الأقسام

الأربعاء، 22 يونيو 2011

حول اصل الصابئة المندائيين

  إن دراسة تاريخ الصابئة المندائيين هو جزء من دراسة تاريخ العراق العريق. فتواجد الصابئة منذ قرون طويلة في جنوب مابين النهرين واللغة التي ينطق بها الصابئة المندائيون هي اللغة الآرامية بلهجتها الشرقية ويتكلم الصابئة المندائيون اللغة المندائية وهي إحدى اللغات السامية المشهورة في الزمن القديم وهي اقرب إلى السريانية من غيرها ويعتقد المندائيون إن لغتهم  هي التي يتكلم بها سيدنا ادم عليه السلام.
  ويعتبر دين الصابئة واحد من أقدم الأديان، حيث يؤمنون بان كتابهم المقدس ((الكنزاربا)) يتضمن الصحف الاولى التي نزلت على آدم ويسمى ايضا ((سيدرا ادم)) .
  وقد اختلف المؤرخون في أصل الصابئة المندائيين ونشأة دينهم ومصادره الأولى  اذ يؤمنون بالله الواحد الأحد وبأنبيائه، كذلك يؤمنون بالنبي ادم عليه السلام وشيت وسام بن نوح وإبراهيم الخليل وأخيرا بالنبي يحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان ) وهو اخر انبيائهم. ويتجه الصابئة المندائيون في صلاتهم وفي ممارسة شعائرهم الدينية نحو جهة الشمال وذلك لإيمانهم بان عالم الأنوار في هذا المكان المقدس من الاكوان.  أما في صلاتهم فيعتقدون إن سيدنا ادم عليه السلام كان يصلي سبع صلوات في اليوم، واستمرت عندهم  هذه الصلاة حتى ظهور النبي يحيى (ع) الذي جعلها ثلاث مرات.
  أما كتبهم المقدسة فاهمها الكنزاربا أي الكتاب المقدس (الكنز العظيم) يحتوي على صحف ادم (ع)، كذلك على بدء الخليقة والتطورات التي حدثت للبشر وفي صفات الخالق وفي الوعظ والإرشاد . أما الكتاب الثاني (ادراشا اديهيا) أي تعاليم النبي يحيى (ع).
 فمن هم المندائيون؟ ومن أين أصلهم ونشأتهم؟ وما هي حقيقة ديانتهم؟ وما هي عقائدهم وطقوسهم وشعائرهم الدينية؟ وكيف يتعبدون؟ أرجو أن أوفق في الإجابة على هذه الأسئلة من خلال هذا البحث .
أصول وتسمية الصابئة المندائيين
  تواجد الصابئة المندائيون منذ القدم في جنوب ما بين النهرين , واللغة التي ينطقون بها هي اللغة المندائية الآرامية بلهجتها الشرقية .
  والمح الكثير من المؤرخين المسلمين إن معتقدات الصابئة المندائية برزت في بابل أولا.وقد تمخض البحث في منشأ المندائيين عن نظريتين الأولى : إنهم من سكان ما بين النهرين القدماء وإنهم ورثوا الكثير من الميثولوجيا البابلية ولكنهم تأثروا باليهودية بحكم تجاورهم مع اليهود التي كانت تسكن ما بين النهرين, وقد تأثروا بالمسيحية من خلال الاحتكاك بالنساطرة المسيحيين .
  أما النظرية الثانية فيرى البعض إن منشأهم كان في الغرب، في منطقة  البحر الميت(فلسطين) أو في شرق الأردن حيث كانوا يمارسون شعيرة التعميد هناك .
الصابئة المندائية وبلاد النهرين
لقد أشار العديد من المؤرخين إلى إن معتقدات الصابئة المندائية برزت لأول مرة في جنوب ما بين النهرين . فقد ذهب هنري لايرد عالم الآثار البريطاني الذي أسهم في الكشف عن الآثار الأشورية إلى أن الدين الآشوري في أيامه المبكرة  وقبل أن تمسه التأثيرات الفارسية وغيرها (هو امتداد للدين البابلي ) كان صابئي المنحى (1).
ولكننا نرى إن الصابئة المندائية تمتد إلى ما قبل ذلك وبالتحديد إلى العهد السومري، ولدعم هذه النظرية نقوم بمقارنة بين الدين الصابئي والسومري . فكلا الديانتين تعظمان الماء وتضعانه في منزلة عظيمة .
فقد كان في الزمن السومري اله اسمه (آيا) اله المياه وهو يجلس في مقصورة من الماء الجاري. وترى الليدي دراور إن البركة الطقسية ذات العلاقة بـ(آيا) اله المياه كانت تشكل جزءا من العقائد السومرية في (اريدو) المدينة. وقد بحث الأب (بوروز) (مشاكل من ابسو, روما1932) واستنتج بأنه لم يكن مبزل سوائل كما اقترح سابقا, بل لا بد انه كان حوضا أو بركة, وأشار إلى أن بعض أسماء شعائر(ابسو) في (لاكش) تشير إلى برك متصلة بقنوات أو ما يشابهها (2).
ان طغيان الماء في الشعائر والطقوس الصابئة المندائية يمثل تمسكا قويا بأصل ديني بعيد يعود إلى العهود السومرية . فيعتقد الصابئة المندائيون إن الإنسان عندما يموت تنقل نفسه إلى العالم الآخر. هناك تحاسب النفس وتوزن أعمالها فإذا كانت الحسنات كثيرة تصعد  إلى عالم الأنوار أما إذا كانت السيئات أكثر فانها تذهب إلى (المطراثي) وهي رحلة تمر بها النفس بسبع محطات (عوالم الحساب).
الحالة نفسها  نجدها عند السومريين فهم يرون إن الإنسان عندما يموت تذهب روحه إلى العالم الآخر وتجتاز هذه الروح البوابات السبعة ثم تذهب إلى مستقرها في العالم الأسفل(3). كما إن هناك تقليد ديني مندائي يتضمن إطلاق اسم ديني على الصابئي بالإضافة إلى اسمه المعلن , ويستعمل هذا الاسم في طقس التعميد والمناسبات كالزواج والوفاة وغيرها . وهو يسمى بـ (الملواشة) وهو اسم ديني حيث ينسب الفرد الى امه.
إن هذا التقليد هو تقليد سومري حيث كان يطلق أسماء على رجال الدين . حيث يعتقد بان ممارسة السحر الأسود أو الضار يسري على الاسم الديني وليس على الاسم المعلن , وكان الكهنة يتحاشون الكشف عن أسمائهم الدينية لكي لايتعرضوا إلى أخطار السحرة والأعداء(4).      
كما وتأتي جذور الصلة بين الديانتين الصابئية والمندائية والديانة البابلية هو أن كلا الديانتين تقدسان الشمس باعتبارها قوة للخير .
كذلك فان الديانتين تنزلان الماء منزلة عظيمة فكان سكان مابين النهرين ترى أن الماء يدخل في كل جانب من جوانب حياتهم . وقد ظل سكان بلاد الرافدين يقدسون الماء ويضعونه بمنزلة عظيمة فاعتبروه أداة للتطهير . لقد كان من تقاليد الطقوس اليومية للمعبد البابلي أن يجري غسل تماثيل الآلهة, ورش المعبد بالماء الطاهر(5) .
  أما بالنسبة للصابئة المندائيين فالماء هو مصدر الحياة ذاتها. ففي الوضوء أو ما يسمونه بـ(الرشامة) التي  تجري عند النهر الجاري يقول المندائيين (أبرخ يرد نه آدميه هيي مشبه ماري كشطة سنخون).وتعني ( تبارك الماء العظيم ماء الحياة سبحان الهي احفظ عهده ) كذلك يقولون في الوضوء (مللين ابملالي اد زيوه وازهي طن بصري دنهور) وتعني (لينطقا بكلام النور وليكن ضميري نقيا مؤمنا بالصلاح)(6). وكذلك يطهر المندي سنويا وفق طقوس خاصة بالماء.
 ويلتقي الصابئة المندائيون بالبابليين بلباس التعميد الأبيض (الرستة) لدى المندائيين باللباس الأبيض الذي كان يرتدونه الكهنة في بابل(7) .ويحرم المندائيون حلق اللحى وشعر الرأس كذلك البابليون رغم إن عامة الصابئة لا يتقيدون بهذا التحريم اليوم,إلا إن رجال الدين منهم ملزمون تماما بهذا التحريم فهم يتركون لحاهم وشعر رؤوسهم.  
  أما في حالة الوفاة فيعتقد الصابئة إن نفس الميت لاتصعد إلى السماء إلا بعد مرور ثلاثة أيام على الوفاة وخلال هذه الأيام الثلاثة تظل النفس تحوم ما بين القبر وبيت الميت وبعد الأيام الثلاثة تأخذ سبيلها إلى السماء . نفس الصورة نجدها لدى البابليين. فروح الميت عندهم تبقى تحوم ثلاثة أيام بعد إيداع جثمانه القبر(8).
التعميد في الماء من اهم طقوس الصابئة
يثار هنا تساؤل, هل كان الصابئة المندائيون قد تأثروا بشكل مباشر بأفكار الجماعات البابلية التي كانت تجاورهم, أو أن يكونوا هم ذاتهم من بقايا البابليين وطوروا معتقداتهم من خلال تفاعلهم مع الجماعات اليهودية وغيرها التي كانت تجاورهم, أو أن يكونوا من الجماعات الآرامية التي طورت أفكارها ومعتقداتها بعيدا عن هذه التاثيرات . ويذكر ابن النديم في الفهرست, أنهم من بقايا الجماعات اليهودية التي كانت تقطن جنوب العراق كالحسج. ويقول عبد العزيز الثعالبي في الصابئة هي ديانة(عاذيموس) الأول, كان في القديم من أعظم الأديان انتشارا في العالم وكان منشأها في العراق وكعبها حران, وهي في الأصل دين الكواكب السبعة والبروج ألاثني عشر. اثبت التاريخ أن العرب كانوا يدينون بديانة قريبة الى لصابئة منذ القرون الأولى, وقد اتخذوا الهياكل وسموها البيوت, وجعلوها معابد يقدسونها ويدينون بها. ويدل على ذلك إنهم كانوا يسمون أنفسهم عبيدا لها, كقولهم عبد شمس, وعبد المشتري وغيرها(9) وفي الحقيقة إن الصابئة المندائيين يرفضون عبادة الكواكب. فعندما نشر احد المؤلفين (عبد الرزاق الحسني) كتابا حول الصابئة المندائيين اعتبرهم عبدة كواكب فأثار حفيظة رجال دينهم. فقدم الشيخ دخيل الى بغداد  يحمل معه كتابهم المقدس الكنز العظيم(كنزاربا) يتلو منه امام المحكمة بوجود مترجم يترجم أمام الشهود من السفر المقدس نصا يرفض عبادة الكواكب ويظهر انهم يعبدون الله.
  تقول الليدي دراور( في الحقيقة إن الصابئيين لا يعبدون الأجرام السماوية غير إنهم يعتقدون بان النجوم والكواكب تحتوي على مخلوقات حية هي أرواح ثانوية تابعة لأمر ملك النور(ملكا دنهورا) وإنها تتحكم بمصائر البشر ,  ويصاحب هذه الأرواح الخيرة أضدادها من الأرواح الشريرة  ففي  فلك  الشمس (شامش) ينتصب شامش الخير النافع رمز الخصب والخضرة ومعه الروح الشريرة المهلك(ادوناي)مع أرواح نورانية حارسة أخرى(10) .
    فالصابئيون يوجهون دعاءهم للأرواح الخيرة النورانية فقط وليس لتلك التي تخص عالم الظلام. ويقول المندائيان نعيم بدوي وغضبان رومي (الصابئيون طائفة عراقية قبل أن تكون أي شي آخر , بل إننا كما نشير طقوسها صلة الحاضر بالماضي البالي الاكدي والنبطي في العراق) (11) .
الصابئة المندائيون وطوائف البحر الميت
   هنالك من يقول أن الصابئة من سكان فلسطين, وإنهم هاجروا منها بسبب الاضطهاد الذي لحقهم على أيدي المؤسسة اليهودية الرسمية ومن قبل الحكام الرومان.
  يبدون ان ثمة علاقة بين الصابئة والاسينيون، وهم طائفة روحانية(صوفية) كانت موجود في فلسطين قبل الميلاد، ويحسبها بعض المؤرخين على اليهود والبعض يعتبرها غير يهودية.
  الاسينيون يؤمنون بالفضيلة المطلقة, ويستقبحون الشهوات فهم لا يتزوجون ويتبنون أطفال غيرهم وملكية الجميع مشتركة عندهم ولايتبايعون وإنما يتقارضون قدر حاجتهم ويلبسون الألبسة البيضاء. يلتقي الاسينيون والمندائيون في طقوس التعميد حيث يتعين أن يرتدي الملابس البيضاء ويفعل المندائي الشي ذاته عند التعميد. إذ يرتدي ملابس بيضاء تعرف بـ(الرستة).

كما تلتقي الطائفتان في نظرتهما الثانوية تجاه الظلام والنور والخير والشر وهي ثنائية شاعت بتأثير التعاليم البابلية(12) .
اما بالنسبة للعلاقة بين الصابئة والحسح، وهو موضوع أثاره ابن النديم في  كتابه الشهير الفهرست الذي أشار إلى العلاقة بين الصابئة المندائيين والحسح حيث يقول إن (هؤلاء القوم كثيرون بنواحي البطائح(جنوب العراق) وهم صابئة البطائح يقولون بالاغتسال ويغسلون جميع ما يأكلونه ورئيسهم يعرف بالحسح)(13).
 ووجد أتباع الحسح في شرق البحر الميت وهي فرقة فلسطينية قريبة الى اليهودية . وقد اتخذت من التعميد ركنا أساسيا في طقوسها الدينية. وكانت دعوتهم تقوم على التمسك بالشريعة اليهودية , وممارسة الختان , والتقيد بأحكام السبت.  
إن التماثل ما بين الصابئة المندائية وأتباع الحسح هو التعميد فكلا الطائفتين تمارس التعميد كتطهير من الخطايا, لكن الطائفتين تختلفان في عدة أمور : فالحسح يلزم بالختان فيما تحرمه المندائية . والأولى تتشدد بالتمسك بيوم السبت فيما الثانية بيوم الأحد ومن وجهة نظري هناك اختلاف كبير بين الصابئة المندائية وطوائف البحر الميت (الاسينيين وأتباع الحسح ) فالثانية هم من الطوائف اليهودية والعلاقة بين اليهود والصابئة عدائية , وخالف الصابئة اليهود في أكثر عقائدهم , فعيدهم الأحد لا السبت, وإذا كان الختان فرضا على اليهود , حرمته العقيدة الصابئية دينيا, وتعد من قام به خارجا عن الدين , أما خروج النبي موسى(ع) من مصر ونجاته من فرعون فهو نصر يهودي , ولكنه يمثل فجيعة ومأتما عند الصابئة بسبب غرق المصريين ونجاة موسى(ع) وقومه . ويقيم الصابئة بتلك المناسبة التي يطلقون عليها (عاشورية ) المآدب التأبينية , والفاتحة (لوفاني) على أرواح المصريين الذين غرقوا في البحر الأحمر حينما كانوا يلاحقون نبي اليهود موسى (ع)(14) . يشار في هذا الموضوع الى ان المندائيين كانوا متواجدين في مصر ذلك الوقت .
الصابئة الحرانية
سميت بالحرانية نسبة إلى بلدة حران . قال القاضي احمد الشهير المعروف ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان وإنباء الزمان إن حران مدينة مشهورة في الجزيرة تقع على نهر بلباس احد روافد نهر الفرات وذكر ابن جرير الطبري في تاريخه أن هاران ابن عم إبراهيم الخليل (ع) وأبو زوجته سارة عمرها أي بناها فسميت باسمه هاران وقيل إن لإبراهيم (ع) أخا اسمه هاران أبو لوط هو الذي بناها.
وذكر قوم أنها أول مدينة بنيت بعد الطوفان وكانت منازل الصابئة وهم الحرانيون نسبة إلى محل سكناهم حران ليس إلا. (15) قال ابن النديم : قال أبو يوسف أيشع القطيعي النصراني في كتابه في الكشف عن مذاهب الحرنانيين المعروفين في عصرنا بالصابئة : ( أن المأمون اجتاز في آخر أيامه بديار مضر يريد بلاد الروم للغزو فتلقاه الناس يدعون له وفيهم جماعة من الحرنانيين وكان زيهم إذ ذاك لبس الأقبية وشعورهم طويلة بوفرات كوفرة قرة جد سنان بن ثابت فأنكر المأمون زيهم وقال لهم من انتم من الذمة ؟ فقالوا : نحن الحرنانية . قال : أنصارى انتم ؟ قالوا : لا , قال لهم : أفلكم كتاب أم نبي ؟ فجمجموا في القول فقال : فانتم إذن الزنادقة عبدة الأوثان وأصحاب الرأس في أيام الرشيد والدي وانتم حلال دماؤكم لاذمة لكم . فقالوا : نحن نؤدي الجزية . فقال لهم : إنما تؤخذ الجزية ممن خالف الإسلام من أهل الأديان . الذين ذكرهم الله عز وجل في كتابه ولهم كتاب وصالحه المسلمون على ذلك , فانتم لستم من هؤلاء ولا من هؤلاء فاختاروا الآن احد الأمرين : أما أن تنتحلوا دين الإسلام أو دينا آخر من الأديان التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه وإلا قتلتكم عن آخركم , فاني قد أنذرتكم إلى أن ارجع من سفرتي هذه فان انتم دخلتم الإسلام أو في دين من هذه الأديان التي ذكرها الله في كتابه وإلا أمرت بقتلكم واستئصال شأفتكم ). ورحل المأمون يريد بلد الروم فغيروا زيهم وحلقوا شعورهم وتركوا لبس الأقبية وتنصر كثير منهم ولبسوا زنانير وأسلم منهم طائفة وبقي منهم شرذمة بحالهم وجعلوا يحتالون ويضطربون حتى أنتدب لهم شيخ من أهل حران فقيه فقال لهم : قد وجدت شيئا تنجون به وتسلمون من القتل . فحملوا إليه مالاً عظيما من بيت مالهم أحدثوه منذ أيام الرشيد إلى هذه الغاية أعدوه إلى النوائب فقال لهم : إذا رجع المأمون من سفره فقولوا له نحن الصابئون فهذا اسم دين قد ذكره الله جل اسمه في القران الكريم فانتحلوه فانتم تنجون به وقضى إن المأمون توفي في سفرته تلك بالبذنذون فانتحلوا هذا الاسم منذ ذلك الوقت لأنه لم يكن بحران ونواحيها قوم يسمون بالصابئة .
الموصل.. في شمالها تقع مدينة حران الشهيرة وهي الآن تابعة الى جنوب تركيا ..
فلما اتصل بهم وفاة المأمون , ارتد أكثر من كان تنصر منهم , ورجع إلى الحرانية فطولوا شعورهم حسب ماكان عليه قبل مرور المأمون بهم على أنهم صابئون ومنعهم المسلمون من لبس الأقبية لأنه من لبس أصحاب السلطان ومن اسلم منهم لم يمكنه الارتداد خوفا من إن يقتل فأقاموا متسترين بالإسلام فكانوا يتزوجون بنساء حرانيات ويجعلون الولد الذكر مسلما , والأنثى حرانيه. وهذه كانت سبيل كل أهل ترعوز وسلمسبين , القريتين المشهورتين العظيمتين بالقرب من حران أي منذ نحو عشرين سنة .(16)
 لقد رفض الكثير من المندائيين الاعتراف بان موطنهم الأصلي هو جنوب العراق واعتقادهم أنهم جاءوا من الشمال وقد يكون هذا الرفض وذلك الاعتقاد راجعين إلى سبب ديني ، وهو اعتقاد المندائيين بان الشمال موطن الأسلاف الإلهيين وانه مصدر النور والمعرفة... يستقبلونه في صلاتهم ويتوجهون إليه بعد مماتهم وأما الجنوب فهو مصدر الشر والظلام جاء في الكتاب المقدس (( كنزا    ربا )).  إن عوالم الظلام تقع في الأرض المنخفضة في الجنوب وأولئك الذين يسكنون في الشمال هم بيض البشرة ... أما أولئك الذين يسكنون في الجنوب فهم سود البشرة ومظهرهم قبيح كالشياطين (17)
وقال البروفيسور اوليري في سياق حديثه عن صابئة حران : ( إن قصة الحرانيين مع المأمون ماهي إلا محاولة لتفسير كيف أصبح الحرانيون يسمون بالصابئين وهو أسم نعرف الآن أنه لايعود لهم. إن الصابئين الحقيقيين كانوا في الجنوب العربي لا علاقة لهم بحران, إن المندائيين في جنوب العراق أهل معمدي الآباء المسيحيين الأوائل , والكتاب الربانيين الذين حصلوا على اسم ( المتعمدين ) من تطهرهم المستمر المتزمت , كانوا يسمونه بالآرامية (بالصابئين) من أصل الفعل ( صبا الآرامي ) بمعنى يغطس ويتعمد وكان المندائيون هؤلاء معرفيين ( غنوصين )  ولم يكن أهل حران معرفيين بل كانت لهم هياكل مكرسة للكواكب مما جعل الخلط بينهم وبين المندائيين ممكنا ومن المحتمل أن تكون الأفلاطونية الحديثة الحرانية قد امتزجت بالعقائد المعرفية (18).
وقال الأستاذ عباس محمود العقاد عن الصابئيين ( أنهم السابحة من السبح والاستحمام في مياه الأنهار ) ( 19).
  وليست العلاقة بين الصابئة المندائيين والحرانيين مجرد تسمية تجمع بينهم . إن هناك فرقا في الدين كبيرا بين صابئة حران والصابئة المندائيين وأورد بعض الاختلافات فيما بينهم :
1ـ اختلافهم في بناء المعابد : يسمي المندائيون معبدهم بـ (المندي ) وهو عبارة عن كوخ من القصب منصوب على شاطئ نهر جار أو نبع ماء جار حي وباب المندي متجه نحو الجنوب ومحرابه نحو الشمال لاعتقادهم انه المكان الذي يحكم فيه على إعمال الناس بالصلاح أو الفساد يوم القيامة. ومعابد المندائية خالية من إي تمثال أو صنم لتعظيمهم الماء الحي الجاري . وفي المندي يمارسون صلواتهم العلنية بعد تعمدهم بالماء الجاري وفيه يعقدون قران زواجهم وفيه يقدمون القرابين في الأعياد. جاء في كتاب الكنزا ربا : ( كل من صنع تمثالا أو صنما أو جسما ليعبده من دون الله تكتوى شفاهه ويداه بنار حامية ويتمنى الموت ولكن الموت لايدركه ). بينما بنى الحرانية معابدهم الحجرية على الطرز المعمارية للمعابد الوثنية الرومانية وأقاموا فيها هياكل وتماثيل للكواكب السبعة وفيها يمارسون صلواتهم بصورة سرية . (20) 
2ـ اختلافهم في الدفن وتوجيه القبور: فالمندائيون تتجه قبورهم شمال – جنوب وللقبر في الأعلى شكل دائري ويوجه الوجه باتجاه الشمال  ويضعون في فمه حصاة صغيرة أو قليل من التراب ويدفن مع الميت خاتم العمادة (لرجال الدين ).  أما الحرانيون فقبورهم تتجه غرب – شرق ويكون الرأس باتجاه الغرب والوجه نحو الأعلى باتجاه الشمال الشرقي ويدفن مع الميت متاعه وثيابه وخاتمه وخواتمهم عليها تماثيل منحوتة على حجارة صغيرة ( ومعظم فصوص الخواتم من العقيق ) ولقبور الحرانية شواهد طويلة على شكل تماثيل. وفي كلا الديانتين المندائية والحرانية لا يظهرون الحزن على الميت . فاللطم والبكاء محرمان. ( 21) 
الهوامش
1- عزيز اسباهي - أصول الصابئة ومعتقداتهم الدينية ص 55
2- الليدي دراور - الصابئة المندائيين ترجمة نعيم بدوي وغضبان رومي ص 219
3- نائل حنون - عقائد ما بعد الموت في حضارة بلاد الرافدين القديمة ص86
4- خزعل ألماجدي - أصول الديانة المندائية .
5- الليدي دراور - الصابئة المندائيون ترجمة نعيم بدوي وغضبان رومي .
6- الليدي دراور - الصابئة المندائيون ترجمة نعيم بدوي وغضبان رومي .
7- الليدي دراور - الصابئة المندائيون ترجمة نعيم بدوي وغضبان رومي .
8- عزيز اسباهي - أصول الصابئة ومعتقداتهم .
9- محمد عمر حمادة - تاريخ الصابئة المندائيين دار قتيبة .
10- الليدي دراور - الصابئة المندائيون ترجمة نعيم بدوي وغضبان رومي .
11 - مقدمة المترجمين - الصابئة المندائيون .
12- عزيز اسباهي - أصول الصابئة ومعتقداتهم .
13- النديم - كتاب الفهرست , تحقيق رضا – تجدد .
14- تاريخ الصابئة المندائيين, محمد عمر حمادة .
15- الموجز في تاريخ الصابئة المندائيين العرب البائدة - تأليف عبد الفتاح الزهيري .
16- الفهرس للنديم - ( مصدر سابق ذكره ) .
17- مجلة الطيف المندائي - العدد الأول 2004  ص 20
18- الصابئة المندائيون  - مقدمة المترجمين .
19- نفس المصدر .
20- الصابئيين الأمة المقتصدة في التوراة والإنجيل والقران - تأليف د. احمد حجازي السقا .
21- نفس المصدر .
حيدر رضا ـ بغداد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق