. يُعتقد أن هذا الطوربيد مجهز بقرص مسطَّح يتقدم التكهف ويتوضع في مقدمة الطوربيد، وذلك لتوليد التكهف الجزئي الذي يتوسع إلى تكهف فائق بفضل غازات تُحقن من فتحات في المقدمة. تستخدم صواريخ إقلاع عند انطلاق الطوربيد إلى أن تتكون فجوة، ومن ثم يقوم صاروخ مركزي بتوليد الدفع اللازم للطوربيد.
 جهود الولايات المتحدة في التكهف الفائق(******)
مع أن بحوث التكهف الفائق في الولايات المتحدة الأمريكية تركزت في الخمسينات من القرن العشرين على تطوير الدواسر العالية السرعة وسطوح الانسياب المائية، فقد آثرت البحرية الأمريكية فيما بعد الاهتمام بتقانات تحت مائية أخرى، ولا سيما تلك المتعلقة بعمليات التسلل والتخفي بدلا من قدرات التحرك بسرعة عالية. ونتيجة لهذا يقول الخبراء إن القوى البحرية الأمريكية لا تمتلك حاليًا أسلحة التكهف الفائق، وهي تسعى جاهدة للحاق بسلاح البحرية الروسي.
 تتولى إدارةَ بحوث أسلحة التكهّف الفائق في الولايات المتحدة دائرةُ البحوث البحرية (ONR) ومقرها مدينة أرلنگتون بولاية ڤرجينيا. وينحصر اهتمام هذه الدائرة في تطوير مجموعتين من الأسلحة التي تعتمد تقانات التكهف الفائق هما القذائف والطوربيدات.

مولدات التكهف
يمكن استخدام مقدمات تكهف مختلفة لتوليد ظاهرة التكهف الفائق - كالأقراص المسطحة، والمخاريط والصفائح والمخاريط المسننة (الشكلان الأعلى والأوسط) والسطوح المقعرة المضلعة ومولدات تكهف ذات مخاريط داخلية يمكنها التحرك للداخل والخارج (الشكل الأسفل) تماما كحركة طرف (رأس) قلم الحبر الجاف.
تتمثل الطائفة الأولى منهما بقذائف تُعرف اختصارًا باسم «راميكس» RAMICS (نظام إزالة ألغام سريع محمول جوا) ستجهز بها الحوامات قريبًا بهدف تدمير الألغام البحرية السطحية أو القريبة من السطح، وذلك بإطلاق قذائف التكهف الفائق عليها. إن القذائف من هذا النوع هي من عيار 20 مليمترًا وهي ذات مقدمة منبسطة ومصممة للتحرك في الهواء وفي الماء بحركة مستقرة وتطلق من مدفع إطلاق سريع معدل ومجهز بنظام تسديد متطور. (من المتوقع تطوير هذا النوع من قذائف راميكس ليغدو من عيار 30 مليمترًا.) يذكر أن المقاول الرئيسي للتزويد بقذائف راميكس هو الشركة Raytheon Naval & Maritime Integrated Systems ومقرها مدينة پورتسموث بولاية رود آيلاند، في حين قام مهندسو الشركة C Tech Defense Corporation في پورت أنجيلوس بولاية واشنطن بتطوير هذه القذائف [انظر المؤطر في الصفحة 58]. كذلك تدرس البحرية الأمريكية حاليًا إمكان نشر نظام راميكس سطحي قصير المدى محمول على متن السفن، قادر على تدمير الطوربيدات المتعقبة لأثر المَخر(1) wake-following torpedoes، البالغة الخطورة.
 آثرت القوى البحرية الأمريكية الاهتمام بقضايا التسلل والتخفي بدلا من تطوير قدرات السرعة العالية. وبسبب افتقارها إلى أسلحة التكهف الفائق فإنها تحاول اللحاق بالقوى البحرية الروسية.
تكمن الخطوة التالية في تقانة قذائف التكهف الفائق في بناء نظام إطلاق تحت سطحي كامل يستخدم ذخيرة تحت مائية عالية السرعة وقابلة للتكيف Adaptable High-Speed Undersea Munitions (اختصارا AHSUM). يمكن أن تأخذ هذه الذخيرة شكل طلقات تكهف فائق قادرة على شل حركة الأهداف المعادية، وتطلق من مدافع مركَّبة على أبراج انسيابية تجهز بها هياكل الغواصات أو القطع البحرية الطافية على السطح، أو المزالج sleds المقطورة المضادة للألغام البحرية. ويؤمل أن يكون النظام AHSUM الموجّه بالسونار، المكافئ تحت المائي لنظام أسلحة فالانكس Phalanx الذي تستعمله البحرية الأمريكية، وهو مدفع راداري التحكم، وسريع الطلقات، ويستخدم لحماية القطع البحرية السطحية من القذائف الطوّافة cruise missiles المهاجمة.
 أما الصنف الثاني من أسلحة تقانة التكهّف الفائق الذي تهتم به دائرة بحوث البحرية ONR، فهو طوربيد تبلغ سرعته العظمى 200 عقدة. لكن ثمة عقبات تقنية جمة تعترض طريق الوصول إلى نموذج الطوربيد المرغوب، ولا سيما في الأمور المتصلة بالإطلاق وديناميكا السوائل والصوتيات والتوجيه والتحكم والدفع وغير ذلك كثير، وفقًا لما ذكره <K. نگ> [مدير برنامج ONR]. ويقوم مركز أبحاث البحرية NUWC في نيوپورت بإجراء البحوث التطبيقية إضافة إلى بعض البحوث الأساسية. ويدعم هذه البحوث مختبر البحوث التطبيقية بجامعة ولاية پنسلڤانيا (ARL/Penn State) وكذلك جامعة فلوريدا والشركتان Anteon و Lockheed Martin.
وفيما يتصل بديناميكا السوائل الحاسوبية CFD المتعلقة بالطوربيد، والعمل الذي ينجز حاليًا بشأنها في المختبر ARL/Penn State، يقول نگ: «إننا نحاول محاكاة الظروف التي سيعمل فيها الطوربيد، وتسمى نظام التدفق بطورين، حيث يوجد ماء وغاز معًا، ونريد أن نعرف دور الماء، وشكل التجويف الغازي، وكيفية التأكد من أن التجويف الغازي يحيط بالجسم في جميع الأوقات. ويجدر بنا هنا أن نتذكر أنه ما إن يتصدع التجويف حتى تزداد مساحة السطح المبلل وتنخفض السرعة على نحو سريع جدًّا.»

نموذج أولي لأحد الأسلحة: يمكن لطوربيد التكهف الفائق المستقبلي القائم على مفاهيم التصميم لدى البحرية الأمريكية
 أن يشتمل على العديد من التقانات المبتكرة لوسائط التكهف وتقانات التحسس والتحكم والدفع.

ويتابع نگ قائلاًَ: «لقد أنجز المختبر ARL عملاً لا بأس به حتى الآن فيما يتعلق بديناميكا السوائل الحاسوبية، لكن ما أُنجز لم يرق إلى المستوى الذي يرضينا. إن الأمر يتضمن قضايا حسابية ومزيدًا من الإدراك الأساسي لفيزيائية ما يحدث. فالسائل الذي نحن بصدده ليس سائلاً نيوتونيًّا، إنه أعقد بكثير من تدفق وحيد الطور.»

لمحة عن طوربيد تكهّف فائق(*******)
يُعدُّ الطوربيد الروسي تحت المائي Shkval نموذجًا عمليًّا مثاليًّا لسلاح تكهّف فائق، إذ إنه يوضح الأجزاء الرئيسية لتصميم من الجيل الأول. ويشاع أن طول الطوربيد يبلغ 27 قدمًا وأن وزنه 5940 پاوندا. إنه بذلك «قذيفة ضخمة مجهزة بصاروخ في مؤخرتها»، كما يقول على سبيل الدعابة <N .Y. ساڤشينكو>، [الذي يقود فريق البحث في المعهد الأوكراني للهدروديناميك في كييڤ، حيث جرى للمرة الأولى تطوير معظم أساسيات تقانة الأسلحة فائقة التكهّف].
يتكون السلاح عمومًا من جسم أسطواني ضخم يضم محركًا صاروخيًّا يعمل بالوقود الصلب يستدق انسيابيًّا إلى مخروط يحيط بالرأس الحربي. وتبرز الفتحة العريضة لفوّهة الصاروخ من مركز نهايته الخلفية محاطة بثماني أسطوانات صغيرة يقال إنها تعمل عمل صواريخ إقلاع صغيرة. وتسمح هذه الأخيرة لطوربيد شكڤال ببلوغ سرعة تؤدي إلى التكهّف الفائق، ومن ثم يبدأ المحرك الرئيسي بالعمل. ويظن أن الطوربيد يحتضن بين اثنتين من فوّهات محرك الإقلاع بَكَرة سلك توجيه تنحل عند انطلاق الطوربيد باتجاه هدفه في الماء. ويسمح السلك المعلق هذا للعاملين في الغواصة بالتحكم في عمل السلاح وتفجير رأسه الحربي.
أما في مقدمة الطوربيد فالأمور هنا مجرد تخمين؛ إذ يعتقد الخبراء أن مقدمة الطوربيد تتخذ في الغالب شكل قرص مسطح ذي مظهر دائري أو ربما إهليلجي، وهذا هو مولد التكهّف الأكثر أهمية، الذي يولد الفجوة الغازية التي يتحرك ضمنها الطوربيد. ويمال القرص نحو الأمام عند ذروته، الأمر الذي يوفر «زاوية هجوم» لتأمين قوة الرفع المطلوبة لدعم مقدمة الطوربيد. ولا بد من أن تكون حافة مولِّد التكهف هذا حادة كي يكون اضطراب الغاز عند الحدود مع الماء في حدِّه الأدنى، وهذا ما يؤكده خبراء الهدروديناميك، ويطلقون على ما يحدث اسم التكهف «الزجاجي». ويتوضع خلف مولد التكهف مباشرة عدة قنوات تهوية تمر عبرها غازات العادم والبخار إلى داخل فقاعة التكهف لتزيد في حجمها. وعند نحو ثلثي المسافة رجوعًا من مقدمة الطوربيد ثمة أربع أسطوانات نابضية spring-out cylinders مائلة باتجاه مؤخرته. ومع أن هذه الأسطوانات الأربع تشبه الزعانف إلى حد ما، فإن هذه المزالج النابضية التوتر spring-tensioned skids من شأنها أن تدعم مؤخرة الطوربيد بأن تسمح له بالارتداد عن السطح الداخلي للتكهف. ويعتقد الخبراء الغربيون أن الطوربيد شكڤال «يتقدم» precesses ببطء حول محيط التكهف بحيث يرتد مرارًا عن جداره إبان شقه طريقه إلى الهدف في الماء.

المدافع تحت المائية:
يقوم سلاح البحرية الأمريكي بتطوير قاذفات تحت مائية تجهز بها أبراج مدافع دوارة تتوضَّع تحت سطح الماء لإطلاق قذائف تشل الألغام البحرية والعوائق والمركبات السطحية والطوربيدات المهاجمة، بل وحتى الطائرات والحوامات على ارتفاع منخفض.
يُعد طوربيد شكڤال سلاحًا لم يكتمل تطوره بعد، إذ لا يمكنه الانطلاق إلا وفق خط مستقيم، ولا بد للطوربيدات المستقبلية من أن تصمم بحيث يمكنها المناورة في الماء. وبالطبع يمكن توجيه الطوربيد باستخدام سطوح توجيه تخترق التكهف، من مثل الزعانف ومنظومات توجيه الدفع thrust-vectoring systems، وهي مجرد فتحات توجيه لنفثات العادم. ولا بد هنا من اتخاذ جميع الإجراءات الممكنة للإبقاء على الطوربيد ضمن التكهّف أثناء الانعطافات، إذ إن خروجه منه يجعله يرتطم بجدار الماء المحدق به، ومن ثم تحطمه  تمامًا «كما تتحطم علبة شراب بارد تعرضت للضغط»، وذلك ما يؤكده <I. كيرشنر>، وهو مهندس يعمل في مركز أنتيون للتقانة الهندسية بمدينة ميستيك في ولاية كونِّتيكت.
ويضيف كيرشنر: «يمكن أيضا تحقيق مناورات خَطَران وتمايل رأسي pitch and yaw ثلاثية الأبعاد عن طريق تدوير مولد تكهف المقدمة في مستويين بآن واحد، مع أن وسيلة كهذه قد تكون أكثر تعقيدًا.» كذلك درس الباحثون إمكانية استخدام «كنارات»(2) دفع نحو الأمام لهذه الغاية.
البحوث الدولية في التكهف الفائق(********)
روسيا: على الرغم من سبق روسيا العالَم في تقانة أسلحة التكهف الفائق واتساع نشاطها في هذا المجال، فإن الغموض يكتنف مقدار التقدم الذي حققه هذا البلد في الأعوام الأخيرة. ويقال إن برنامجًا سريًّا مهمًّا يتمحور حول أسلحة التكهف الفائق ينفذ حاليا في معهد الإيروهدروديناميك المركزي في زوكوڤسكي، الذي يُعتقد أن معظم الأعمال الهندسية المتصلة بطوربيد شكڤال جرت فيه. ويعتقد الخبراء الغربيون أن الباحثين الروس كانوا السباقين في بلوغ سرعات فوق صوتية في الماء لأجسام مغمورة فيه بصورة كاملة. ويقول البعض إن خبراء المعهد المركزي المذكور يبحثون في إمكان تطوير غواصات تكهف فائق كذلك.
أوكرانيا: لقد جاءت معظم التقانات الأساسية التي يقوم عليها طوربيد شكڤال من المعهد الأوكراني للهدروميكانيك في كييڤ، الذي كان يديره إبان عهد الاتحاد السوڤييتي الأكاديمي <G. لوڤينوڤيتش> وهو أحد رواد نظرية التكهف الفائق. ويضم هذا المعهد نظام اختبار متطورا يعتمد على حوض مائي معقد تُحمل فيه نماذج الأجسام على أسلاك وتقذف بدفع نفثي عبر الماء ومن ثم تراقب عن كثب. ويقوم الباحثون في هذا المعهد، الذين عُرف عنهم المهارة في المعالجة الرياضياتية شبه التحليلية وفي الاختبارات التجريبية، بتبادل المعلومات حول تقانة التكهف الفائق مع نظرائهم الأمريكيين وذلك منذ انهيار الاتحاد السوڤييتي.
فرنسا: قامت فرنسا في السنوات العشر الأخيرة بدعم برنامج لتحري ظاهرة التكهف الفائق، وذلك بإشراف مديرية الدراسات والبحوث والتقنيات [DRET]. وتشير تقارير موثوقة إلى أن الحكومة تتتبع قضايا تسعى بقوة ـ وفي سرية ـ إلى اقتناء أسلحة فائقة التكهف، فمثلاً يقال إن فرنسا قامت بشراء عدة طوربيدات من طراز شكڤال من الروس لأغراض التقييم، كذلك تُجرى اختبارات على نماذج أولية لقذائف تكهف فائق تُطلق من الجو ضد الألغام وذلك في معهد أبحاث سانت لويس الفرنسي-الألماني.
ألمانيا: يتعاون المكتب الألماني الفدرالي لتقانات الدفاع والتزويد في كوبلنتز مع باحثين من سلاح البحرية الأمريكي لتطوير تصاميم جديدة لوسائط التكهف، وكذلك لإعداد نماذج لنظم توجيه الطوربيدات. ولقد أنجز فريق العمل حتى الآن نموذجًا أوليًّا مطورًا لطوربيد تكهف فائق يُتوقع أن يُجرى اختبار أدائه في الولايات المتحدة الأمريكية قريبًا.

تعطيل الألغام(*********)
ما من أحد منا إلا وشاهد أبطال السينما وهم يتحاشون سيل الطلقات الموجهة إليهم عن طريق الغطس عدة أقدام تحت الماء، إذ ترتد الطلقات وتتبدد طاقتها بسرعة مدهشة بسبب قوى السحب والقوى الهدروديناميكية الجانبية التي تخضع لها حينذاك.
وعندما طُلب إلى دائرة البحوث البحرية ONR إيجاد وسيلة مجدية اقتصاديًّا لإبطال مفعول الألغام السطحية التي لا تتجاوز قيمتها ألف دولار بحيث تحول دون تدمير السفن التي تتجاوز قيمتها ملايين الدولارات، لجأت إلى استخدام قذائف التكهف الفائق. وكان أن طُوِّر نظام راميكس RAMICS ـ النظام السريع المحمول جوًّا لإزالة الألغام، لصالح سلاح البحرية الأمريكي وقام بتطويره فريق بقيادة الشركة Raytheon Naval & Maritime Integrated Systems في پورتسموث بولاية رود آيلاند. يحدِّد النظام المحمول على حوامة موقع اللغم البحري تحت سطح الماء بفضل نظام كشف ضوئي وتحديد مدى، ويحسب موقعه بالضبط مع الأخذ بالحسبان انكسار الضوء بفعل الماء، ثم يطلق طلقات تكهف فائق على اللغم، فتقطع الطريق في الهواء والماء بثبات متجهة إلى هدفها. وتحمل هذه القذائف الخاصة شحنات متفجرة تؤدي إلى إشعال المتفجرات التي يحويها اللغم.

قذيفة مضادة للألغام:
لا بد لقذائف التكهف الفائق المضادة للألغام والتي تُطلق من فوق سطح المحيط، أن تشق طريقها بثبات عبر الهواء والماء نحو هدفها، وهو أمر يصعب تحقيقه من الناحية الهندسية. وطلقة RAMICS (التي يُرى جزء منها فقط) هي طلقة من هذا القبيل من تطوير الشركة C Tech Defense Corporation.

يقول المهندس كوكلنسكي من المركز NUWC إن مركبات التكهف الفائق يمكن أن تكون خفيفة سريعة الحركة لو أُحْسن تنسيق سطوح التحكم فيها. وتكمن الفكرة هنا في حَرْف التكهّف إلى أحد الجانبين بهدف توليد القوى الجانبية المرغوبة مع مولد تكهف ذي مقدمة متمفصلة أو مع سطوح تحكم، ومن ثم توجيه جسم المركبة ضمنه. فإذا عملت نظم التحكم في مقدمة السلاح ومؤخرته على اتفاق في الطور بحيث «تجاري مؤخرة السلاح ما تقوم به مقدمته، أمكن الوصول إلى انعطافات سريعة جدًّا.»
ويمكننا اقتراح حل جزئي لمشكلة التحكم عن طريق تركيب حلقة تحكم في التغذية الراجعة feedback control loop موثوقة وفي الزمن الحقيقي، تتماشى مع ظروف التكهف في مؤخرة السلاح، وتُقدم الاستجابة المناسبة للتغيرات المقيسة. ولما كانت نظم التكهف الفائق تنطلق دون أي وسيلة داعمة ضمن فقاقيع غازية منخفضة الكثافة، فإن الجزء الخلفي منها غالبًا ما يرتد على الجدار الداخلي للتكهف. ويطلق الاختصاصيون على هذه الظاهرة اسم «صفع الذيل» tail slap، وهو ما يشاهد عادة في اختبارات التصوير البالغ السرعة لأجسام التكهف الفائق. وقد قامت دائرة الأبحاث البحرية ONR بتطوير مجسّ sensor لتحسس صفعات الذيل، وهو نظام مراقبة يعتمد مكونات إلكتروميكانيكية ميكروية تسمح بتعقب حالات تماس مؤخرة الجسم بالتكهف.

ثمة نقطة مهمة تتعلق بمركبات التكهف الفائق المستقبلية، وهي أن انتقالات الأجسام تحت الماء من الطور الطبيعي للحركة إلى طور  التكهف الفائق والخروج منه يمكن تحقيقها عن طريق تهوية اصطناعية جزئية للتكهف، وذلك بهدف الحفاظ على التكهف أو توليد توسع فيه أثناء تحولات السرعة. وهكذا يمكن «نفخ» تكهف طبيعي صغير متشكل في مقدمة الجسم (عند سرعات منخفضة) ليغدو أكبر حجمًا بحيث يغلف كامل الجسم المتحرك. بالمقابل يمكن تخفيف مناورات الكبح بوساطة توسيع الفقاعة عن طريق حقنها بغازات، ومن ثم تخفيض حجمها ببطء، الأمر الذي يخفف من سرعة الجسم.
بالنظر إلى عدم وجود إجراءات مضادة معروفة لهذا النوع من
السلاح، فإن نشره سيكون له تأثير كبير في العمليات البحرية مستقبلا.
نظم الدفع المتطورة(**********)
تعتمد معظم تجهيزات التكهف الفائق المستقلة ذاتيا الحالية والمتوقعة على محركات صاروخية لتوليد الدفع اللازم لها. بيد أن صواريخ الدفع التقليدية لا تخلو من بعض المساوئ المهمة، فهي ذات مدى محدود، كما أن قوة الدفع التي تقدمها تتناقص بازدياد الضغط تحت سطح الماء مع ازدياد العمق. وتجري معالجة المشكلة الأولى باستخدام تقانة جديدة لتوليد الطاقة العالية الكثافة، ويمكن التغلب على المشكلة الأخرى باستخدام تقانة الداسر اللولبي ذي التكهف الفائق.
يقول الباحث ساڤشينكو: «يتطلب بلوغُ جسمٍ سرعةَ حد التكهف الفائق طاقةً هائلة. ولبلوغ المدى الأقصى باستخدام الصواريخ، عليك أن تحرق وقودًا ذا كثافة طاقية عالية، وذلك لتوفير الدفع النوعي الأقصى.» ويقدِّر الباحث المذكور أن محركًا صاروخيا مثاليا يعمل بالوقود الصلب يمكنه أن يحقق مدى أعظم يبلغ عدة عشرات الكيلومترات، وسرعة عظمى ربما تبلغ 200 متر في الثانية. وبدراسة نظم دفع تعتمد على محركات الديزل والمحركات الكهربائية ومحطات الطاقة النووية ومحركات الديزل السريعة والتوربينات الغازية، استنتج ساڤشينكو «أن التوربينات الغازية ذات المردود العالي، ونظم الدفع النفاث التي تستهلك وقودًا معدنيًّا (كالألمنيوم أو المنگنيز أو الليثيوم) وتستخدم ماء محمولاً على متن الجسم ليعمل كمؤكسد للوقود وكمبرد لنواتج الاحتراق، هي وحدها التي تمتلك الإمكانات الحقيقية لدفع وسائط التكهف الفائق لتبلغ سرعتها العالية.»

الطلقة فوق الصوتية: في عام 1997 عرض فريق من الباحثين من المركز NUWC عملية إطلاق قذيفة فوق
صوتية تحت الماء كليا، بسرعة انطلاق تبلغ 1549 مترًا في الثانية، وهي سرعة تفوق سرعة الصوت في الماء.

يعد الألمنيوم، وهو مادة رخيصة الثمن نسبيًّا، أكثر المعادن التي ذكرناها توليدًا للطاقة، فهو يولد حرارة تفاعل تبلغ 10600 درجة سيلزية «وبالإمكان تسريع التفاعل عن طريق تمييع المعدن (بصهره) واستخدام بخار الماء»، كما يشير إلى ذلك ساڤشينكو. ففي تصميم مقترح لمحطة لتوليد الطاقة، تُستخدم الحرارةُ المتولدة في حجرة الاحتراق لصهر صفائح الألمنيوم عند الدرجة 675 سيلزية، ولتبخير ماء البحر في الوقت ذاته. ومن ثم تدير نواتج الاحتراق دواسر توربينية الدفع.

جرى تطوير نظام من هذا القبيل في روسيا، وفقا لما تذكره وسائط الإعلام هناك. وللولايات المتحدة الأمريكية خبرة في هذا المجال كذلك؛ فالباحثون في مختبر البحوث التطبيقية في جامعة ولاية پنسلڤانيا يعملون حاليًا على نظام يحرق الألمنيوم لتوليد نفاث تضاغطي مائي water ramjet، وهو نظام تم تطويره كمصدر طاقة إضافي للقطع البحرية الطافية.
وفي التصميم الأمريكي المبتكر، يُدخل مسحوق الألمنيوم في دوّامة من ماء البحر تحدث ضمن ما يسمّى غرفة الاحتراق الدوامي vortex combustor فتتحاك الجسيمات ممتزجة بفعل الدوران السريع، وساحقة غشاء أكسيد الألمنيوم الخامل الذي يغطيها، وينجم عن ذلك تفاعل شديد مُصَدِّر (ناشر) للحرارة exothermic لدى تأكسد الألمنيوم. ويقوم البخار العالي الضغط الناجم عن عملية الاحتراق هذه بتوسيع فوهة صاروخ أو تشغيل توربين يدير محورًا لولبيًّا دافعًا.
لقد دلت التجارب على أن الدواسر اللولبية تمتلك قدرة كامنة لتوليد دفع يزيد بنسبة 20% على دفع الصواريخ، على الرغم من أنه يمكن ـ نظريًّا ـ مضاعفة الدفع بفضل الدواسر اللولبية، كما يقول ساڤشينكو؛ وهو يضيف إن اختبارات علمية قد أجريت على تصاميم نظام دفع الدواسر بتوربين ذي داسر متكهف وحيد، أو نظام ذي داسرين دوارين باتجاهين متعاكسين، يحدق بالسطح الخارجي للمركبة بحيث يمكنهما بلوغ حد الماء والغاز. على أنه يؤكد أنه مازال أمامنا الكثير من العمل حول التآثر بين الدواسر والتكهف، قبل تحقيق تقدم حقيقي في هذا المضمار.

القذائف تحت المائية: تفكر البحرية الأمريكية في تصميم أسلحة تكهف فائق ذات مدى أبعد وحجم أكبر. يظهر في اليسار «سلاح فك اشتباك متوسط المدى غير موجَّه» في حين يظهر في اليمين «سلاح وقائي موجَّه بعيد المدى.»
مخاوف مستقبلية(***********)
نشير إلى أنه بصرف النظر عما تخفيه السنوات القادمة لأسلحة التكهف الفائق فإن هذا النوع من السلاح أقض مضاجع الأوساط العسكرية والاستخباراتية في العالم أجمع، إذ يبدو أنه حثها بالفعل على إعادة النظر في استراتيجياتها البحرية.
وعلى سبيل المثال، فلدى انتشار نبأ طوربيد شكڤال، ثار جدال حول الغاية من هذا السلاح. وقالت بعض مراكز الاستخبارات الغربية، إن طوربيد شكڤال طور ليسمح للغواصات السوڤييتية ذات التقانة المتدنية، والمجهزة بمحركات ديزل عالية الضجيج بالرد إذا ما هوجمت فجأة من الغواصات الأمريكية ذات الضجيج المنخفض جدا القابعة قريبا منها، إذ إن سماع الدواسر اللولبية لطوربيد تقليدي قادم قد يؤدي إلى إطلاق طوربيد شكڤال لإجبار الطوربيد المهاجم على الهرب، وهو ما قد يؤدي إلى قطع سلك توجيهه. وهم يقولون بأن طوربيد شكڤال هو سلاح قاتل للغواصات، خاصة إذا جهز برأس نووي حربي تكتيكي.
 وتدعي مصادر مطّلعة أخرى بأن الصاروخ هو في الحقيقة سلاح هجومي مصمم لتفجير عبوة نووية ذات قدرة تدميرية أعلى في مجموعة حاملات، ومن ثم القضاء على أسطول حربي بأكمله. وإذا ما نشبت حرب نووية فيمكن توجيه السلاح نحو ميناء أو نحو هدف ساحلي.
 يقول <D. ميلر> في عدد الشهر 4/1995 في مقال بعنوان «التكهف الفائق: المضي إلى المعركة في فقاعة» نشر في المجلة Jane's Intelligence Review: «بالنظر إلى عدم وجود إجراءات مضادة معروفة لهذا النوع من الأسلحة، فإن استعماله سيكون ذا تأثير كبير في العمليات الحربية البحرية المستقبلية، سواء كانت هذه العمليات تجري فوق سطح الماء أو تحته، كما يمكنه أن يضع القوى البحرية الغربية في مأزق حقيقي.»
 في السنوات الأخيرة عرضت روسيا ـ التي تشكو ضائقة مالية ـ طوربيد شكڤال للبيع علنا في معرضين دوليين للأسلحة أقيما في أبو ظبي وأثينا، وهو تطور أزعج البنتاگون بدرجة كبيرة. وأشارت مصادر موثوقة إلى أن عددًا من طوربيدات شكڤال بيعت إلى إيران، على سبيل المثال.
 ومن الأمور المزعجة كذلك تقرير نُشر في الشهر 8/1998 مفاده أن الصين ابتاعت نحو 40 طوربيد شكڤال من كازاخستان، الأمر الذي يزيد من إمكانية تهديد بكين للقوى البحرية الأمريكية في أي مواجهة حربية مستقبلية في مضيق تايوان. ثم إن أخبارا مصدرها الصين (يقال إن مصادر البحرية الأمريكية أكدتها)، تقول بأن ضابطًا صينيًّا يعمل في سلاح الغواصات كان على متن الغواصة المنكوبة كورسك، زادت من مخاوف الأمريكيين، فهم يقولون بأنه كان هناك ليشهد اختبارًا لطراز جديد من طوربيد شكڤال.
 وقد تلقت أجهزة الاستخبارات الأمريكية عدة مؤشرات على أن الروس يعملون على تطوير طوربيد شكڤال أطول مدى بكثير. وعلى سبيل المثال، أشارت وكالة أنباء أيتار-تاس الروسية في الشهر 2/1998 إلى أن الأسطول الروسي في المحيط الهادئ سوف يجري في ربيع 1998 اختبارات على نموذج أكثر حداثة من طوربيد شكڤال.
 إن مأساة الغواصة الروسية كورسك وخبر محاكمة پوپ، والغموض الذي اكتنف هذين الحدثين، يؤكدان أن انتهاء الحرب الباردة لم يضع حدا للتنافس السري في مجال الأسلحة لتأمين مكاسب في أي صدام مستقبلي محتمل. ومن الواضح أن الفورة السرية حول طوربيد شكڤال لاتزال محتدمة.

 عن مجلة العلوم الأمريكية
مراجع للاستزادة 
More Stories, Photographs and Images: www.sciam.cam/2001/0501issue/0501ashley/
Other Sources:
Scientific American, May 2001
(*) Warp Drive Underwater
(**) Supercavitation Fundamentals
(***) Overview/Swift Subsea Weapons
(****) How Supercavitation Works
(*****) Computer Model of Partial Cavitation
(******) U.S. Supercavitation Efforts
(*******) Profile of a Supercavitating Torpedo
(********)International Supercavitation Research
(*********)Neutralizing Mines
(**********)Advanced Propulsion Systems
(***********) Fears for the Future

(1) المَخر: الأثر الذي تخلفه السفينة الجارية في الماء.
(2) الكنار canard مركبة تحريكية-هوائية تكون فيها سطوح التوجيه الأفقية الخاصة بالتحكم والضبط متصدرة بالنسبة إلى الجناح أو السطح الرافع الرئيسي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا وسهلا

رحـلات وجـولات ورسائل لا تنـتهى للعقـل والـروح وأحـيانا للجـسـد عــبر نـوافــذ الادراك المعـروفـة والمجهولة تتـخطـى المكان والـزمان تـخـوض بحـار العـلم و تـكشـف أسـرار المـعرفة حربـا علـى الظــلام والتحاقا بالنـور بحـثا عـن الخيــر والجـمـال ووصــولا الى الـحـق