الأقسام

الثلاثاء، 24 مايو 2011

وحدة الوجود وعلاقتها بالصوفية ....الحسين بن منصور الحلاج


وحدة الوجود وعلاقتها بالصوفية
عدنان الطائي
ان افكار الحسين بن منصور الحلاج في نظرية وحدة الوجود تجلت له في مخالفة الشيطان لامر الله تعالى ، فقد اراد الشيطان وهو المؤمن الموحد ان يجلب لنفسه العذاب حبا في الالوهية الثابتة التي لا مشاركة فيها

 ، وهذا يعني بانه ولد في الشيطان كبرياء العاشق الغيور الحاسد مما جعله ان يحدث ثنائيته في الوجود وغير راغب في ان يكون الثالث في هذه المشاركة .
من المعلوم ان لدى الصوفية ثالوث هو : الحب والمحب والمحبوب ، لان الحب ليس عددا زوجيا بل هو ثلاثة من واحد ، وهذا يعني الاندماج وهي وحدة الوجود ومن هذا المنطلق يمكن تلخيص موقف الحلاج من وحدة الوجود او ما يعنيه بـ(انا الله) ، حيث اراد ان يبقى مخلصا للشريعة الاسلامية والاطلاق في قبول الكمال لمشيئة الله تعالى خلاف ما اراد الشيطان الذي خدع نفسه ، فاصر على الوقوف موقف العاشق المهجور المنفرد ، مما سبب له خداعه هذا امتناع عن الامتثال الواضح والنهائي للامر الالهي . الا ان الحلاج لخص حبه لله بقوله :( الهي اذا تتودد الى من يؤذي بك ، فكيف لم تتودد الى من يؤذي فيك).وقوله ايضا: حسب الواجد افراد الواحد له .
لقد طرأت افكار جديدة في مسالة التصوف ووحدة الوجود على مر السنين قبل وبعد عصر الحلاج بدليل ما ذهب اليه الرصافي بكتابه الموسوم بـ(رسائل التعليقات) وهذا ملخصه :
ان التصوف فكرة فلسفية اسلامية محضة لم يعرفه احد الا محمد ولم يذكر منها لاصحابه الا ما لمح به لابي بكر . ولا علاقة لها بالزهد والعبادة ولا بالزهاد والعباد . وبذلك نعتهم بفلاسفة الاسلام الذين يؤمنون بان كل الموجودات وان اتصفت بالباطل فهي حق من حيث الوجود طبقا لقول الرسول (ص) : اصدق كلمة قالتها العرب كلمة لبيد (الا كل شيء ما خلا الله باطلا ) ان اهل وحدة الوجود يعطون للكائنات وجودا لايدركه الفناء ، لانهم يرون وجودها ووجود الله واحدا . فالوجود في رايهم واحد لا اثنان فيه ، وهو الله ذو الوجود الكلي المطلق اللانهائي . وان الكائنات عندهم سوى مظاهر لذلك الوجود الكلي وصور قائمة به كالامواج في البحر : فان الوجود في البحر واحد هو الماء وان الامواج ما هي الا سوى مظهر من مظاهر الماء وليس للامواج وجود غير وجود الماء . فلا ريب ان وجود الامواج حق لا وهم وانها غير قائمة بذاتها بل بالماء . وانطلاقا من هذا المفهوم يمكن للموجودات الجزئية ( الممكنات ) الاندماج بالوجود الكلي المطلق اللانهائي وهو الله وبهذا تتحقق السعادة المطلقة وهو النعيم فقط دون الشقاء لان هنا المعاني المتضادة تتساوى من حسن وقبيح ومن خير وشر وهدى وضلال ، بمعنى اخر لم يبق هناك للطاعة ولا للعصيان اثر ما وكلاهما سواء امام الله لان الله هو الذي يسمى المضل كما هو يسمى الهادي وان ايات الثواب والعقاب التي تصدر عن الجنة والنار كلها واردة مورد التنفيذ لذلك يقولون ان البعث لاتدركه العقول ولكن الايمان به معقول ومقبول والغاية من هذا الايمان : ان كان الانسان مؤمنا بيوم الدين ايمانا صادقا ، اجتنب الشرور وكف عن العدوان وبذل جهده في الاعمال الصالحة لان الجنة عندهم هي حياة روحانية في السماء مع الله دأبها التسبيح والتقديس لاغير . اما جهنم فهي شيء يعبرون عنه بالمطهر تطهر النفس بعد الموت بعذاب له اجل محدود ، فلا خلود عندهم في العذاب وان العذاب يقع على الروح لا على الجسد وهنا يقول الرصافي : ان كان العقل البشري عاجزا عن اثبات هذا البعث فانه عاجز عن نفيه بتاتا . اما قبل الاندماج فتكون تلك المعاني تابعة بما تقرره الشرائع والقوانين من الاحكام بتطبيق مبدأ الثواب والعقاب لان الشقاء انما كان بالوجود الجزئي لاغير .
ان الغاية المتوخاة من وحدة الوجود لدى الصوفية واهميتها هو تصفية النفس من شوائب الغفلة للوصول الى التفكير الحر الصافي وذلك لترك الانسان ملاذ الحياة والانقطاع عن كل ما يشغله عن التفكير الحر الصحيح ليكون نقيا خالصا ليمكنهم من الاهتداء لمعرفة الحقيقة المطلقة اللانهائي هو الله لقد استدل الصوفيون على علة وحدة الوجود من قوله تعالى في سورة الحديد : ( هو الاول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ) . فان هذه الاية تدل بمفهومها دلالة واضحة على ان لا موجود الا الله وهو السرمدي اللانهائي وليس له بداية ولا نهاية . وكذلك قوله تعالى : ( وهو معكم اينما كنتم ) وقوله : (اينما تولوا فثم وجه الله ) تقول الصوفية ان محمدا هو اول التعينات ( الممكنات ) اي اول مظهر من مظاهر الوجود الكلي وانه عنه نشأت جميع التعيينات حتى الانبياء ، اي ان الكون وما فيه خلق من اجله . لقد اعتبر الرصافي في هذا غلو من قبل الصوفية ، ولو انهم قالوا ذلك في حق الانسان بدلا من محمد لكان لهذا القول معنى معقول لان النوع الانساني هو اول التعيينات اي اول مظهر من مظاهر الوجود الكلي وتكون اوليته اعتبارية بالرغم من ان هناك تعيينات قبله كانها لم تكن الا تمهيدا وتهيئة لتعيينه فاعتبر هو الاول منها لانها لم تكن الا لاجله ،فهو حادث قديم . فالظاهر ان محمدا لدى الصوفية المثل الاعلى في معنى وحدة الوجود بما اوتي من الكمال النفسي والفكر القدسي استطاع ان يفنى في الوجود الكلي ويتلاشى فيه منسلخا من وجوده الجزئي الذي لا حقيقة له ، وانما هو مظهر من مظاهر الوجود الكلي وهو قائم به مندمج فيه كوجود البرد في الماء ولذلك حق عليه القول : ( وما رميت اذا رميت ولكن الله رمى ) . كما يقولون في محمد انه سيد العارفين في معنى وحدة الوجود وان الحلاج لم يكن من الراسخين في هذه النظرية من قوله : ( انا الله) واتهمه الرصافي بالكفر لان (انا) هي جزئية المدلول والله كلي الوجود وان محمداً وهو رسول الله ينفي في كلامه (انا) لانه فانيا في الوجود الكلي لذلك قال : ما انا رميت ولكن الله رمى وتكون نظرية وحدة الوجود ترجع بالكائنات كلها وموادها وقواها الى اصل واحد يعبرون عنه بالوجود الكلي لذلك قسموا الوجود الى قسمين :
الاول : الوجود الكلي المطلق وهو وجود الله ولا ريب ان هذا الوجود لا يمكن تصوره الا واجبا قديما لان الكلية لايحدها حد وليس له اول ولا اخر وان الله منزه عن المكان والزمان لكون وجوده كلي محيط بكل مكان لقوله تعالى : (وهو معكم اينما كنتم ) . فهو سرمدي فيكون بحكم البداهة واجب الوجود وهو قديم .
الثاني : الوجود الجزئي وهي الممكنات او ما يسمونها التعيينات وهي مظهر من مظاهر الوجود الكلي وليس مستقلا عن الوجود الكلي وهو حادث قديم حسب نظرية القضاء والقدر وهو مقيد بسنة الله التي لاتقبل التبديل والتحويل وان كل فعل لايجري الا وفق سننه في خلقه .
المناقشة :
يتبين من استقراء التاريخ والرجوع الى ما قبل الاسلام بقرون طويلة نجد دحض ماذهب اليه الرصافي في تعليقاته من ان نظرية وحدة الوجود لم تعرفه الدنيا قبل الاسلام وان الرسول هو اول من عرفها ولمح بها وظلت مجهولة حتى القرن الثاني من الهجرة فهو اعتقاد خاطئ لان فلاسفة اليونان والهنود هم اول من تفلسفوا في وجود الخالق فمن البديهي ان هذه النظرية نشأت بدائية ثم تطورت حتى وصلت لما وصل اليه الرصافي في تحليلاته . وهذا لايعني ان جوهرها بعيد عما ظهرت على الساحة العربية عند دخول تلك الاقوام في الاسلام لان تلك الامم كانت تتميز بخصائصها واديانها وعاداتها الموروثة عن ابائهم واجدادهم فمن الصعوبة بمكان ان تزول هذه الافكار بسرعة ولا بد من ترك بصمة من افكارهم على الفكر الاسلامي واختلطت الاوراق واصبحت من المسلمات واعتبروها ذات منشا اسلامي .ولعلني لا اغالي ان ما طرحه الرصافي من افكار ضمن مذهب التصوف يوشك ان تتطابق مع اراء بوذا وكرشنا وغيرهما من مريدي هذا المذهب ..وبفذلكته استطاع ان يبعد اراء المفكرين الذين قالوا من ان نشاة التصوف جاءت من اقوام غير مسلمين باعتماده العمومية في وصف ارائه .وهذه مقارنة بسيطة لتلك الافكار .
اما في مسالة تكفير الحلاج فهناك اراء كثيرة وتأويلات بما ادعى الحلاج من افكار وشطحات ، ومنها ما ذهب اليه الشيخ ابو العباس المرسي بحق الحلاج اذ قال : اكره من الفقهاء خصلتين قولهم بكفر الحلاج وقولهم بموت الخضر . اما الحلاج لم يثبت عنهم ما يوجب القتل وهو الذي نطق بشهادة التوحيد قبل وفاته . وان ما نقل عنه يصح تأويله بنحو قوله : على الصليب يكون موتي . ويعني ذلك انه سيموت على دين الاسلام مصلوبا كما فعلوا بالمسيح . ومنهم من قال انه قارع الظلم والاستبداد بقوله : اناالحق لانه كان معاصرا لثورة الزنج وشاهد عيان للاكداس من الجثث حتى ادى به القول : انقول انه كتبها علينا منذ الازل ؟ ام نحن المسؤولون عن حدوثها وكذلك قوله : الله في جبتي لانه تعالى هو اقرب من حبل الوريد وهو معنا اينما نكون .
يتضح من مفهوم وحدة الوجود انها ترجع عناصر مواد الممكنات وقواها كلها الى اصل واحد يعبرون عنه بالوجود الكلي اللانهائي وهو الله وهذا يعني ان الله والممكنات كلاهما متكونان من عنصر واحد وغير مستقلين عن بعضهما كالامواج في الماء او كالبرد في الماء ، لانهما من عنصر واحد ، ووفقاً لهذا الراي جعلوا لله حيزا كما للممكنات حيز باعتبار ان الانسان بطبيعة تكوينه لا يتصور موجودا بلا حيز ولا جهة ولا مكان ، عندها حصل تناقض في اراء الصوفية فتارة يقولون ان الله منزه عن المكان والزمان وانه سرمدي وهو موجود ولا وجود لغيره بدلالة قوله تعالى (الاول والاخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير )وتارة يعتبرونه جهة ذات ابعاد عند حصول الاندماج مع الممكنات. ومراد هذا التناقض هو ابتعادهم عن المفهوم الحقيقي لله كما اثبته علم الكلام انه ليس بجسم ولا حيز له كما لا ند له ، وبرهانه انه لو قدر له شريك لكان مثله في كل الوجوه او ارفع منه او دونه وكل ذلك محال . ووجه الاستحالة لان كل اثنين هما متغايران فان لم يكن هناك تغاير لم تكن الاثنية معقولة . فانا لا نعقل سوادين الا في محلين او في محل واحد ولكن في وقتين فيكون احدهما مفارقا للاخر ومباينا له . فان استوى الاثنان في الحقيقة والحد كالسوادين فيلزم ان يكون هناك فرق بينهما ، اما في المحل او في الزمان . فان احتمل الحد احتمل الزيادة والنقصان واذا احتمل الزيادة والنقصان كان مخلوقا وان المخلوق لابد ان يكون حادثا وان الحادث لايمكن ان يكون قديما باعتبار ان لكل حادث لحدوثه سبب اي انه كان معدوما واصبح موجودا وعندها يمكن القول انه جاز له ان يوجد وجاز له ان لا يوجد فهو ليس بواجب الوجود ، وهذا يستحيل على الله لانه واجب الوجود والممكنات جائزة الوجود عندها لايصح مثلا ان يتحد الوجود مع العدم ولا يصح ان يكون وجود الله لذاته ولغيره معاً لانه تعالى ليس بعارض ولا مركب يفتقر الى اجزائه وعندها لايمكن ان تتم عملية الاندماج حسب نظرية وحدة الوجود ، هذا من الجانب الفلسفي اما من الجانب العلمي فان المتصوفة بعيدون كل البعد عن الفهم العلمي عندما اخذوا الامواج كمثل لاثبات صحة اقوالهم في الاندماج ، لان الامواج في حقيقتها مجرد ظاهرة طبيعية سببتها الريح للماء وليس مظهرا من مظاهر الماء لان الماء الموجود هو نفس الماء الموجود في البحر وهذا لايعني اندماجا ، علاوة على ان الفيزياء الحديثة وعلم الفلك اثبتا ان الممكنات في الكون متكونة من عنصر واحد وهو الهايدروجين وهو يتصف بالعدم واثبتتا ايضا ان لتلك الممكنات لها بداية ولها نهاية كما اثبتتا ان الاقطاب المتشابهة تتنافر ولا تتجاذب .
وعليه فان نظرية وحدة الوجود نظرية خيالية لا تمت الى الواقع العلمي بشيء وغلو في الاستدلال العقلي وتعتبر نظرية توفيقية بين التوحيد والالحاد وهذه النظرية هي وليدة التطور الذي طرأ على الفكر الانساني مما سبب له اضطرابا فكريا واضحا .
http://alawset.net/kovar_5/49-51.html


نشر علي رحال____________________________________________________  إعداد حسام الشربيني
العودة  الي              مصادر المعلومات    مدونة   رحال     مخلوقات مدهشة     صفحات رحال     صفحات مخلوقات مدهشة
                             بيانات الإتصال     تنويه عن رحال     كلمة   المدون      صفحتناعلي فيسبوك    البومات الصورالكاملة
رخصة المشاع الابداعيهذا المصنف مرخص بموجب المشاع الابداعي نسب العمل- المشاركة على قدم المساواة 3.0 الاصليةالترخيص


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق