الأقسام

الأربعاء، 25 مايو 2011

موهنداس ك. غاندي كتابات وأقوال للمهاتما م. ك. غاندي








موهنداس كرمشاند غاندي (بالإنجليزية:Mohandas Karamchand Gandhi)؛ (2 أكتوبر 1869 - 30 يناير 1948) كان السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلال الهند. كان رائداً للساتياغراها وهي مقاومة الاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل، التي تأسست بقوة عقب أهمسا أو اللاعنف الكامل، والتي أدت إلى استقلال الهند وألهمت الكثير من حركات الحقوق المدنية والحرية في جميع أنحاء العالم. غاندي معروف في جميع أنحاء العالم باسم المهاتما غاندي (بالسنسكريتية : महात्मा المهاتما أي 'الروح العظيمة'، وهو تشريف تم تطبيقه عليه من قبل رابندراناث طاغور، [1] وأيضاً في الهند باسم بابو (بالغوجاراتية : બાપુ بابو أي "الأب"). تم تشريفه رسمياً في الهند باعتباره أبو الأمة؛ حيث إن عيد ميلاده، 2 أكتوبر، يتم الاحتفال به هناك كـغاندي جايانتي، وهو عطلة وطنية، وعالمياً هو اليوم الدولي لللا عنف.

قام غاندي باستعمال العصيان المدني اللاعنفي حينما كان محامياً مغترباً في جنوب أفريقيا، في الفترة التي كان خلالها المجتمع الهندي يناضل من أجل الحقوق المدنية. بعد عودته إلى الهند في عام 1915، قام بتنظيم احتجاجات من قبل الفلاحين والمزارعين والعمال في المناطق الحضرية ضد ضرائب الأراضي المفرطة والتمييز في المعاملة. بعد توليه قيادة المؤتمر الوطني الهندي في عام 1921، قاد غاندي حملات وطنية لتخفيف حدة الفقر، وزيادة حقوق المرأة، وبناء وئام ديني ووطني، ووضع حد للنبذ، وزيادة الاعتماد على الذات اقتصادياً. قبل كل شيء، كان يهدف إلى تحقيق سواراج أو استقلال الهند من السيطرة الأجنبية. قاد غاندي أيضا أتباعه في حركة عدم التعاون التي احتجت على فرض بريطانيا ضريبة على الملح في مسيرة ملح داندي عام 1930، والتي كانت مسافتها 400 كيلومتر. تظاهر ضد بريطانيا لاحقاً للخروج من الهند. قضى غاندي عدة سنوات في السجن في كل من جنوب أفريقيا والهند.

وكممارس للأهمسا، أقسم أن يتكلم الحقيقة، ودعا إلى أن يفعل الآخرون الشيء ذاته. عاش غاندي متواضعا في مجتمع يعيش على الاكتفاء الذاتي، وارتدى الدوتي والشال الهنديين التقليديين، والذين نسجهما يدوياً بالغزل على الشاركا. كان يأكل أكلاً نباتياً بسيطاً، وقام بالصيام فترات طويلة كوسيلة لكل من التنقية الذاتية والاحتجاج الاجتماعي.

ترجمة: أكرم أنطاكي
تدقيق: هَڤال يوسف

المرجع: The Mind of Mahatma Ghandi
ترجمة: أكرم أنطاكي
تدقيق: هڤال يوسف
إخراج: هڤال يوسف
تصميم الغلاف: دارين أحمد
 كتابات وأقوال
 للماهاتما م. ك. غاندي
 تصدير
 أ. ندرة اليازجي

يُعدُّ التحقيق العملي لحلّ مشكلة العنف، في عالمٍ بلغ مستوياته القصوى من الصراع والعدوانية، مسألة صعبة غاية الصعوبة. هذا لأنّ اللاعنف أصبح بعيد الاحتمال والتطبيق، إذ بلغ أقصاه. وتشير الدلائل الواقعية إلى أنّ العنف قد بلغ إلى الحدّ الأقصى نتيجة للأحداث المأساوية، الممثّلة بمركزية الأنا الفردية ومركزية الأنا التجمعية، التي تحرّضه على نحو انفعال شديد. وهكذا، تنبثق العدوانية إلى الوجود. وفي عالم العنف تتراجع أخلاقية اللاعنف والمحبة ومثالية معرفة الحقيقة. ومع ذلك، يكون اللاعنف أكثر فعّاليةً في وضع اجتماعي أو فردي لا يكون الشرّ، وهو الخير المسلوب، قد طغى تماماً. لذا، كان تطبيق اللاعنف في الحالات الفردية أسهل من تطبيقه في الأوضاع الاجتماعية والدولية.
يتطلّب تطبيق اللاعنف وتحقيقه عاملين:
أولاً- يتطلّب هذا التحقيق أو التطبيق وجود أناس يحملون بذوره، ويتزودون بمبادئه التي تتجاوز الآراء والنظريات السلبية، وظاهرة الاتحادات الإقليمية، والإحساس الزائف بالقوة المادية الغاشمة، والاعتماد على التقدم التكنولوجي العدواني، والإيديولوجيا المتطرفة، والشعور القومي المتطرف، وأنواع التسلّط والتربية الانفعالية المتصلبة، الخ. وبالإضافة إلى ذلك، يحملون هذه البذور إلى العالم من أجل زراعتها في المجتمعات العديدة، ويُعملّون هذه المبادئ بمحبة وتحمّل لجميع الناس. ولمّا كنت أؤمن بتعاون أهل الوعي والحكمة والخير مع بعضهم، وهم أناس لاعنفيون يزرعون حقل الإنسانية ببذور المحبة والوعي والسلام، فإنني أؤمن أيضاً بأنّ الاتحادهم أو تعاونهم يشير غلى تجاوز السلب الذي يستحفل أرمه يوماً بعد يوم. وفي هذا المنظور، تشتدّ حاجة العالم إلى أصحاب الرؤى والبصيرة الحكيمة والسلمية، وإلى ذوي المعرفة والوعي. وتزداد هذه الحاجة إلى وجود العاملين في حقل السلام والعدالة.
ثانياً – يتطلّب اللاعنف تربية إنسانية جديدة قابلة للتطبيق، تقوم على مبادئ التحمّل والعطاء والتضحية، وتقلّص التعصب المذهبي والطائفي والعرقي والطبقي إلى أدناه، وتلطّف أو تقلّل من خطورة الفوارق القائمة بين الأفراد والشعوب. والحقّ إنّ تربية من هذا النوع تؤمن بأخوة إنسانية، وتدعو إلى تضامن الإنسان مع الإنسان، وإلى احترام آراء الآخرين وتقدير الشخصية الإنسانية.
يتضمّن اللاعنف في قانون الروح وغائية التطور الإنساني. ويتضمن العنف في مركزية الأنا التي تعي ذاتها. ولقد أخطأ بعض علماء التطور الذاتي الذين أبانوا أن التطور صراع يهدف إلى بقاء الأقوى لكونه "الأفضل؟!". والحق هو أن التطور في الإنسان وفي الطبيعة يتأسس على قاعدة تكامل الأقطاب المتقابلة والتعارضات الظاهرية. وليس التكامل سوى وجه آخر للمحبة واللاعنف والخير والوعي. هذا لأن عالم الإنسانية غاية بذاته. وإذا كان غاية بذاته، فإن تطوره يبدأ من ذاته لينتهي إلى ذاته، لتحقيق ذاته. وهذا يعني أن التطور، بعد وجود الإنسان، يتجه إلى عقلانية أعلى، ووعي أعظم وروحانية أسمى. لذا كان التطور تكاملاً وليس صراعاً أو عنفاً؛ وبالمثل كان تجاوزاًذأو تعالياً وارتقاءً مستمراً في حقول المعرفة والوعي والروح.
يتحقق اللاعنف في التضحية، التي هي المحبة المطبّقة على صعيد الواقع؛ هو المحبة التي تبلغ ذروتها. لذا، كان اللاعنف خدمةً وتواضعاً وبساطةً. هو قانون أو مبدأ الإنسان الذي يرى صورته منعكسة في الآخر، فيحبّه كما يحبّ نفسه. وهكذا، يكون اللاعنف قانونَ أو مبدأ البقاء والتكامل في الحياة. وفي هذا المنظور، نسأل: كيف يحب الإنسان نفسه في الآخر؟ وكيف يتكبّر على نفسه في الآخر؟ وكيف ينبذ نفسه في الآخر؟ وكيف يعذّب نفسه في الآخر؟ وكيف يستغلّ نفسه ي الآخر؟ وكيف يستعبد نفسه في الآخر؟ وكيف يقتل نفسه في الآخر؟ وكيف يُذلُّ نفسه في الآخر؟ وكيف يُنكر نفسه في الآخر؟ إذن، لماذا يلغيالصلة التي توحّده مع الآخر؟ كيف يحب الإنسان نفسه في الآخر؟
بات الإنسان، في هذه المرحلة الصعبة من تاريخه، يشعر وكأنّ العنف قد بلغ ذروته. لذا، يحمل الإنسان، الذي يعتمد العنف خلاصاً له، بذور شقائه وفنائه. وبالتالي، يشير وضعه الراهن إلى أمرين: أولاً – الاستمرار في نطاق العنف. ثانياً – اللجوء إلى الوعي واللاعنف اللذين هما مؤشران لحقيقة واحدة.
في هذا النطاق، أي الاستمرار في انفعال العنف، يتّجه الإنسان إلى هاوية التعاسة والبؤس والجحيم. وفي النطاق الثاني، أي طريق الوعي والحكمة واللاعنف، يتّجه الإنسان إلى السعادة والنعيم والرفاه. ولمّا كانت مسيرة الطبيعة تشير إلى تقلّص العنف، فإن مسيرة الإنسان يجب أن تشير إلى تقلّص العنف. لذا، كان لا بدّ لهذه المرحلة أن تهدأ وتعتدل بعدما عانت البشرية من الحروب وأنواع البؤس والفاقة. أقول ما أقول وأنا أعلم أنّ اللاعنف، لكونه يمثّل جدلية الحياة المتكاملة من منطق صاعد، سيكون الغاية النهائية لعقل الإنسان وسلوكه. والحقّ أنّ اللاعنف أصبح الرائد الأول للعلوم الاجتماعية والانسانية التي تشير مبادئها إلى إفلاس النظريات السلبية، الفردية منها والتجمعية، التي لم تؤسس عقيدتها على قاعدة إنسانية. وهكذا، ندرك أنّ اللاعنف هو الحقيقة التي أضاعها الإنسان ونفاها من وجوده. لذا، تقضي الضرورة بعودته إليها في وضعه الاجتماعي المتمثّل بالسّلم، والتآلف، والاعتراف بالتنوعات العديدة في الحقيقة الواحدة.
لا تكتمل فاعلية اللاعنف إلا بفعل إنساني. هذا، لأنّ الإنسان هو المشرّع الذي يبدعه ويوجّهه. لقد ابتدع الإنسان العنف، ويجب عليه، نتيجة لذلك أن يحقق اللاعنف ليعود إلى وضعه الإنساني، الفطري والطبيعي. وبالفعل، يرى الإنسان المعاصر نفسه مضطراً للبحث عن الخلاص وفق المبادئ التالية:
1- الانفتاح العقل الذي يشير إلى نتيجة العقل موقفاً إيجابياً من المبادئ الأخرى. هذا، لأنّ واجب الإنسان يكمن في فهم المبادئ الأخرى، والاعتراف بالآخر والقبول به.
2- الحوار الإيجابي الذي يشير إلى سعي حثسث ودائم يهدف إلى بلوغ نقطة لقاء مع الآخرين عبر إرادة وعي يتجرّدان من الانفعال والتعصّب.
3- الموقف الإيجابي الذي يشير إلى احترام الإنسان الآخر مهما اختلف موقفه أو نظرته إلى الحياة، أو إلى مذهبه وعقيدته، أو عرقه أو لونه.
4- الموقف المتسامح الذي يعتبر الأساس أو القاعدة التي يتوطّد عليها صرح الاعتراف الكامل بالآخر والقبول الكامل به. والحقّ إنّ الموقف المتسامح يتحقق على مستويين. أ- مستوى عقلي تتحقق فيه حكمة المنطق وصدق المحاكمة السليمة. ب- مستوى أخلاقي يخلو من الإدانة والإدانة المضادة المتوافق مع سموّ كيان الإنسان المتعاطف مع الآخر.
5- الواجب بوصفه المبدأ الكوني الأول لعلاقة الإنسان مع الإنسان. وحول هذا الواجب يقول الحكيم غاندي: "العمل هو الواجب، والحق هو ثمرته. ومن جانبي، أقول: "الحقّ هو أنّ أقوم بواجبي"، وبالتالي، أقول: "حقي الوحيد هو أن أقوم بواجبي". لذا، كما رأى غاندي أن يُصار إلى إحلال "وثيقة واجبات الإنسان" محلّ "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان".
6- محبة الحقيقة: تحدّث الحكيم غاندي عن الصّلة التأليفية بين اللاعنف والحقيقة. فإذا ما وعى الإنسان عظمة وجوده، أي حقيقة وجوده، أدرك أنّ تحقيقها لا يتمّ أو يكتمل إلا باللاعنف. ومن جانبي، أقول: إنّ إدراكي لحقيقة وجودي يحثّني على تبنّي مبدأ اللاعنف. لذا، كان اللاعنف موقفاً تتحقق فيه قوة الإنسان على غلبة الباطل، وكان العنف موقفاً يخصع لسلطة الجهل والضعف الذي يتجسّد، في نهايته، العنف.
***

الفصل الأول

حول نفسي

لست قديساً ولا غارقاً في الخطيئة.
أبقى متفائلاً، ليس لأنّه بوسعي تقديم أي دليل على أن الحقّ سيزدهر، إنما بسبب إيماني الذي لا يتزعزع بأن الحقّ سينتصر في نهاية المطاف.... لأن أساس وحينا هو فقط الإيمان بأن الحق سينتصر حتماً.
(هاريجان، 9-8-1942، ص262 )
***
لم أدّعي يوماً بأني زاهد[1]؛ فالزهد مرده صرامة الأشياء. أنظر إلى نفسي كصاحب بيت يعيش حياة خدمة متواضعة، كغيري من العاملين الذين يعيشون على صدقات الأصدقاء.... والحياة التي أعيشها سهلة ومريحة بمجملها، هذا إن فهمنا الراحة بأنها مجرد حالة ذهنية. ومن هذا المنظور، لديّ كل ما أحتاج إليه ولا أتعب نفسي باكتناز أي شيء خاص.
(الهند الفتاة، 1-10-1925، ص338)
***
أعرف أنْ ما زال أمامي اجتياز درب طويل، لذلك يجب أن أجعل من نفسي صفراً، لأنّ الإنسان، ما لم يتغيّر بملء رضاه، ليصبح الأخير بين إخوته من البشر، فلن يحقق الخلاص. من هذا المنطلق تعتبر الأهيمسا أقصى حالات التواضع.
(سيرة ذاتية أو قصة تجاربي مع الحقيقة، ص371)
***
كنت أعيش حينئذٍ في جنوب إفريقيا. حين قرأت هذا الكتاب حتى النهاية خلال رحلة بالقطار إلى دوربان، عام 1934، كان عمري حينئذٍ 35 عاماً، وهذه القراءة هي التي جعلتني أقرر تغيير كل مظاهر حياتي. ليست لدي كلمات أخرى لأصف ذلك، سوى القول إنّ كلمات روسكين أسرتني. قرأت الكتاب دفعة واحدة ثم استلقيت ولكن يراودني النوم طوال الليل، عندئذ هناك قررت تغيير كل ما خططت له. أما تولستوي فقد قرأته في مرحلة سابقة، وقد أثر على كياني الداخلي.
 (India's case for Swaraj ، ص371)
***
تعودت خلال حياتي على مواجهة التحريف؛ فهذه ضريبة كل من يعمل في الحقل العام، حيث سيجد صعوبة في إيجاد ملاذٍ يختبئ فيه. والحياة ستكون مرهقة إن كان علينا الردّ على كل تحريف، أو توضيحه. لهذا كانت هناك قاعدة اتبعتها في حياتي تقضي أن لا إشرح التحريفات إلاّ حين يكون هناك مبرر يقتضي التصويب. وهي قاعدة أنقذت الكثير من وقتي، وجنبتني القلق.
(الهند الفتاة، 27-5-1927، ص193)
***
إذا أثبتتْ أي من الأفعال، التي ندّعي أنها روحانية، بأنها ليست عملية ينبغي الإقرار بفشلها، لأني أعتقد أنّ أكثر الأفعال روحانية هي الأكثرها عملية في الحقيقة.
(هاريجان، 1-7-1937، ص181)
***
أعلن أني مجرد إنسان بسيط معرّض للخطأ كسواي من الفانين. وأقرّ، رغم هذا، بأن لدي ما يكفي من التواضع لأعترف بأخطائي وأصححّ خطئي. أقرّ بأن عندي إيمان لا يتزعزع بالله وطيبته وشغفه اللامتناهي للحب والحقيقة، ولكن: ألا يحمل كل إنسان هذا في  نفسه؟.
(الهند الفتاة، 6-5-1925، ص164)
***
أنا واع جداً لنواقص الأجناس التي أنتمي إليها إلى حدٍّ لا يمكنني فيه الغضب من أي فرد. وحلي للمشكلة هو في التعامل مع الخطأ أينما أصادفه، دون أن ألحق الأذى بفاعل الخطأ، تماماً كما لا أرغب رؤية نفسي معاقباً على الأخطاء التي أرتكبها باستمرار.
(الهند الجديدة، 12-3-1930، ص89 و90)
***
لا ينبغي لاختلاف الآراء أن يكون سبباً للعداوة، لأنه لو كانت هذه هي الحال، لكان يجب أن نكون - زوجتي وأنا - ألدَّ عدوين. لا أعرف شخصين في هذا العالم لا يختلفان في الرأي، وكأحد أتباع الغيتا، فقد حاولت دائماً النظر إلى من يختلف معي بنفس الودّ الذي أكنّه لأعز وأقرب الأشخاص إلي.
(الهند الفتاة، 17-3-1927، ص82)
***
ويصفونني بالمهاتما (المعلم)
... وأنا لا أشعر أني كذلك، لأني أعرف أنّي من أكثر خلق الله تواضعاً.
(الهند الفتاة، 27-10-1931، ص342)
***
في معظم الحالات، تتضمن الأقوال الموجهة إلي أهدافاً ليس بوسعي تحملها. واستعمالها ليس إيجابياً لمن يكتبها ولا لي شخصياً. إنها تتخزيني وبلا أية ضرورة، لأن علي أن أعترف بأني لا أستحقها. ولأنها حين تكون مستحقة فهي لا معنى لها. وليس من الممكن أن تدعم الصفات التي أحملها. لأنه بوسعها، إن لم أكن يقظاً، أن تدير رأسي بسهولة. لأن الخير الذي يفعله الإنسان هو غالباً أكثر من ذاك الذي لا يعبر عنه. كما أن التقليد هو أصدق أشكال التملق.
(الهند الفتاة، 21-5-1925، ص176)
***
لتكن هذه الأسطر تحذيراً لمن يريد تكريمي من خلال إقامة التماثيل وتعليق الصور. إنني أكره هذه المظاهر من كلِّ قلبي، وسيشرّفني إن قام أولئك الذين يؤمنون بي، بكل طيبة خاطر، بدعم الأفعال التي أقوم بها.
(هاريجان، 11-12-1939، ص1)
***
أقول إنّي إنسان متوسط  ذو إمكانات أقل من الوسط. كما أنني لا أنسب لنفسي أي فضل في ما وصلتُ إليه بعد جهدٍ جهيد في مجال اللاعنف وضبط النفس. لأنني لا يتملكني أدنى شك، أن بوسع أي رجل أو امرأة تحقيق ذلك إن بذل نفس الجهد، وحمل نفس الأمل ونفس الإيمان.
(هاريجان، 3-10-1936، ص269)
***
سأبقى منتقداً للخطأ في كل مرة يخطىء فيها الناس. والطاغية الوحيد الذي بوسعي القبول به هو ذلك "الصوت الذي ما زال خافتاً في داخلي". وحتى إن كان علي مواجهة احتمال أن أشكّل أقلية أكون فيها الشخص الوحيد، فإني أعترف بكل تواضع بأنّي أملك ما يكفي من الشجاعة للانتماء إلى هذه الأقلية التي لا أمل لها.
(الهند الفتاة، 2-3-1922، ص135)
***
[...] تحاول أن تحميني، لأن ذاك الذي في الأعالي يحمينا جميعاً، وبوسعكم أن تكونوا متأكدين من أنّ الساعة، حين تأتي، لن يكون حتى بوسع أشهر الناس في هذا العالم الحيلولة بيني وبينها.
(الهند الفتاة، 2 – 4- 1931، ص ص64 و65)
***
ليس بوسعي القول إني لا أغضب، لكنني لا أعطي متنفساً للغضب، بل أحاول تنمية ميزة الصبر لتخفيف الغضب، وبشكل عام، أنجح في ذلك. لكني أتحكم بغضبي حين يأتي فحسب. "كيف وجدت أنّ في الإمكان التحكم بالغضب؟" – هذا سؤال لا معنى له، لأنها مجرد عادة يتوجب على كلّ منا تنميتها في ذاته، وأن ينجح في التخلّق بها من خلال المِران الدائم.
(هاريجان، 11-5-1935، ص98)
***
لأني أعرف الطريق...
أنا أعرف الطريق؛ فهو مستقيم وقريب، ويشبه حدّ السيف. أنا أبكي حين أنام من جرّاء كلام الله : "أن من يسعى لا يفنى أبداً"، ولديّ إيمان عميق بهذا الوعد. ورغم أني بالنتيجة - لضعفي- فشلت آلاف المرات، إلاّ أني لم أفقد الإيمان، بل لدي أمل بأني سأرى النور حين أتمكن من إخضاع الجسد كليّاً، الأمر الذي لا بدّ أن يتحقق يوماً ما.
(الهند الفتية، 17-6-1926، الصفحة 215)
***
لستُ سوى باحثٍ عن الحقيقة. وأدّعي أنّي وجدت طريقاً إليها. وأدعي أني ثابرتُ كي أجدها، لكني أقرّ بأني لم أجدها حتى الآن. إذ لكي نجد الحقيقة بشكل كامل يجب أن نحقِّق ذواتنا ونحقق مصيرنا بمعنى أن نصبح كاملين. وأنا واعٍ  - بألم - لنواقصي، لكن قوتي كلّها تكمن في هذا الوعي لأنه من النادر أن يعي الإنسان محدويته.
(المرجع نفسه، الصفحة نفسها)
***
أيّاً كانت الأشياء التي قمت بها في هذه الحياة، فإني لم أقم بها بدافع من العقل، وإنما بدافع من الفطرة، إن لم أقل بدافع من الله.
(هاريجان، 11-12-1924، ص406)
***
ما من سُبُلٍ خفيّة لدي. ولا أعرف ديبلوماسيةً أسلم من الحقيقة، ولا سلاحاً سوى سلاح اللاعنف. وقد أضل الطريق عن غير وعي لفترة، لكن ليس طوال الوقت.
(الهند الفتاة، 11-12-1924، ص406)
***
أرفض الادّعاء بأني صاحب رؤيا، ولا أقبل الادّعاء بالقداسة. أنا من الأرض، أرضي... ومعرّض للكثير من الضعف مثلكم جميعاً، لكني رأيت العالم، وعشت فيه بعينين مفتوحتين، ومررت بأقسى المحن التي أسقطت الكثير من الرجال. واختبرت النظام.
(خطب وكتابات، الصفحة 531)
أطلب من أبناء بلدي – الهند - بألاّ يتبعوا إنجيلاً سوى ذاك الذي يدعو إلى التضحية بالذات، تلك التي تسبق كل معركة. وسواء كنتم تنتمون إلى مدرسة العنف أم مدرسة اللاعنف، ما زال عليكم عبور نار التضحية وتجاوز النظام.
(المرجع نفسه، ص532)
***
صحيح أنه تم التخلي عنّي مرات عديدة، وأنّ الكثيرين خيبوا أملي، وأنّ الكثيرين ينتظرون فعل ذلك، لكني لست نادماً على تعاملي معهم، لأني أعرف كيفية التعامل، كما أعرف كيفية عدم التعامل. إن أكثر الطرق عملية، وأجدى الطرق للمضي قدماً في عالمنا هذا، هو أن نعامل الناس حسبما يدّعون، طالما لا سبب يدعونا للتصرّف عكس ذلك.
(الهند الفتاة، 26-12-1924، ص430)
***
أمّا فيما يتعلق بقيادتي - إن كنت أتمتّع بها - فإنها لم تأتي من أي طلب، بل كانت نتاج الخدمة المخلِصة. إذ ليس بوسع المرء التهرّب من قيادة كهذه مثلما ليس بوسعه التهرب من لون جلده. وبما أني أصبحت جزءاً لا يتجزأ من هذه الأمة، فإنها ستحتفظ بي مع كل أخطائي وعيوبي التي أعي بعضها تماماً، كما لم يقصِّر في تنبيهي إلى بعضها الآخر العديد من النقّاد المخلصين.
(الهند الفتية، 13-2-1930، ص52)
***
حول رسالتي
هناك أكثر من مثال في حياتي العامة، وكذلك إمكانية للرّد، لكني تجنبت القيام بذلك، ونصحت أصدقائي بأن يقوموا بالمثل، لأني كرّستُ حياتي لنشر تلك العقيدة التي قرأتها في تعاليم أكبر معلمي العالم كزاردشت وماهافير ودانيال ويسوع ومحمد وناناك وكثيرين غيرهم.
(الهند الفتاة، 9-2-1922، ص85)
***
حين سأغدو عاجزاً عن فعل الشر، وحين تكفّ أفكاري، وعالمي، عن الانشغال - ولو مؤقتاً - بأي عملٍ قاس أو سيء، عندئذٍ، وليس قبل ذلك، سينتقل لاعنفي إلى قلوب العالم أجمع. ولستُ أضع بيني وبين القارىء أية استحالة لتحقق أي مبدأ أو لتجاوز أية محنة: إنها طبيعة الإنسان واستحقاقه منذ الولادة فحسب.
(المرجع نفسه، الصفحة نفسها)
***
لم أتوهّم يوماً بأن رسالتي ستكون كرسالة فارس جوال يبحث في كل مكان عن كيفية تخليص الناس من عُسرهم. فشاغلي المتواضع هو أن أبيّن للناس كيف يحلّون مشكلاتهم.
(هاريجان، 26-6-1942، ص201)
***
لا يوجد شيئاً اسمه الغاندية، ولا أرغب في أن أترك من بعدي أية طائفة، كما أني لا أدّعي خلق أي مبدأ جديد، أو أية عقيدة. لقد جربت، وحسب، طريقتي الخاصة لتطبيق الحقائق الأزلية في حياتنا ومشكلاتنا اليومية.
(الهند الفتاة، 2-12-1926، ص419)
***
فلتتحطم الغاندية إن أخطأت. لا يمكن تحطيم الحقيقة والأهيمسا، فإذا أصبحت الغاندية اسماً آخرَ للطائفية، فإنها تستحق أن تغدو جديرةً بالتدمير. لأنني إذا أتيح لي - بعد مماتي - أن أعرف أنّ ما ناضلت من أجله قد سقط في الطائفية فإني سأغتمُّ كثيراًً...
( هاريجان، 15-7-1939، ص197)
***
اللاعنف يعني، من منطلق مشروطيته الديناميكية، التألم الواعي. إنه لا يعني الخضوع لإرادة فاعل الشرّ، بل يعني وضع الروح الكلية للمرء مواجه إرادة الطاغية. لأننا حين نعمل من منطلق هذا القانون فسيغدو المرء قادراً على تحدّي جبروت كل إمبرطورية غير عادلة، وأن ينقذ شرفه ودينه وروحه، وأن يؤسس لسقوط هذه الإمبرطورية، أو ولاددتها من جديد.
(المصدر نفسه، الصفحة نفسها)
***
أريد للهند أن تعي بأنّ لها روحاً غير قابلة للفناء، وأن بوسعها الازدهار متجاوزةً كل ضعف مادي، فتتحدى التعامل المادي للعالم بأسره.
(الهند الفتاة، 11-8-1920، ص ص3 و4)
[...] ليس هذا فحسب، بل إنّ عقيدتي ووطنيتي نابعتان من واقع أن ديني يشمل الحياة كلها. لذلك تراني لا أريد تحقيق الأخوة أو التماثل، وبشكل أساسي، بين تلك الكائنات المدعوة البشرية فحسب، وإنما أريد تحقيق التماثل مع الحياة ككل، حتى مع الزواحف الأرضية... لأننا جميعاً ندّعي بأن الخالق ذاته خلقنا، ولأننا على هذا النحو، فيجب أن تكون كافة أشكال الحياة، مهما تنوعت، متميزة.
(الهند الفتاة، 4-4-1929، ص107)
***
تطلعي محدود، فالله لم يعطني المقدرة على قيادة العالم في طريق اللاعنف. لكني تخيلت أنه اختارني أداةً له من أجل تقديم اللاعنف للهند كطريق تعالج بوساطتها مع أمراضها الكثيرة. وما حققناه في هذا المجال من تقدم شيء كبير، لكن لا يزال أمامنا تحقيق الكثير.
(هاريجان، 23-7-1938، ص193)
***
إني خائف، بشكل أو بآخر، من زيارة أوروبا وأمريكا. وهذا ليس لأني لم أعد أثق بشعوب هذه القارات كما لم أعد أثق بشعبي، لكن السبب هو أني لا أثق بنفسي. فأنا لا أريد الذهاب إلى الغرب بحثاً عن الصحة أو للتمتع بالمناظر. كما أني لا أرغب في إلقاء الخطب العامة. وأكره أن أصوَّر كأسد. وأتساءل إن كنت مازلت أمتلك الصحة لأواجه التوتر الناجم عن إلقاء خطبة أمام الجمهور أو المشاركة في مظاهرة عامة. (هاريجان، 11-2-1939)
الصوت الذي في داخلي
هناك لحظات في حياتك تجعل الفعل واجباً، لكن حتى في هذه الحال لن يكون بوسعك جلب صديقك معك. يجب أن يكون ذلك "الصوت الخافت" الذي في داخلك هو الحَكَم دائماً عندما تواجه صراعاً يتعلّق بالواجب.
(الهند الفتاة، 4-8-1920، ص3)
***
لا تثق إلاّ بنفسك. عليك محاولة الاستماع إلى الصوت الداخلي، وإن لم تكن تعرف عبارة "صوت داخلي"، فبوسعك استخدام عبارة "أوامر العقل" التي يجب الامتثال لها. لأنك إن كنت لن تدعو لله، فأنا واثق أنك ستدعو لشيْ آخر سيثبت في النهاية أنه الله، لأنه، ولحسن حظنا، لا يوجد أحد، ولا يوجد شيء، في هذا الكون سوى الله.
(بومباي كرونيكال، 18-11-1932)
***
قبل أن يتمكن المرء من الاستماع إلى ذلك الصوت، عليه اجتياز درس مِران طويل وملائم من الخدمة. لا يمكن استغفال الناس لوقت طويل، لذلك لا يوجد أي خطر من انتشار الفوضى إن لم يستبعد رجل متواضع مثلي، (رجل) كانت له جرأة الدعوة لسلطة الصوت الداخلي، وصدَّق ما سمع عنه.
(هاريجان، 18-3-1933، ص8)
***
يعتقد بعضهم أن الله ذاته من اختراع مخيّلتنا. إن كان هذا المنظور صائباً فعندئذٍ ما من شيء حقيقي، وكل الأشياء محض خيال. الصوت بالنسبة لي حقيقيّ أكثر من وجودي نفسه؛ فهو لم يخذلني قطّ، وبهذا الخصوص، لم يخذل أحداً. وبوسع أيٍّ كان الاستماع إليه لو أراد، لأنه موجود في كل منّا. لكنه، كأي شيء آخر، يحتاج للقليلٍ من الاستعداد.
(هاريجان، 8-7-1933، ص4)
***
صيامي...
ديني يعلمني أنه حين تحلّ مصيبة يستحيل تجنبها، فإن كل ما بوسع المرء فعله هو الصوم والصلاة.
(الهند الفتاة، 25-9-1924، ص319)
***
لا أتحمل مسؤولية هذا الصوم، ولست أصوم لأتسلى، ولن أعذب جسدي طلباً للشهرة. إذ حين أشير إلى أني أتحمل - بغبطة - آلام الجوع وغيرها من المنغصات التي يسببها الصوم، فلا تعتقدوا أني لا أتعذب. لكن يمكنني تحمّل هذا الصوم فقط لأنه مفروض علي من سلطة عليا تمنحني القدرة على تحمله.
(هاريجان، 24-8-1924، ص223)
***
الصوم الحقيقي يُطهِّر الجسد والعقل والنفس. إنه يقوّي الجسد إلى حدٍّ يجعل النفس حرة. أما الصلاة الصادقة فبوسعها فعل المعجزات، لأنها تعبِّر عن توق النفس المُلِّح إلى مزيدٍ من الطهارة. وعندما تستخدم هذه الطهارة المكتسبة لأجل غاية نبيلة تتحول إلى صلاة.
(الهند الفتاة، 24-3-1920، ص1)
***
قناعتي الخاصة والراسخة هي أن قوة الروح قادرة على قهر الجسد.
(الهند الفتاة، 23-10-1924، ص354)
***
هناك شيء له علاقة بالامتناع عن إشباع رغبات الجسد. إذ تستحيل رؤية وجه الإله ما لم نصلب هذا الجسد، لأن تلبية احتياجات الجسد كهيكل للألوهة شيء، ورفضه كجسد بحد ذاته شيء آخر.
(هاريجان، 10-12-1938، ص373)
***
لقد قاومت هذا بنجاح في أعمال الصوم[2] التي قمت، أو هددت، بها. وإذا كان الخيط الذي يفصل بين الغايات االأنانية وغير الأنانية موضوع جدلٍ ورقيقٍ جداً، فإني أؤكد أن الشخص الذي يتطلع إلى نهاية الصيام هو شخص أناني وإلاّ يجب أن تتغير القاعدة بحيث تصبح رفض الاستسلام حتى وإن أدى هذا إلى موت الصائم. لأن الناس إذا ما اعتادوا تجاهل الصوم الذي بات يستخدم، من وجهة نظرهم، لغايات غير جديرة، فإن الصوم سوف يفقد صفة الإكراه الفعال، ويفقد تأثيره الذي أضحى بلا مبرر.
(الهند الفتاة، 1-5-1924، ص145)
***
ككل المؤسسات الإنسانية، يمكن استخدام الصوم لغايات مشروعة، أو لغايات غير مشروعة. لكن، كسلاح كبير في مخزون أسلحة الساتياغراها[3]، لا يمكن التخلي عنه بسبب أضراره الممكنة.
(هاريجان، 9-9-1933، ص5)
***
تناقضاتي
أرفض أن أكون عبداً للماضي، أو أن أمارس شيئاً ليس بوسعي تفهمه أو الدفاع عنه استناداً إلى قاعدة أخلاقية.
(الهند الفتاة، 21-7-1921، ص228)
***
يؤكد الأصدقاء الذين يعرفونني أني متطرف بقدر اعتدالي، ومحافظ بقدر راديكاليتي. رغم أني، وربما لحسن طالعي، لدي أصدقاء متطرفون من كل الأنماط. ويعود هذا الخلط، حسبما أعتقد، إلى فهمي الخاص للأهيمسا[4].
(الهند الفتاة، 13-2-1930، ص52)
***
لم يكن التناغم وثناً بالنسبة لي يوماً، لأني مريد حق وعلي أن أعبّر عما أشعر وأفكر به في لحظة معينة حول مسألة ما، دون أن آخذ بعين الاعتبار ما سبق لي أن قلته. ... فمع جلاء رؤيتي تتوضّح نظرتي) من خلال الممارسة العملية. وحين أبدّل رأيي سيبدو التغيير واضحاً، لكن النظرة العميقة وحدها تستطيع أن تميز تطوراً تدريجياً قد لا يبدو ملحوظاً للوهلة الأولى.
(الهند الفتاة، 28-9-1934، ص260)
***
لا يهمني إن كنت قد فعلت شيئاً واحداً في حياتي من منطلق نفعي، لأني اعتبرت أن أقصى درجات الأخلاقية هي - دائماً - أقصى درجات النفعية.
(هاريجان، 8-12-1933، ص8)
***
غالباً ما اتُّهمت بأني عنيد الطباع، وأُخبرت بأني لا أنصاع لقرارات الأغلبية. واتُّهمت بأني متسلط. ... لكني لم أستطع البتة قبول تهمة العناد، ولا تهمة التسلط. بل بالعكس، أنا أفاخر بطبعي المرن في كل القضايا غير الحيوية. كما أني أكره التسلط. إذ إني أُقدِّر حريتي واستقلالي بقدر ما أقدِّس هذه الأمور لدى الآخرين، لأني لا أرغب في أن تتبعني نفسٌ واحدة إن لم يكن بوسعي مخاطبة عقلها.
(هاريجان، 5-9-1936، ص237)
***
حياة الإنسان عبارة عن سلسلات من التسويات، ما يعني أنْ ليس من السهل أن ننجز على أرض الواقع ما كنا نعتقد أنه صحيح من الناحية النظرية.
(هاريجان، 5-9-1936، ص237)
***
حول كتاباتي
لقد أصبح تلعثمي في الكلام، والتي كانت ذات يوم مصدر إزعاج بالنسبة لي، مصدراً للمتعة. وفائدتها الرئيسة هي أنها علمتني الاقتصاد في الكلمات. كما تكونت لدي عادة كبح أفكاري، بحيث بات بوسعي الآن أن أشهد أنه نادراً ما خرجت من فمي، أو قلمي، أية كلمة باستهتار. ولا أتذكر البتة أني ندمت على أي شيء قلته في خُطبي أو كتاباتي، الأمر الذي جنبني الكثير من الحوادث المؤسفة، ومن ضياع الوقت.
(سيرة ذاتية، أوقصة تجاربي مع الحقيقة، ص45)
***
لا مكان لغير الحقيقة فيما أكتب، لأن عقيدتي التي لا تتزعزع هو أن لا دين سوى الحقيقة، ولأني قادر على رفض أي شيء حصلت عليه على حساب الحقيقة.
(نفس المصدر)
***
قد لا يتخيل القارىء مقدار الكبح الذي أمارسه من أسبوع لأسبوع حين أختار مواضيعي وكلماتي، لكنه تدريب بالنسبة لي. تدريب يسمح لي أن أُغنّي في داخلي، وأن أكتشف نقاط ضعفي. لأن غروري غالباً ما يملي علي عبارةً ذكية، أو يملي علي غضبي سلوكاً قاسياً. لكن اقتلاع هذه الأعشاب الضارة محنة قاسية، وتدريباً حسناً في الوقت نفسه.
(الهند الفتاة، 2-7-1925، ص232)
***
أكتب كيفما تقودني الروح لأن أكتب. ولا أدعي البتة بأني أعرف بالمطلق ما إن كانت كل الأفكار الواعية، والأفعال التي قمت بها، كانت بدافع من الروح. لكنه حينما أتمعن في الخطوات الكبيرة التي اتخذتها في حياتي، وحتى تلك التي يمكن اعتبارها بالصغيرة، أتفكر بأنه ليس من الخطأ أن أقول إنها كانت بوحي من الروح.
(سيرة ذاتية أوقصة تجاربي مع الحقيقة، ص206)
***


الفصل الثاني

حول الحقيقة

بعضاً من إنجيل الحقيقة
لأن الجميع يدّعي، في اللحظة الراهنة، أحقية الضمير من دون الاستناد إلى أية قاعدة على الإطلاق، ولأن الكثير جداً من الكذب يُقدَّم لعالمنا المشوش، فإن كل ما بوسعي تقديمه لكم، وبمنتهى التواضع، هو أنه لا يجب البحث عن الحقيقة لدى أي شخص لا يتمتع بأقصى درجات التواضع، لأن من الواجب عليك أن تغدو صفراً إن كان عليك عبور محيط الحقيقة.
(الهند الفتاة، 31-12-1931، ص428)
***
[...] لكني أعبد لله كحقيقة فقط. لم أجده بعد، لكني أسعى إليه. وأنا مستعد للتضحية بأعز ما أملك من أجل تحقيق هذا الهدف. وحتى لو كانت هذه التضحية تتطلب مني حياتي، فإن كل أملي هو أن أكون مستعداً لذلك. لكن طالما لم أحقق هذه الحقيقة المطلقة، فسأبقى مرتبطاً بتلك الحقيقة النسبية التي أتصورها. وهذه الحقيقة النسبية ستبقى، حتى ذلك الحين، منارتي، والدرع الذي يحميني. ورغم أن هذا الدرب مستقيم وضيق وحاد كنصل شفرة، إلاّ أنه بالنسبة لي كان الأسرع والأسهل، فحتى أخطائي الفاضحة كانت تبدو بالنسبة لي تافهةً لأني تمسكت به بحزم. فهذا الدرب أنقذني من الشعور بالحزن الذي تجاوزته على ضوء النور الذي يضيء طريقي. وغالباً ما كنت أشعر خلال مسيرة تطوري بأني ألقي نظرات خاطفة على الحقيقة الكلّية التي هي الله. ويوماً بعد يوم كانت قناعتي بأنه وحده الحقيقي، وبأن كل شيء آخر غير حقيقي، تزداد رسوخاً.
***
يجب أن يكون الساعي إلى الحقيقة أكثر تواضعاً من الغبار. العالم يسحق الغبار تحت أقدامه، أما الساعي إلى الحقيقة فعليه أن يكون أكثر تواضعاً بحيث يكون بوسع حتى الغبار أن يسحقه. عندئذ فقط، وليس قبل ذلك، يكون بوسعنا إلقاء نظرة خاطفة على الحقيقة.
(سيرة ذاتية أو قصة تجاربي مع الحقيقة، ص15)
***
خلال المسيرة نحو الحقيقة، يتنحى الغضب والأنانية والحقد.. إلخ، جانباً، لأنه لولا هذا لكان من المستحيل الوصول إلى الحقيقة. إذ من الممكن أن تكون عند الإنسان، الذي تتحكم به العواطف، ما يكفي من النيات الطيبة، وأن يكون صادقاً في كلامه، ورغم ذلك لن يجد الحقيقة مطلقاً. لأن البحث الناجح عن الحقيقة يعني التحرر الكامل من ركام الثنائيات كالحب والكراهية، والسعادة والبؤس.
(نفس المرجع السابق، ص ص254 و255)
***
حتى يكون بوسع المرء أن يرى الكونيّ، وأن يواجه الحقيقة المنتشرة في كل مكان، عليه أن يكون قادراً على حب ما تعنيه الخليقة ككل واحد. والإنسان الساعي إلى ذلك ليس بوسعه أن يتحاشى أي حقل من حقول الحياة. لهذا السبب جرّني حبي الشديد للحقيقة إلى حقل السياسة؛ وهنا بوسعي أن أقول دون أي تردد، وبكل تواضع، إن الذين يقولون بأن ليست هناك علاقة للدين بالسياسة، لا يفقهون معنى الدين.
(المرجع نفسه، ص ص370 و371)
***
تكمن الحقيقة في قلب كل إنسان، وعلى المرء أن يبحث عنها هناك، وأن تقوده الحقيقة كما يراها. لكن لا يحق أحد إرغام الأخرين على العمل وفق رؤيته الخاصة للحقيقة.
(هاريجان، 24-11-1933، ص6)
***
الله وحده يعلم ماهية الحقيقة المطلقة. لذا، غالباً ما قلت إنّ الله هو الحقيقة. وما ينتج عن هذا الفهم هو أنْ ليس بوسع الإنسان، ككائن محدود، أن يعرف ماهية الحقيقة المطلقة.
( هاريجان، 7-4-1946، ص70)
***
حين أحاكم نفسي يتوجب علي أن أكون قاسياً كالحقيقة، وأن أرغب في أن يكون الآخرون كذلك. لأني حين أقيس نفسي وفق هذا المعيار أصرخ مع سورداس (شاعر هندي أعمى عاش في القرن السادس عشر):
هل من تعيس،
مؤذٍ وكريه مثلي؟
لقد تخلى الخالق عنّي،
بقدر ما كنت ضعيف الإيمان.
(سيرة ذاتية أو قصة تجاربي مع الحقيقة، ص16)
***
أنا باحث متواضع وجادّ جداً عن الحقيقة. وخلال بحثي تعاملت مع كل الرفاق الذين تبعوني بمنتهى الثقة، وبحيث يكون بوسعي دائماً معرفة أخطائي وتصحيحها. وأعترف بأني كثيراً ما أخطأت في تقديراتي وأحكامي... وبمقدار ما كنت، في كل حالة، أراجع خطئي، لم يحصل أي ضرر مستديم نتيجة لذلك بل، بالعكس، أصبحت الحقيقة الأساسية للاعنف أوضح من أي وقت مضى، ولم يتأذَّ البلد بشكل مستديم.
(الهند الفتاة، 21-4-1927، ص126)
***
أولئك الذين ربما خُدعوا بالقدوة التي أقدِّمها كانوا سيتخذون نفس المنحى إن لم يعلموا شيئاً عن عملي، لأن ما يقود سلوك المرء، في نهاية المطاف، هو ما تمليه عليه ردود أفعاله الداخلية المباشرة، رغم أنه قد يقتدي أحياناً بالآخرين. لكن حتى لو كانت هذه هي الحال، فإني أعلم أنّ العالم لم يتألم يوماً بسبب أخطائي لأن مردّها كلّها كان بسبب جهلي. إذ أنّ قناعتي الراسخة هي أن أياً من أخطائي لم يكن مقصوداً.
(الهند الفتاة، 3-1-1929، ص6)
***
صدقوني حين أقول لكم، بعد 60 سنة من التجربة الشخصية، أن البلية الحقيقية تكمن في التخلي عن طريق الحقيقة. لأنك إن لم تفعل شيئاً سوى تحقيقه، فإن صلاتك الوحيدة لله ستكون دائماً أن تتمكن من التعبير بلا خوف، وأياً كانت التجارب والصعوبات التي ستصادفها أثناء بحثك عن الحقيقة. (غير مفهوم، إعادة صياغة)
(هاريجان، 28-7-1946، ص243)
***
يجب أن يبقى إيمان الإنسان في الحقيقة راسخاً ، حتى وإن بدا بأن العالم كله قد تبنّى الضلال.
(هاريجان، 22-9-1946، ص322)
***
الله هو الحق
هناك قوة غير محددة وغامضة تحيط بكل الأشياء. إنني أشعر بها، رغم أني لا أراها. إنها تلك القوة التي تجعلك تشعر بها، وتجعلك تتحدى كل البراهين لأنها تتجاوز كل ما أتلمسه بحواسي؛ فهي تعلو على الأحاسيس. لكنّ العقل بوسعه، إلى حد ما، أن يستنتج وجود الله.
***
لم أَرَه، ولم أتعرَّفه، لكني جعلت من إيمان العالم بالله إيماني، ولما كان إيماني لا يزول، فقد اعتبرت هذا الإيمان دليلاً على التجربة. لكنني، لما كان من الممكن أن نقول إن وصف الإيمان بالتجربة هو تلاعب بالحقيقة، أجد أن الأصح ربما هو أن أقرّ بأني لا أملك تعبيراً بوسعه أن يصف إيماني بالله.
(سيرة ذاتية أو قصة تجاربي مع الحقيقة، ص206)
***
في شبابي المبكّر تعلمت أنْ أردد أنّ الكتابات الهندوسية تعرف ألفَ إسمٍ للإله، لكن تلك الأسماء الألف لم تكن حصرية بأي شكل. فنحن نؤمن، وأنا كذلك أعتقد، بأن هذه هي الحقيقة – أن لله من الأسماء بمقدار عدد الكائنات. لهذا نقول أيضاً أنّ الإله لا أسماء له. وبما أن لله العديد من الأشكال، فنحن نعتبره بلا شكل. وبما أنه يتحدث بعدة ألسن، فإننا نعتبره لا يتكلم، وهكذا...، وقد وجدت هذا أيضاً حين درست الإسلام، فاكتشفت أن لله العديد من الأسماء في الإسلام كذلك.
***
الحقيقة والجمال
الحقيقة هي أول شيء نتفكر به. بعد ذلك يأتي الجمال، وتأتي الطيبة، فتترسخان فينا. لقد كان المسيح، من منظوري العقلي، فناناً كبيراً جداً لأنه رأى الحقيقة وعبّر عنها؛ وهكذا كان أيضاً محمد، وكان القرآن من هذا المنظور – وبكل المقاييس - التعبير الذي يقارب الكمال في الأدب العربي ككل، كما قال العلماء. وهذا يعود إلى أنّ كليهما (المسيح ومحمد) كانا يسعيان إلى الحقيقة أولاً، ما جعل جمال العبارة تأتي بشكل طبيعي. ورغم هذا، لم يكتب المسيح أو محمد شيئاً حول الفن. إنما هي الحقيقة التي أحنّ إليها، وأعيش من أجلها، وأنا مستعدٌّ للموت في سبيلها.
(الهند الفتاة، 20-11-1924، ص386)
***
الوجه الجميل، بالنسبة للفنان الحقيقي، هو ذلك الذي، بمعزل عن مظهره الخارجي، يشعّ بالحقيقة من خلال روحه؛ إذ... لا وجود للجمال بمعزلٍ عن الحقيقة. ومن جانب آخر يمكن للحقيقة أن تتجلى بعدة أشكال قد لا تكون من حيث المنظور الخارجي جميلة بالنسبة للجميع. فسقراط - كما سمعنا - كان أصدق رجل في زمانه، ورغم هذا قيل عن وجهه إنه كان الأكثر دمامةً في اليونان. من منظوري، كان سقراط جميلاً لأنه سعى إلى الحقيقة طوال حياته. وبوسعكم هنا أن تتذكروا أن شكله الخارجي لم يمنع فيدياس من تقدير جمال حقيقته الداخلية، رغم أنه كان معتاداً - كفنان – على رؤية الجمال في الأشكال الخارجية أيضاً.
(الهند الفتاة، 13-11-1924، ص377)
***


الفصل الثالث

في تجاوز الخوف

من إنجيل "من لا يخاف"
الشرط الأول للروحانية هو عدم الخوف؛ إذ ليس في مقدور الجبناء أن يكونوا أخلاقيين.
(الهند الفتاة، 13-10-1921، ص323)
***
لا يوجد الدين حيث يوجد الخوف.
(الهند الفتاة، 2-9-1926، ص308)
***
عدم الخوف يعني التحرر من كل المخاوف الخارجية – كالخوف من المرض، ومن أذية الجسد، ومن الموت، ومن فقدان ما نملك، ومن فقدان القريب أو الحبيب، ومن فقدان السمعة، أو من الإهانة، وهكذا.
(الهند الفتاة، 11-9-1930، ص ص1 و2)
***
[...] وهكذا نكتشف أن كل المخاوف هي من صنع مخيلاتنا، ما يعني أنّ الخوف لن يبقى له مكان في قلوبنا حين نلقي جانباً تمسكنا بالثروة من أجل العائلة، ومن أجل الجسد. "تينا تياكتينا بهونديتاه" (استمتع بالأشياء الأرضية عبر تخليك عنها) هو تعليم نبيل. في هذه الحالة، يصبح كل من الثروة والعائلة والجسد سواسية؛ وعلينا فقط تغيير مسلكنا تجاهها، لأنها جميعها ليست لنا بل لله، لأننا لا نملك شيئاً في هذا العالم، حتى وإن كان هو يملكنا. فلماذا، إذاً، علينا أن نخاف؟
***
[...] لهذا تعلمنا الأوبانيشاد "أن نتخلى عن تعلقنا بالأشياء التي نستمتع بها". ما يعني، أنه يجب علينا التعامل معها ليس كمالكين لها بل كمؤتمنين عليها. فالذي جعلنا نستحوذ عليها سيعطينا القوة والسلاح الضروريين في مواجهة كل المهاجمين.
***
فلنخشَ الله، وسنكفّ عن الخوف من الإنسان.
(كتبات وخطابات الماهاتما غاندي، ص130)
***
عدم الخوف لا يعني التبجح أو العدوانية؛ فهذه المظاهر هي بحد ذاتها من علامات الخوف، لأن عدم الخوف يفترض الهدوء وراحة البال. لذا من الضروري أن تكمن حياتنا في مخافة الله.
(هاريجان، 3-11-1946، ص388)
***
على كل امرىء تعلُّم فنّ الدفاع عن النفس. وعلينا تلقُّن هذه الحالة الذهنية عوضاً عن تدريب أجسامنا على الرّد، لأن تدربنا الذهني كان متماهياً مع شعورنا بالعجز. والشجاعة ليست صفة جسدية بمقدار ما هي روحية. فكم رأيت من الجبناء المفتولي العضلات، وكم رأيت شجاعةً نادرة كامنة في أجسام نحيلة... لذلك، على الأضعف بيننا تعلّم فنّ مواجهة المخاطر، ومحاسبة جيدة للنفس.
(الهند الفتاة، 20-10-1921، ص335)
***
في هذا البلد، الذي يسوده محو الذات والخجل المقارب حدّ الجبن، ليس بوسعنا امتلاك الكثير من الشجاعة، أو الكثير من روح التضحية... وأنا أريد... أكبر شجاعة للخانع واللطيف واللاعنفي، تلك الشجاعة التي بوسعها رفع العوارض من دون أذى، أو حمل أي فكرة بالإضرار بأي روح.
(الهند الفتاة، 2-4-1931، ص58)
***


الفصل الرابع

في الإيمان

من إنجيل الإيمان
سرعان ما يصل المرء من دون إيمان إلى العدم. والإيمان الحق هو اعتناق التجربة الصائبة لأناس نعتقد أنهم عاشوا حياتاً حررتها الصلاة والتوبة. وهذا يعني إنّ الإيمان بالأنبياء والوحي، المستمرّ منذ زمنٍ بعيد ليس مجرّد وهم، وإنما تلبيةُ حاجةٍ روحية داخلية.
(الهند الفتاة، 14-4-1927، ص120)
***
العقلانيون مخلوقات رائعة، أما العقلانية فوحشٌ كريه حين تدعي كلية قدرتها. فإعطاء صفة القدرة الكلية لمنطق سيئ كضرب من الإعجاب الأعمى بمقام جذع شجرة مقطوع، أو بحجرٍ، معتقدين أنه إله.
(الهند الفتاة، 14-10-1927، ص359)
***
دعوني أشرح لكم ما أعنيه بالدين: إنه قطعاً ليس الديانة الهندوسية التي أقدِّرها حتماً أكثر من باقي الديانات، بل الدين هو ما يسمو فوق الهندوسية، فيغير طبيعة كل شخص، ويربط الشخص بشكل لا ينفصم بالحقيقة التي يطَّهر المرء من خلالها. إنه العنصر الراسخ في الطبيعة البشرية التي لا تبخل بأي ثمن لكي تبلغ كامل تحققها، ولا تدع للنفس مجالاً للراحة حتى تتعرّف إلى نفسها، فتعرف خالقها، وتقدِّر حقيقة التطابق بين الخالق وبين الذات.
(الهند الفتاة، 12-5-1920، ص2)
***
هو نفس الشيء؛ فحين أقول إني أضع خلاصي أعلى من أي شيء آخر، أعلى من خلاص الهند، فهذا لا يعني إنّ خلاصي الخاص يتطلب التضحية بخلاص الهند السياسي، أو بخلاص أي شخصٍ آخر، بل يعني بالضروة أنّ كلاهما مترافقان.
(الهند الفتاة، 23-2-1922، ص123)
***
هذا هو الدين (بمعنى الدهارما) الموافق للكتب المقدسة، والمتّبع من قبل الحكماء، والمفسَّر من قبل المعلّمين، والذي يدعو إليه القلب. لأن الشروط الثلاثة الأولى يجب أن تتحقق قبل أن يتجاوب الشرط الرابع. لذا فهو ليس في متناول أحد من أتباع وصايا رجل جاهل أو وضيع، وإن كانت يعو للشيء ذاته. لأن اتِّباع نظام "عدم الأذى" الصارم، وعدم النزاع ونكران الذات، يعدُّ من أول المتطلبات التي تؤهل الشخص بأن يبشّر بالشرع (بمعنى الدهارما).
(هاريجان، 17-11-1946، ص397)
***
لدي قناعة مطلقة بأنّ أي دين ليس بوسعه الاستمرار عن طريق القوة الغاشمة. بل بالعكس، من يرفع السيف بالسيف يُقتل.
(هاريجان، 9-3-1934، ص29)
***
الروحي يتضمن الأخلاقي. [...] عبر مسيرتي كمصلح، نظرت إلى كل الأشياء من منظور أخلاقي. فسواء كنت منهمكاً في معالجة قضية سياسية أم إقتصادية كان الجانب الأخلاقي يقحم، ويفرض، نفسه على موقفي بمجمله.
(هاريجان، 9-3-1935، ص51)
***
عدد الأديان على أرض الواقع كعدد البشر.
(القواعد الهندية، ص39)
***
معنى الألوهة
الله ذاته هو الشرع وواهب الشرع، والتساؤل حول من خلقه لا يجوز أن يطرح، على الأقل، من قبل مخلوق تافه كالإنسان. فالإنسان بوسعه صنع كرسي، لكن ليس في مقدوره صنع الخشب. لكن بوسعه، رغم هذا، تصوير الله في خياله بعدة طرق. لذلك كيف بوسع الإنسان غير القادر على خلق النهر أو الخشب، أن يخلق الله؟ ما يعني أن خلق الله للإنسان حقيقة لا تقبل النقاش، وكل ما سوى ذلك مجرد وهم. يبقى أن بوسع أيّ كان - إن أراد - أن يقول إنّ الله ليس
الصانع، وليس السبب، وإنه قادر على التنبؤ بالاثنين.
(هاريجان، 14-4-1946، ص80)
***
ليكن ذلك واضحاً. إنّ الكليّ القدرة ليس شخصاً مثلنا، لأنه أكبر قوة حية أو قانون في العالم، ما يعني أن أفعاله ليست مزاجية، وأن قانونه لا يقبل أي تحسين أو إضافة. وأن إرادته ثابتة لا تتغير، أما كل ما تبقى فيتغير بلمح البصر.
(هاريجان، 28-7-1946، ص233)
***
الله كلّي الطيبة لذا، فهو لا يتضمن أيّ شر. لقد خلق الله الإنسان على صورته. لكن لسوء حظنا، تصوَّره الإنسان على شاكلته أيضاً. وهذا الانتحال هو الذي أوقع الإنسان في خضم بحر من المشاكل.
الله هو الخيميائي الأكبر. ومن خلال وجوده يتحول كل حديد وخبث إلى ذهب صاف، ويتحول كل شرّ إلى خير.
***
من غير الممكن تحقيق الله عن طريق الفكر؛ فالفكر بوسعه أن يقود الإنسان إلى حدٍّ لا يمكن تجاوزه. القضية قضية خبرة، والخبرة تنبع من الإيمان. والإنسان بوسعه - من أجل ذلك - أن يستند إلى تجربة شخص أفضل، أو إلى تجربته الخاصة. لكن الإيمان الكلّي لا يحتاج إلى التجربة.
(هاريجان، 4-8-1946، ص249)
اليوم، في الغرب، ترى الناس يتحدثون عن المسيح، لكنّ الحقيقة هي إنّ المهيمن الذي يتحكم بحياتهم هو نقيض المسيح. والأمر نفسه في الإسلام، فهناك أناس يتحدثون عن الإسلام، لكنهم في الحقيقة يتّبعون طريق الشيطان. [...] لو اتَّبع الناس طريق الله، لما كان هناك في هذا العالم أيّ فساد، ولا أيّ استغلال، حيث يزداد الأغنياء غناً والفقراء فقراً، وحيث الجوع والعري والموت يصفع المرء على وجهه. لا يوجد - ههنا – ما يشير إلى مملكة الله، وإنما إلى مملكة إبليس، مملكة رافانا أو نقيض المسيح. لا يمكننا تحقيق ملكوت الله في عالمنا بمجرد النطق باسم الله، برؤوس شفاهنا، لأن سلوكنا يجب أن يتوافق مع طرائقه، وليس مع طرائق الشيطان.
(هاريجان، 23-6-1946، ص ص186 و187)
***
يقال في الڤيدانتا[5]  إنّ العالم مايا (أي: وهم، وفق الفلسفة الهندية)، لكن حتى هذا التفكير إنما يدلّ على نقص في الإنسانية. لذا، لن أشغل رأسي بالأمر. وحتى لو مكّنني الأمر من الولوج إلى غرفة الله فلن آبه له، إذ لا يجب أن أعرف ما الذي عليّ فعله هناك، حيث يكفي لنمونا الوحي أن نعرف أنّ الله مع فاعل الخير دائماً. هذا التفسير أيضاً تفسير ريفي.
(هاريجان، 7-9-1935، ص233)
أنا أؤمن (ولا أؤمن في الوقت نفسه) بالمعجزات، لأنّ الله لا يعمل عن طريق العجائب، بل العقل الإلهي يعلن عن ذاته عبر ومضةٍ تبدو للإنسان كمعجزة. إننا لا نعرف الله، بل نعرفه فقط من خلال عمل شريعته، لأن الله وشريعته واحد، وما من شيء خارج هذه الشريعة. فلا الهزات الأرضية ولا العواصف بوسعها أن تحدث، ولا حتى عشبة بوسعها أن تنمو من دون مشيئته. والشيطان موجود فقط من أجل شقائه، وهو ليس مستقلاً عن الله.
(هاريجان، 7-4-1946، ص75 و76)
***
[...] هذا يعني إنّ الإيمان بالأنبياء وبالذين عاشوا في الأزمنة الغابرة ليس مجرد وهم، إنما هو حاجة روحية عميقة.
(الهند الفتاة، 14-4-1927، ص120)
***
هو وشريعته واحد، لأن الشريعة هي الله. ما يعني أن كل ما يعزى إليه ليس مجرد صفة؛ فهو الحقيقة والحب والشريعة وملايين الأشياء الأخرى التي بوسع الإبداع الإنساني تسميتها.
(هاريجان، 16-2-1934، ص4)
***
معرفتي بغايته محدودة. ومصائب كهذه ليست مجرد نزوة من نزوات الألوهة أو الطبيعة؛ فهي خاضعة لقوانين كالنجوم التي تتحرك وفق قوانين تحدد مسيرتها. ونحن لا نعرف قط القوانين الناظمة لتلك
الحوادث التي ندعوها مصائب أو اضطرابات.
(هاريجان، 2-2-1934، ص1)
***
من وجهة نظري، ما راما أو الرحمن أو أهورَمَزدا أو الله أو كريشنا سوى محاولات من قبل الإنسان لتسمية تلك القوة غير المرئية والتي تفوق كل القوى. وهي متأصلة في الإنسان الساعي - دونما كلل - إلى الكمال، مهما كانت محدودية فكره. فكما يحاول الطفل الوقوف فيقع ثم يقع لكي يتعلم المشي، كذلك الإنسان، رغم كل ما يمتلكه من ذكاء، تراه كالطفل الصغير مقارنة بلامحدودية الله الذي لا يحدّه الزمان. ما أقوله قد يبدو مبالغاً فيه، لكن ما يستطيعه الإنسان هو فقط وصف الله بلغته الفقيرة.
(هاريجان، 18-8-1946، ص267)
***
يا إلهي
عندما كنت طفلاً، علمتني مربيتي أن أردد اسم راماناما[6] (بمعنى: يا الله! (اسم رام يعني: الأول)) حينما أشعر بالخوف أو التعاسة، لكنه، مع تطور معرفتي وبتقدم السنين، أصبح طبيعة ثانية لي. إلى حدٍّ يمكنني فيه القول إنّ هذه الكلمة أصبحت في قلبي، إن لم تكن على شفاهي طوال أربع وعشرين ساعة. لقد كان مخلِّصي، وأنا متمسك بهذا دائماً. في الأدب الروحاني للعالم، احتلّت رامايانا (من أسماء الله بالهندوسية) كما عبّر عنها تولسيداس (شاعر هندي من القرن السادس عشر) مكانة خاصة؛ فقد كانت تتمتّع بجمالٍ لم أجده في ماهابهاراتا، ولا حتى في فالميكي رامايانا (أهم شاعر سنسكريتي وصاحب ملحمة رامانايا).
(هاريحان، 17-8-1934، ص213)
***
أضحك في أعماقي حين أسمع بعضهم يعترض على أنّ الراما أو تلاوة راماناما هي للهنود فقط، فكيف يمكن للمستمع أن يشارك فيها؟ وأتساءل هل من إله للمسلمين وآخر للهنود، أو لباريز أو للمسيحيين؟ كلا! لا يوجد سوى  إله واحد كلي القدرة والوجود. فقط تسمياته تختلف، ونحن نذكره من خلال الاسم الأقرب إلينا.
***
في الحقيقة، يمكنني القول إن امتلاك قلب صاف يفعل فعله الحسن من دون ترداد راماناما. ولا أعرف طريقاً أخرى لبلوغ الطهارة، لأنها الطريق التي بشّر بها الحكماء في كل أنحاء العالم، وعلى مر العصور، لأنهم كانوا ينطقون باسم الله، ولم يكونوا واهمين أو دجالين.
(هاريجان، 9-6-1946، ص171)
***

صلاة لتغذية روحي
لا أفعل شيئاً دون صلاة؛ فالإنسان كائن غير معصوم، وليس بوسعه أبداً أن يتأكّد من خطاه. وما يمكن أن يتخيله، كاستجابةٍ لصلواته، قد يكون مجرّد صدى كبريائه. لكي لا يضلّ الإنسان طريقه عليه أن يمتلك قلباً ناصعاً، غير قادر على عمل الشرّ، وليس بوسعي أن أدعي هذا؛ فروحي ناقصة وشاردة ومجاهدة وتشق طريقها بصعوبة.
(الهند الفتاة، 25-9-1924، ص313)
***
بوسعي أن أخبركم، الآن، أن الصلاة لم تكن جزئاً من حياتي كما كانت الحقيقة، بل كانت وليدة الحاجة المحض، حين أخذت عهداً على نفسي أنه لم يعد بمستطاعي أن أكون سعيداً من دونها. وبمقدار ما كان إيماني بالله يزداد، بمقدار ما كانت تزداد حاجتي إلى الصلاة؛ فالحياة من دونها تبدو غبية وفارغة.
***
على الرغم من اليأس الذي يتملكني حين أرنو إلى الأفق السياسي، لم أفقد يوماً سَكينتي. في الواقع، وجدت أناساً يحسدونني على هذه السكينة. وهذه السكينة - أقول لكم - جاءت من الصلاة. فأنا لست رجل علم لكن بوسعي أن أدّعي - بكل تواضع - أني رجل صلاة. لا يهمني الشكل؛ فلكل شخص قانونه الداخلي الخاص، لكن هناك طرائق واضحة وجليّة المعالم، وبالإمكان السير على الدروب المطروقة التي سار عليها المعلمون القدماء.
***
إن طلبت العون منه، فستتوجّه إليه وأنت عارٍ بالكامل، وتقاربه دونما تحفّظٍ أو خوفٍ أو شكّ، بحيث يكون بوسعه مساعدة كائن ساقط مثلك. هل سيساعدك هذا الذي ساعد الملايين ممَّن تضرّعوا إليه؟ إنه لا يمايز بين الناس، وستكتشف بنفسك أن إحدى صلواتك سوف تُستجاب. أقول لكم هذا من منطلق تجربتي الذاتية؛ فقد عبرت المَطْهَر. اطلب ملكوت السماء أولاً، وستحصل من ثمّ على كل شيء.
(الهند الفتاة، 4-4-1929، ص111)
***
الأفضل، حين تصلي، أن يكون لديك قلب بلا كلمات من أن تكون لديك كلمات بلا قلب.
(الهند الفتاة، 23-1-1930، ص25)
***
الصلاة هي الدرس الأول والأخير لتعلّم فنّ التضحية بالذات، النبيل والشجاع، في كل دروب الحياة، تلك الدروب التي تبلغ ذروتها حين تدافع عن حرية وطنك وشرفه. والصلاة بلا شك، تفترض إيماناً حياً بالله.
(هاريجان، 14-4-1946، ص80)
***
هناك الكثيرون ممّن، سواء بسبب كسل ذهني أو لأنهم اكتسبوا عادة سيئة، يعتقدون أن الله موجود، وأنه سيساعدنا دون أن نطلب منه ذلك؛ فلماذا يتوجب علينا إذاً أن نردد اسمه؟ صحيح أنّ الله إذا كان موجوداً، فهو موجود بصرف النظر عمّا نعتقد. لكن تحقق الله أكبر بما لا يقاس من مجرد الإيمان، لأنه ثمرة تدريب مستمر. هذا يصحّ على كل العلوم فما بالكم بما له علاقة بعلم العلوم.
(هاريجان، 28-4-1946، ص109)
***
الصلاة... ليست حصرية؛ فهي لا تقتصر على طائفتنا أو مجموعتنا، بل تشمل الجميع، بل تشمل الإنسانية جمعاء. أي إنّ تحقيقها يعني تحقيق مملكة السماء على هذه الأرض.
(هاريجان، 28-4-1946؛ ص111)
***
يصلّي بصدق من يعتقد أن الله كامنٌ في قلبه، ومن لا يعتقد بهذا لا يحتاج إلى الصلاة. الله لن يستاء لهذا السبب، لكن ما بوسعي أن أقوله، من منطلق تجربتي الذاتية: من لا يصلي خاسر بالتأكيد.
***
علمتني التجربة أن الصمت جزء من المنظومة الروحية لمن نذر نفسه للحقيقة؛ فالميل إلى المبالغة وإلغاء الحقيقة أو تحويرها، سواء عن معرفة أو من دون معرفة، نقطة ضعف طبيعية لدى الإنسان، والصمت ضروري لتجاوزها. لذا، يندر أن يكون الإنسان القليل
الكلام قاسياً في كلامه، لأنه سيَزِنُ كل كلمة يقول.
(سيرة ذاتية أو قصة تجاربي مع الحقيقة، ص45)
***
يستجيب الله للصلاة على طريقته، لا على طريقتنا. وطرائقه تختلف عن طرائق الفانين، كما أنها غامضة. الصلاة تتطلب الإيمان، وما من صلاةٍ لا جدوى لها لأنها، كغيرها من الأعمال، تعطي ثمارها سواء رأينا ذلك أم لم نره، وثمرة الصلاة التي من القلب أكثر فعالية بكثير من ذاك الذي ندعوه: عملاً!
(هاريجان، 29-6-1946، ص215)
***
هندوسيتي ليست حصرية
ما من شيء في العالم يمنعني عن التبشير بالمسيحية أو بأي دين آخر، في اللحظة التي أشعر فيها بالحقيقة، وبالحاجة إليها. لا وجود للدين حيث يوجد خوف... وإذا كان بوسعي تسمية نفسي - لنَقُلْ - مسيحياً أو مسلماً وفق تفسيري الخاص للكتاب المقدس أو للقرآن، لما ترددتُ في تسمية نفسي على هذا النحو. لأنه عندئذ تكون الهندوسية والمسيحية والإسلام تعابير متماثلة لها نفس المعنى. وأعتقد أنْ لا وجود لهندوس أو مسيحيين أو مسلمين في العالم الآخر، حيث ستتمُّ محاسبة الجميع، ليس من منطلق مسمياتهم أو حِرَفهم بل على أساس أعمالهم التي لا علاقة لها بما يعتقدون. خلال وجودنا الأرضي ستظلّ مثل هذه التسميات قائمة، لذا تراني، من جهتي، أُفضِّل الإبقاء على التسمية التي ورثتها من أجدادي، طالما أنها لا تعيق نموي، ولا تمنعني عن استيعاب ما هو جيد في أي مكان آخر.
(الهند الفتاة، 2-7-1926، ص308)
***
لعل أبرز مساهمة للهندوسية في الثقافة الهندية وأكثرها تميزاً هي عقيدة الأهيمسا؛ فقد أعطت خصوصيةً لتاريخ هذا البلد لأكثر من ثلاثة آلاف سنة، وما زالت إلى الآن قوة حية تؤثّر في حياة ملايين الهنود. فهي عقيدة تتطور، ومازال على رسالتها أن تنشر. لقد استوعى شعبنا تعاليمها إلى حدّ أنّ الثورة المسلحة باتت شبه مستحيلة في الهند اليوم، والسبب في هذا ليس لأننا، كما قد يقول البعض، شعب من الضعفاء، فالضغط على الزناد وإطلاق النار على شخص لا يتطلب قوة جسدية كبيرة، وإنما يتطلب إرادة شيطانية فحسب، بل السبب هو أنّ مأثور الآهيمسا ضرب جذوراً عميقة بين الناس.
(هاريجان، 24-3-1924، ص95)
***
رغم إعجابي بالمسيحية، لا يمكنني التماهي مع أورثوذكسيتها... في حين أنّ الهندوسية التي أعرفها تتجاوب مع روحي تماماً، حيث أجد في البهاغافاد_غيتا والأوبانيشاد عزاءً لا أجده حتى في خطبة الجبل. وهذا ليس لأني لا أُقدِّر المثال المقدَّم هناك؛ وليس لأن التعاليم الثمينة المتضمنة في خطبة الجبل لم تترك أثراً عميقاً في نفسي، لكن علي أن أعترف... أنه حين تؤرقني الشكوك، وحين تُحدِّق الخيبة في وجهي، وحين لا أرى في الأفق ولو بارقة أمل واحدة، أستدير نحو البهاغافاد_غيتا، فأجد فقرة تواسيني؛ وحتى إن كنت في حزن ساحق فإني سرعان ما أعاود الابتسام. لقد كانت حياتي مليئة بالأحزان، لكنها إذ لم تترك أثراً ظاهراً وعميقاً في نفسي، فالفضل في ذلك يعود إلى تعاليم البهاغافاد-غيتا.
(الهند الفتاة، 6-8-1925، ص274)
***
هي وجهة نظري المعتادة أنّ الجزء الأساس من تعاليم البوذا بات الآن جزءاً لا يتجزأ من الهندوسية. لأنه يستحيل على الهندوسية الهندية اليوم، العودة إلى الخلف وعدم الأخذ بعين الاعتبار الإصلاح الكبير الذي أدخله غوتاما على الهندوسية. فمن خلال تضحيته العظيمة، ونكرانه الكبير لذاته، والطهارة الناصعة لحياته، ترك أثراً لا ينكر على الهندوسية التي تدين بدَيْنٍ عظيم لهذا المعلم الكبير... وما لم تستوعبه الهندوسية فيما يعرف اليوم بالبوذية لم يكن جزءاً أساساً من حياة البوذا وتعاليمه.
(الهند الفتاة، 24-11-1927، ص ص392 و393)
***
لا يمكن فصل الشرائع الإلهية الأزلية وغير القابلة للتغيير عن الله بحدّ ذاته. ورغم ذلك فإنه، بسبب لغط كبير ناجم عن الاعتقاد بأن البوذا قد كفر بالله ولم يؤمن إلاّ بالقانون الأخلاقي، حدث ارتباك حول الفهم الصحيح للكلمة العظيمة نيرڤانا. النيرڤانا لا تعني البتة الفناء التام. لأنّ النيرفانا، وبمقدار ما أتيح لي أن أفهم الواقع الأساس لحياة البوذا، هي الانقراض التام لكل ما هو وضيع فينا، لكل ما هو فاسد ومفسد فينا. فالنيرڤانا ليست كموت القبر الأسود، بل هي حياة سلام وحياة سعادة لروح واعية لذاتها، ومدركة أنها قد وجدت مقامها في قلب الخالد الذي لا يموت...
وكان هذا عظيماً مثل المساهمة الكبرى التي قدمها البوذا لإنسانيتنا حين أعاد الألوهة إلى مكانها الخالد. ومن منظوري المتواضع، كانت مساهمته الأكبر من هذه أيضاً، هي صرامة نظرته لكل أشكال الحياة، مهما كانت متدنية.
(المرجع نفسه، ص393)
***
إني على قناعة تامة بأنّ أوروبا لا تعكس اليوم روح الله ولا روح المسيحية، بل تعكس روح إبليس. وأن انتصارات الشيطان تكون أكبر حين يظهر وهو ينطق باسم الله من بين شفتيه. فأوروبا اليوم مسيحية بالاسم فقط، وهي في الحقيقة تعبد مامون. لـ"أنه أسهل أن يدخل الجمل في ثقب الإبرة من أن يدخل غني ملكوت السموات." (متى:19-24)  لأنه هكذا تكلم حقاً يسوع المسيح. أمّا من يدّعون أنهم أتباعه فيقيسون تقدمهم الأخلاقي بحسب ممتلكاتهم المادية.
(الهند الفتاة، 8-9-1920، ص ص2 و3)
***
ليس بوسعي أن أحصر صفة الألوهية بيسوع؛ فألوهيته كألوهية كريشنا أو راما أو محمد أو زارادشت. وأيضاً، في المقابل، لا أعتقد أن كل كلمة من الكتاب المقدس موحاة من الله، كما لا أنظر كذلك إلى كل كلمة من الفيدا أو القرآن. فهذه الكتب وحيٌّ ككل حتماً، لكني لا أتلمّس وحي الأشياء حين آخذها مجزأة. والكتاب المقدس، بالنسبة لي، كتاب دين كالغيتا والقرآن.
(هاريجان، 6-3-1937، ص25)
***
هناك الكثير من الجهالات والخرافات في الهند، لكن في الأعماق هناك ذلك الإيمان بالله الذي هو أساس الدين.
(هاريجان، 17-11-1946، ص405)
***
أنظر إلى الإسلام كدين سلام تماماً كالمسيحية والبوذية والهندوسية. لا شك في أنه توجد خلافات من حيث الدرجة، لكن غاية هذه الديانات هي السلام.
(الهند الفتاة، 20-11-1946، ص405)
***
ما من شيء في القرآن يبرّر استخدام القوة من أجل الهداية. هذا ما يقوله الكتاب المقدس بأوضح ما يمكن: "لا إكراه في الدين". وتشهد حياة الرسول بمجملها على رفضه الإكراه في الدين. وعلى حد علمي، لا يوجد مسلم أيّد الإكراه يوماً؛ فالإسلام لن يبقى ديناً عالمياً
إذا اعتمد القوة لانتشاره.
(الهند الفتاة، 29-9-1921، ص307)
***
لقد قرأت القرآن أكثر من مرة، فديني يسمح لي، ويلزمني على، استيعاب كل ما هو خير لدى كافة ديانات الأرض.
(هاريجان، 28-10-1939، ص317)
***
في الدين والسياسة
أقول إنّ العقل الإنساني، أو المجتمع الإنساني، ليس مقسّماً إلى حجيرات منعزلة تدعى اجتماعية وسياسية ودينية؛ فكلها تفعل وتتفاعل مع بعضها بعضاً.
(الهند الفتاة، 2-3-1922، ص131)
***
شعرت بأني مجبر على ولوج الحقل السياسي لأني وجدت أنْ ليس بوسعي القيام بأي عمل إجتماعي دون التعرّض للسياسة. وأشعر أنه يجب النظر إلى العمل السياسي من منطلق التقدم الاجتماعي والأخلاقي. لا يوجد في الديمقراطية حقل من حقول الحياة لا تلامسه السياسة.
(هاريجان، 6-10-1946، ص341)
***
ليس بوسعي عزل السياسة عن أعمق الأشياء في حياتي، وذلك لسبب بسيط هو أن سياساتي ليست فاسدة، فهي مرتبطة بشكل وثيق باللاعنف وبالحقيقة.
(الهند الفتاة، 1-10-1931، ص281)
***
ليس الدين مقياساً للقومية، بل هو مسألة خاصة بين الإنسان وربه. فمن مفهوم القومية الهنود هنود أولاً وأخيراً، بغض النظر عن أديانهم.
(هاريجان، 29-6-1947، ص215)
***
في المعابد وعبادة الأصنام
نا لا أرفض التعبد لصنم؛ فالصنم لا يحرك في نفسي أي شعور بالمهابة، لكني أعتقد أن عبادة الأصنام جزء من الطبيعة البشرية. لماذا يتوجب أن يكون المرء أكثر هدوءاً في الكنيسة منه في أي مكان آخر؟ لأنّ الصور تساعد على العبادة. ما من هنديٍّ يعتقد أن الصورة إله، لذا لا أعتبر التعبد لصنم خطيئة.
(الهند الفتاة، 6-10-1921، ص318)
***
أنا مؤيد ومعارض معاً للتعبد للصور؛ فحين يتحول التعبّد أمام الصور إلى وثنية، ويصبح مغلفاً بمعتقدات وعقائد خاطئة، ويصبح من الضروري محاربته كشرّ اجتماعي كبير أعارضه. لكن من جانب آخر، فإن التعبّد أمام الصور من منظور إعطاء المثال الأعلى شكلاً ملموساً هو شيء متأصل في الطبيعة الإنسانية، وهو حتى مساعد فعّال لفعل التقوى. ونحن نتعبد أمام صورة حين نقدّم الاحترام لكتاب نعتبره مقدساً. ونتعبد أمام صورة حين نزور معبداً أو جامعاً ويملأنا شعور بالورع والتبجيل. ولستُ لا أرى ضرراً في كل هذا بل، بالعكس، كإنسان محدود الفهم، ليس بوسعي القيام بشيء آخر. وأيضاً، لستُ لا أرى أيَّ شرٍّ أو ضرر في التعبد لشجرة، وأراه شيئاً غريزياً عميق التعاطف وذا شاعرية جميلة، حيث يرمز إلى إجلال حقيقي لمملكة النبات برمّتها، تلك التي من خلال ما تقدّمه من مشهد لامتناه وجميل في أشكاله وتكويناته، يعلن أمامنا، بملايين الألسن، عظمة ومجد الإله...
(الهند الفتاة، 26-9-1929، ص320)
***
أنا لا أنظر إلى وجود المعابد على أنّه خطيئة أو خرافة؛ فبعض الأشكال والأمكنة العامة للتعبد تبدو ضرورة إنسانية. وسواء احتوت المعابد أم لم تحتوِ على صور فهذه قضية ذوق ومزاج. فأنا لا أنظر إلى أماكن التعبد الهندوسية أو الكاثوليكية التي تحتوي صوراً بأنها سيئة أو تخريفية وللجوامع وأماكن التعبد البروتيستانتية على أنها جيدة وغير تخريفية لمجرد أنها لا تحتوي صوراً. فبوسع رمز كالصليب أو الكتاب أن يتحول بسهولة إلى وثنية، وبالتالي أن يصبح تخريفياً. كما أن التعبّد أمام صورة الطفل كريشنا أو العذراء مريم يمكن أن يكون يسمو بالعواطف النبيلة ويحرر من كل خرافة؛ فكل شيء يعتمد على موقف قلب المتعبد.
(الهند الفتاة، 5-11-1925، ص378)
***
معابد أم جوامع أم كنائس... لا فرق عندي بين هذه الأماكن المختلفة لعبادة الله. إنها نتيجة ما صنعه الإيمان، واستجابة لحنين الإنسان للوصول بطريقة ما إلى من لا يرى.
(هاريجان، 18-3-1933، ص6)
***
أجسادنا هي المعابد، وليس الأبنية الجحرية. وأفضل مكان للعبادة الجماعية يكون في الفلاء مع السماء من فوقنا كمظلة وأمنا الأرض من تحتنا كمرتكز.
(هاريجان، 4-1-1948، ص498)
***
لعنة المنبوذين
لقد تجذّرت الفروقات الطبقية بيننا إلى حدّ أنها أصابت بعدواها المسلمين والمسيحيين وأتباع ديانات الهند الأخرى. الحواجز الطبقية يمكن أن توجد بهذا الشكل أو ذاك في أماكن أخرى من العالم، ما يعني أنها مصدر إزعاج مشترك للجنس البشري كله. وإلغاؤها ممكن فقط عن طريق غرس الدين الحق. لأني لم أجد قوانين تشرّع لمثل تلك الحواجز والفوارق في كتب أي دين. فمن منظور الدين كل البشر متساوين، والتعلم والذكاء والغنى لا تعطي المرء حق إعلان تفوقه على أولئك الذين يفتقدون لما يملك من هذه المزايا. فإذا جُبِل أيّ شخص وكُرِّس من خلال الجوهر المُطهِّر ومنظومة الدين الحق، فإنّه سيرى أنّ من واجبه أن يتشارك في امتيازاته مع أولئك الذين يملكون أقلّ منه. وهكذا، في ظروفنا الحالية، يتطلب الدين الحق منّا أن نتحول إلى منبوذين (أتيشودراس) طوعاً.
علينا النظر إلى أنفسنا ليس كمُلاّك بل كمؤتمنين على ثروتنا، وأن نستعمالها لصالح المجتمع، فلا نأخذ منها ما هو أكثر من أجر عادل للخدمة التي نؤديها. في نظام كهذا لن يبقى هناك فقير وغني، وستكون كل الديانات متساوية، وستكفّ كل النزاعات الناجمة عن الدين والطبقة والفارق الاقتصادي عن تهديد السلم في العالم.
(الهندي، 19-9-1945)
***
تزوَّجتُ العمل على إلغاء "وضع المنبوذين" قبل وقت طويل من أن أكلّل بزوجتي. وقد كانت هناك مناسبتان في حياتنا المشتركة كان علي فيها الخيار بين العمل من أجل المنبوذين والبقاء مع زوجتي وكنت ربما سأفضل الخيار الأول، لكن بفضل زوجتي الجيدة، تم تلافي المشكلة. في الأشرام (مستعمرة سكنية جماعية) الذي هو عائلتي، هناك العديد من المنبوذين، وهناك فتاة جميلة ومشاكسة تعيش معنا وكأنها ابنتي.
(الهند الفتاة، 5-11-1931، ص341)
جلب حبّ الناس مشكلة المنبوذين مبكِّراً إلى حياتي. مرّةً قالت لي أمي: "عليك أن لا تلمس هذا الصبي لأنه منبوذ." فسألتها: "لم لا؟" وكان هذا هو اليوم الذي بدأت فيه ثورتي.
(هاريجان، 25-12-1938، ص393)
***














الفصل الخامس

في اللاعنف

من إنجيل اللاعنف
لست صاحب رؤيا. وما بوسعي أن أقوله عن نفسي هو أني شخص مثالي عملي. الذين يقصدهم دين اللاعنف ليسوا القديسين أو الريشي بل عامة الناس أيضاً؛ فاللاعنف شريعة جنسنا بينما العنف شريعة البهائم، وشريعة الروح الغافية في قلب العنيف الذي لا يعرف سوى قانون القدرة الجسدية. لكن كرامة الإنسان تتطلب الطاعة لقانون أسمى هو قوة الروح... لذلك أنا أعتقد أن الريشي الذين، من قلب العنف، اكتشفوا اللاعنف كانوا أكثر نبوغاً من نيوتن. لقد كانوا يعرفون كيف يستعملون السلاح، وخبروا عدم جدواه، وعلّموا عالماً يطمح إلى السلام أن طريق خلاصه ليس العنف بل اللاعنف.
(الهند الفتاة، 11-8-1920، ص3)
***
تعلمت درس اللاعنف من زوجتي، وذلك حين حاولت إخضاعها لإرادتي. إلاّ أن مقاومها الحازمة لرغبتي من جهة، وخضوعها الهادىء للألم الذي تسبب به غبائي من جهة أخرى، جعلني أخجل جداً من نفسي، وشفاني من غباء الاعتقاد بأني خلقت لأحكمها. وفي نهاية الأمر أصبحت هي معلمتي في اللاعنف.
(هاريجان، 24-12-1938، ص394)
***
اللاعنف هو شريعة الجنس البشري. وهو أكبر وأسمى بما لا يقاس  من شريعة القوة الغاشمة. وفي نهاية المطاف، هو لا يليق بأولئك الذين لا يملكون إيماناً حياً بألوهية المحبة.
يؤمِّن اللاعنف حماية كاملة لاحترام المرء ذاتَه، ويعطيه شعوراً بالكرامة، وإن ليس دائماً فيما يتعلق بملكية الأرض أو بالملكية المنقولة، لكن التجربة العملية تقول إنّ اللاعنف يؤمّن درعاً أفضل لحمايتها مما يؤمّنه رجال مسلحون. اللاعنف هو الطبيعة الفعلية للأشياء، وإن كان لا يفيد في الدفاع عن المكتسبات غير المشروعة، والأفعال غير الأخلاقية. لذا يجب على الأفراد أو الأمم الذين يطبقون اللاعنف أن يكونوا مستعدين للتضحية بكل شيء (حتى آخر رجل بالنسبة للأمم) ما عدا التضحية بشرفهم.
واللاعنف قوة يمكن أن يستخدمها الأطفال والشباب والنساء والبالغين، شريطة أن يمتلكوا إيماناً حياً بألوهة المحبة، وحباً متساوياً للجنس البشري. لذلك، عندما نقبل باللاعنف كقانون للحياة فمن الواجب أن يشمل (هذا القانون) الكائن بكليته، لا أن يكون مجرد أفعالاً منعزلة. ومن الخطأ الكبير الاعتقاد بأنّ القانون يصحُّ على
الأفراد، ولا يصحُّ على الجنس البشري ككل.
(هاريجان، 5-9-1936، ص236)
***
وحده اللاعنف قانوني. فالعنف ليس بوسعه أن يكون قانونياً بالمعنى الذي أقصده هنا. أي بتعبير آخر، ليس بوسع العنف أن يكون قانونياً وفقاً لقانون وضعه الإنسان بل وفق القانون الذي صنعته الطبيعة للإنسان.
(هاريجان، 27-10-1946، ص369)
***
فعل اللاعنف ليس مساوياً، في الحقيقة، لفعل العنف، بل يفعل فعله بطريقة عكسية. إذ يعتمد الشخص المسلح عادة على سلاحه، أمّا من يرفض السلاح عن قصد فإنه يستند إلى تلك القوة غير المرئية التي يدعوها الشعراء الألوهة، ويسمّيها العلماء "القوة المجهولة". لكن كون تلك القوة مجهولة لا يعني أنها غير موجودة؛ فالألوهة هي أساس كل القوى المعروفة منها والمجهولة. واللاعنف الذي لا يستمد قوته من الألوهة فقير ويجب إلقاءه للتراب.
(هاريجان، 28-6-1942، ص201)
***
الدعوة إلى اللاعنف موجودة لدى كلِّ الديانات، لكني أعتقد باعتزاز أن الهند - ربما - هي التي، من خلال تجربتها، حوّلت هذه الدعوة إلى علم. لقد ضحّى عدد لا يحصى من القديسين بحياتهم في التكفير عن خططاياهم (تاباشرايا بالسنسكريتية) حتى أحسّ الشعراء أن بوسع جبال الهيملايا ببياضها الناصع أن تطّهر من خلال تلك التضحيات. لكن كل ممارسة اللاعنف تلك أضحت شبه منسية اليوم، لذا من الضروري إعادة إحياء القانون الأزلي الذي يردّ على الغضب بالحب، وعلى العنف باللاعنف؛ ففي أرض أفضل من هذه التي هي أرض جاناكا وراماشاندرا، يمكن أن يُطبَّق هذا القانون؟
(هاريجان، 30-3-1947، ص86)
***
يقول لي بعض أصدقائي المسلمين إنهم لن يقبلوا البتة المفهوم المطلق للاعنف. فبالنسبة لهم، على حدِّ زعمهم، للاعنف نفس مشروعية العنف، واستعمال كليهما يخضع للظروف، ما يعني أن كليهما لا يحتاج إلى فنوى لتبرير مشروعيتهما، وأنّ هذا درب معروف مرت به الإنسانية على مر العصور. لكني سمعت من العديد من أصدقائي المسلمين أن القرآن يبشر باللاعنف؛ فهو يعتبر الصبر أسمى من الانتقام، وكلمة إسلام بحد ذاتها تعني السلام الذي هو اللاعنف. بادشاه خان، الذي هو مسلم عن قناعة ولم يفرّط يوماً لا بصلاة ولا بصيام، قَبِل باللاعنف عقيدةً. وليست حجةًً أن نقول إن حياته لم تكن على مستوى ما آمن به، حتى وإني - يا لخجلتي - لم أفعل مثله في حياتي. والحجة التي تقول بأنّ اللاعنف، بالنسبة للقرآن، هو قضية تأويل، لستُ بحاجةٍ إليها في دعوتي.
(هاريجان، 7-10-1939، ص296)
يتجاوز حبي للاعنف حبي لأي شيء آخر دنيوي، أو يتجاوز هذه الدنيا، لأنه يعادل حبي للحقيقة التي هي بالنسبة لي رديفُ اللاعنف الذي بوسعي عن طريقه فقط بلوغ الحقيقة.
(الهند الفتاة، 20-2-1930، ص61)
***
إذا كان المرء ... متفاخراً وأنانياً، فليس بوسعه (ممارسة) اللاعنف. فاللاعنف مستحيل من دون تواضع. لقد علمتني تجربتي الذاتية، أني حين كنت أتصرف بشكل لاعنفي، كان منطلقي وسندي دوافع أسمى مستمدّة من قوة غير مرئية، لأنه لو كان علي الاعتماد فقط على إرادتي الذاتية لفشلت بشكل ذريع. عندما كان علي الذهاب إلى السجن للمرة الأولى كنت أرتجف من هذا الاحتمال؛ فقد سمعت أشياءَ مرعبة عن حياة السجن. لكني كنت أؤمن بالعناية الإلهية. وقد علمتنا تجربتنا أنّ الذين يذهبون إلى السجن بروح من الورع يخرجون منتصرين، في حين يفشل أولئك الذين يعتمدون على قوتهم الذاتية. ولا مجال هنا للشفقة على الذات، حتى وإن كنت تقول ان الله يعطينا القوة؛ فالإشفاق على الذات يأتي حين تفعل شيئاً تنتظر من أجله اعترافاً من الآخرين. وهنا لا مكان لاعترافٍ كهذا.
(هاريجان، 28-1-1939، ص442)
***


قوة اللاعنف
أقرُّ بأنَّ القوي يسرق الضعيف، وأن من الجريمة أن نكون ضعفاء. لكن هذا ينطبق على روح الإنسان، وليس على جسده، لأنه لو كان المقصود هو الجسد لما كان بوسعنا أبداً التخلص من خطيئة أن نكون ضعفاء، أمّا قوة الروح فبوسعها أن تتحدى عالماً مدججاً بالسلاح بكامله. وهذه القوة متاحة لأضعف الخلق أجساداً.
(الهند الفتاة، 6-5-1926، ص164)
***
اللاعنف هو أكبر قوة في متناول الجنس البشري. إنه أقوى من أقوى سلاح تدمير اخترعه البشر. فالدمار ليس قانون البشر. والإنسان يحيا حرّاً ومستعداً للموت حتى على يد شقيقه، إن اقتضت الحاجة، ولكنه ليس مستعداً البتة أن يقتله هو. لأن أي قتل أو أي ضرر يرتكب بحق الآخر أو يمارس عليه، مهما كان سببه، جريمة بحق الإنسانية.
(هاريجان، 20-7-1935، ص ص180 و181)
***
أقسى المعادن يلين حين يتعرّض لما يكفي من الحرارة. ولكن أقسى القلوب يذوب حتى قبل تعرّضه لما يكفي من حرارة اللاعنف. ولا حد لقدرة اللاعنف على توليد الحرارة.
كل فعل هو محصلة قوى عديدة، والتي يمكن أن تكون مختلفة في طبيعتها. لا ضياعَ للطاقة؛ فهذا ما علمتنا إياه كتب الميكانيك. وهذا ينطبق أيضاً على الأفعال الإنسانية، مع ذاك الفرق الذي يقول بأنه إذا كان بوسعنا بشكل عام معرفة القوى (الفيزيائية) الفاعلة نستطيع، حينئذٍ، التنبؤ رياضياً بالمحصلة. إذ في حال الأفعال الإنسانية، الناجمة عن تضارب قوى لا علم لنا بها ليس بوسعنا ذلك. لكنّ جهلنا هذا يجب أن لا يقودنا إلى فقدان الإيمان بمقدرة هذه القوى بل يجب أن يدفعنا إلى المزيد من الإيمان. واللاعنف بحكم كونه أقوى قوة في العالم، وأكثرها مراوغة في فعلها، يتطلب أكبر تدرب على الإيمان. فكما نؤمن بالله، يجب علينا الإيمان باللاعنف.
(هاريجان، 7-1-1939، ص417)
***
اللاعنف وحده يستطيع مواجهة العنف بفعالية. هذه حقيقة قديمة ومثبتة... إن سلاح العنف، حتى وإن كان قنبلةً ذرية، يصبح بلا فائدة حين يصطدم باللاعنف. صحيح أن القليلين فقط يعرفون كيفية تطويع هذه القوة لأنها تتطلب الكثير من الفهم ومن الذكاء؛ فهي ليست ما تتطلبه المدارس العسكرية والمعاهد. والصعوبة التي يجدها المرء حين يجمع ما بين الهيمسا والآهيمسا مردّه قلّة الذكاء.
(هاريجان، 1-6-1947، ص172)
***
"إكره الخطيئة لكن لا تكره الخاطىء" – هذا كلام مفهوم، وعلى الرغم من سهولة فهمه نادراً ما يطبق. لهذا السبب ينتشر سُمُّ الحقد في عالمنا.
الأهيمسا هي أساس البحث عن الحقيقة. ويزداد يقيني كل يوم من عدم جدوى هذا البحث ما لم تكن الأهيمسا قاعدته، لأنه إن كان صحيحاً جداً مقاومة ومهاجمة نظام، فإن مقاومة ومهاجمة صاحبه يساوي مقاومة الذات ومهاجمتها. فجميعنا رسمتنا نفس الفرشاة، وجميعنا أبناء نفس الخالق، ما يعني أن القوى الإلهية التي في داخلنا لامتناهية. والاستخفاف بكائن بشري واحد يعادل الاستخفاف بهذه القوى الإلهية، ويعني بالتالي الإساءة ليس فقط إلى هذا الكائن إنما إلى العالم بأسره.
(سيرة ذاتية أو قصة تجاربي مع الحقيقة، ص203)
***
التدرُّب على اللاعنف
«كيف يجب علينا تدريب الأفراد والمجتمعات على هذا الفنّ الصعب؟»
لا يوجد هنا طريق ملكي، سوى أن نعيش عقيدتنا في هذه الحياة كالقسم الحي. وطبعاً، يتطلب التعبير عن هذا الأمر في حياتنا الخاصة، دراسة معمقة ومثابرة جبارة، وتطهير أنفسنا من كل الشوائب. فكما إن تملّك العلوم الفيزيائية يتطلّب أن تكرس لها حياتك بالكامل، فإن حيوات كثيرة سيتطلبها تملّك أقوى القوى التي عرفها البشر. لكن، لماذا علينا أن نقلق إن كان هذا قد سيتطلب عدة حيوات؟ لأنه إن كان هذا هو الشيء الوحيد الدائم في هذه الحياة، إن كان هذا هو الشيء الوحيد الذي له معنى، عندها سيكون أي جهد تبذله استثماراً جيداً. فاطلب ملكوت السموات أولاً وكل ما تبقى سيأتيك بشكل طبيعي. وملكوت السموات هي الآهيمسا.
(هاريجان، 14-3-1936، ص39)
***
لا يتطلب اللاعنف أي تدريب خارجي أو جسدي، إنما يتطلب فقط الإرادة بعدم القتل حتى من باب المعاملة بالمثل، والشجاعة في مواجهة الموت من دون أية رغبة بالانتقام. وهذا ليس قسماً للأهيمسا إنما مجرد منطق عقلي بارد وتطبيق لقانون كوني. لذلك، ومن منطلق الإيمان الذي لا ينطفىء بهذا القانون، علينا التدرب على مواجهة أي استفزاز مهما كان كبيراً - هذا ما أسمّيه لاعنف الشجعان.
(هاريجان، 8-9-1946، ص296)
***
كيف يطبّق اللاعنف
إنّك تخطىء جداً إذا لم تتدرب على ممارسة اللاعنف في علاقاتك الشخصية مع الآخرين، وترجو فقط استخدامه في القضايا الكبرى. فاللاعنف يشبه الرحمة التي يجب أن تبدأ من المنزل.
لكن، إذا كان من واجب المرء أن يتدرب على اللاعنف؛ فإن من الواجب بالأحرى أن تتدرب عليه الأمم. فالمرء ليس بوسعه أن يكون لاعنفياً فقط ضمن نطاق حلقته الخاصة، وعنيفاً خارجها. وإلاّ فإنه ليس لاعنفياً حقيقياً حتى ضمن إطار حلقته الخاصة؛ فغالباً ما يكون اللاعنف مجرّد مظهر. لأنك فقط حين تلقى مقاومة، على سبيل المثال، حين يقتحم لص أو مجرم حياتك، يصبح لاعنفك على المحك. فقد تحاول أو قد تقوم بمواجهة اللص بنفس أسلحته، أو قد تحاول نزع سلاحه عن طريق المحبة. لذلك، إن كنت تعيش فقط بين أناس محترمين، فإن سلوكك لا يمكن أن يوصف باللاعنفي.
كذلك لا يعتبر التحمّل المتبادل بين الأشخاص لاعنفاً. وسرعان ما ستتوصل إلى قناعة أن اللاعنف هو قانون الحياة، وأن عليك تطبيقه على الأمم كما على الأفراد. هنا يكون التدريب مهماً بلا شك، وتكون البدايات صغيرة دوماً، لكن حين تتوفر القناعة فإن كل ما تبقى سيصبح محصلة حاصل.
(هاريجان، 28-1-1939، ص ص441 و442)
***
مارست اللاعنف وإمكاناته بدقّة علمية ما يزيد على خمسين عاماً من حياتي. لقد طبقته في كل مجالات الحياة، عائلياً ومؤسساتياً واقتصادياً وسياسياً. ولا أتذكر حالة فشل واحدة فيها. وحين بدا لي في بعض الحالات وكأنه فشل؛ فإن السبب في ذلك كانت نواقصي. لستُ أدّعي الكمال لنفسي، لكني أؤكد أني أبحث بشغف عن الحقيقة التي هي الاسم الآخر للألوهة. وخلال بحثي هذا اكتشفت اللاعنف الذي أصبح نشره بالنسبة لي رسالتي في هذه الحياة، ولا مصلحة لي
أن أستمر في هذه الحياة إن لم يكن من أجل هذه الرسالة.
(هاريجان، 6-7-1940، ص ص185 و186)
***
في المجتمع اللاعنفي
ليس بوسع اللاعنف، من حيث طبيعته، "الاستيلاء" على السلطة، ولا يمكن أن تكون هذه هي غايته، لكن بوسع اللاعنف أن يفعل ما هو أكثر من هذا. بوسعه أن يشرف ويراقب السلطة بفعالية دون أن يستولي على أجهزة الحكم. وهذا أجمل ما فيه.
يوجد طبعاً استثناء لما أقول. حين يكون عدم تعاون الشعب اللاعنفي كاملاً إلى درجة تتوقف فيها الإدارة عن العمل، أو حين تنهار الإدارة بسبب غزو أجنبي وما يتبعه من فراغ؛ فإنّ بوسع ممثلي الشعب أن يتقدموا لملء هذا الفراغ. هذا أمر ممكن نظرياً.
لكنّ ممارسة السلطة لا يجعل العنف إلزامياً. فالأب يمارس سلطته على أبنائه، وبوسعه حتى أن يعاقبهم لكن دون أن يستخدم العنف. فالممارسة الأكثر فعالية للسلطة هي تلك التي تتضمن أقل قدر من الإزعاج. والسلطة حين تمارس بشكل جيد يجب أن تكون لطيفة كالوردة، وأن لا يشعر بها أحد.
يقبل الشعب سلطة (حزب) المؤتمر بملء إرادته، وقد خُوِّلتُ أكثر من مرة سلطات ديكتاتورية مطلقة، لكنّ الكلّ يعلم أنّ سلطتي إنما كانت تستند إلى قبولهم، وأنّ بوسعهم إزاحتي في اللحظة التي
يشاؤون، وأنّي في مثل هذه الحال سأتنحّى دون أن أنبس بكلمة.
يولد الأنبياء والرجال الخارقون مرّة في الزمن، ولكن إذا حقق فرد واحد مبدأ الأهيمسا بكليته، فإن بوسعه أن يشمل ويفتدي المجتمع بأسره. فحين ارتقى يسوع إلى السماء، تمكّن أتباعه الاثنا عشر من متابعة رسالته من دونه.
لقد اقتضى الأمر مثابرة وعبقرية أجيال من العلماء لاكتشاف قوانين الكهرباء، أما اليوم فقد أصبح حتى الأطفال يستخدمون الكهرباء في حياتهم اليومية. كذلك الأمر، ليست هناك حاجة دائمة لشخص مثالي من أجل إدارة دولة مثالية حين تواجدها. ما نحن بحاجة إليه يبدأ بمجرد تحقق يقظة إجتماعية، والباقي سيتبع.
لنأخذ مثالاً أقرب إلينا، حيث قُدِّمت للطبقة العاملة حقيقة أن رأس المال الحقيقي ليس من الفضة ولا من الذهب، إنما هو جهد أيديهم وأرجلهم وعقولهم. ما يعني أنه حين يطور العمل وعياً كهذا، فلن تبقى حاجة لوجودي كي يصبح الناس قادرين على استخدام السلطة الناجمة عنه.
(نحو آفاق جديدة، ص ص91-93)
***
في الدولة اللاعنفية
لقد أصبحت مقتنعاً تماماً بأنّ الدولة، إن هي ألغت الرأسمالية عن طريق العنف، ستصبح أسيرة ذلك العنف، وستفشل دائماً في تطوير حالة من اللاعنف. فالدولة تمثل العنف بشكله المركز والمنظم، ولمّا كان للإنسان روح، بينما الدولة آلة لا روح لها، فإنه ليس من الممكن أبداً تجريدها من العنف الذي هو مبرر وجودها. من هذا المنظور تراني أُفضِّل عقيدة الوصاية. ويبقى الخوف دائماً من أنّ بوسع الدولة استخدام الكثير من العنف تجاه الذين يخالفونها، لذلك سأكون سعيداً جداً لو كان بوسع الناس التصرف كمؤتمنين. وإن فشلوا في ذلك، فإني أعتقد أنّ على الدولة تجريدهم من ممتلكاتهم بأقل قدر ممكن من العنف. لهذا قلت في مؤتمر المائدة المستديرة إنّه يجب تقصّي كل فائدة منوطة بعناية، وأنه يجب الأمر بالمصادرة حين تقتضي الضروة ذلك، مع أو بلا تعويض، حسب الحالة.
وما أفضله شخصياً ليس تركيز السلطة بيد الدولة، بل توسيع الإحساس بالمشاركة. لأنّ عنف المؤسسات الخاصة، من وجهة نظري، أقل ضرراً من عنف الدولة. وفي كل الأحوال، إن لم يكن هناك مناص من الأمر، فإني أؤيد حدّاً أدنى من ملكية الدولة.
وبينما أقبل أن الإنسان يعيش حالياً من منطلق عاداته، فإني أعتقد أنّ من الأفضل له أن يعيش ممارساً إرادته. وأعتقد أيضاً أن بوسع البشر تطوير إرادتهم بحيث يحدّون من الاستغلال إلى الحدّ الأقصى. وأنا أنظر بمنتهى الخوف إلى زيادة سلطة الدولة، لأنها، وإن بدا أنها تفعل خيراً من خلال التخفيف من الاستغلال، تلحق أكبر الضرر حين تُدمِّر الفردانية، التي هي جذر كل تقدم.
إننا نعرف حالات كثيرة تبنَّت الدولة فيها الوصاية، ولكننا لا نعرف حالة واحدة كانت الدولة فيها فعلاً لصالح الفقير.
(المجلة الحديثة، أوكتوبر 1935، ص412) 
***
العنف والإرهاب
علمتني تجربتي أنّ نشر الحقيقة غير الممكن عن طريق العنف. لذلك فإن الذين يؤمنون بعدالة قضيتهم بحاجة لأن يتمتعوا بصبر غير محدود. فوحدهم المخوَّلين للقيام بعصيان مدني هم أولئك الذين يترفَّعون عن ارتكاب عصيان إجرامي، أو عن ممارسة العنف.
(الهند الفتاة، 28-4-1920، ص8)
***
أنا أعارض العنف لأنه، حيث يبدو وكأنه يفعل خيراً، فإن ما يفعله من خير هو مؤقت فقط؛ أما ما يفعله من شر فهو دائم.
(الهند الفتاة، 21-5-1925، ص178)
***
أنا لا أؤمن بالثورات المسلحة لأنها علاج أسوأ من ذلك المرض التي تعتقد أنها تداويه، ولأنها نتاج روح الثأر والتسرّع والغضب. وهذا يعني إنّ طريق العنف لا يمكن أن يكون جيداً على المدى الطويل.
(الهند الفتاة، 9-6-1920، ص3)
***
... الموت الإرادي جوعاً ببطء وبلا تمجيد بين الجماهير الجائعة هو دائماً أكثر بطولة من الموت على المتراس في ظلّ تصعيدٍ عاطفيّ كاذب.
(الهند الفتاة، 12-2-1925، ص60)
***
أنا أكره الجبن سواء أكان فلسفياً أم اتخذ أي شكل آخر. ولو كان بوسعي الاقتناع بأن النشاط الثوري يبدّد الجبن، لأدى هذا إلى تخفيف كرهي لطريقته إلى حد كبير، رغم أني سأبقى معارضاً له من حيث المبدأ. وفي كلّ الأحوال، لا أعتقد بأي شكل أن القتل أو الاغتيال أو الإرهاب شيء جيد، لكني أعتقد أن الأفكار تستوي حين تغذيها دماء الضحايا. لكن الإنسان الذي يموت ببطء من الحمى وسط الغابة ينزف حتماً بمقدار ذلك الذي يشنق. وإذا لم يكن ذلك الذي يموت على المشنقة بريئاً من دم الآخر، فإنه لم يمتلك حتماً أفكاراً جديرة بأن تنضج.
***
صُبِغت صفحات التاريخ باللون الأحمر لدم أولئك الذين قاتلوا في سبيل الحرية؛ فأنا لا أعرف مثالاً نالت فيه الأمم حريتها من دون بذل جهد كبير لذلك، حيث استخدمت، حتى تاريخه من أجل هذا، سكين القاتل وكأس السم ورصاصة القناص والحربة - وكل أسلحة وطرائق الدمار - من قبلال عشاق عميٍ للحرية و للتحرر... أنا لا أحمل أية
ضغينة تجاه الإرهابيين.
(الهند الفتاة، 24-12-1931، ص408)
***
لو كان علي أن أختار...
أعتقد أني لو خيّرت بين الجبن وبين العنف، لاخترت العنف... فأنا أُفضِّل أن تل
الفصل السادس

ساتياغراها

إنجيل ساتياغراها
أنا متأكد تماماً من أنّ بوسع المقاومة السلبية تليين أكثر القلوب تحجراً...؛ فهي دواءٌ ملكي فعّال إلى أقصى حد...؛ وسلاحٌ من أطهر الأسلحة. إنه ليس سلاح الضعيف، لأن المقاومة السلبية تتطلب شجاعة أكبر مما تتطلبه الشجاعة الجسدية: إنها شجاعة يسوع ودانيال وكرامر ولاتيمر وريدلي، الذين بوسعهم السير بهدوء لمواجهة العذاب والموت، وهي شجاعة تولستوي الذي تجرأ وتحدّى قيصر روسيا. إنها الشجاعة الأعظم فعلاً، لأنه يكفي فعلاً مقاوم سلبي حقيقي واحد كي نربح معركة الخير ضد الشرّ.
(الهند الفتاة، 10-11-1921، ص362)
***
نقل البوذا الحرب إلى معسكر العدو دون وجل، مما جعل الكهنوت المتعجرف يجثو على ركبتيه. كذلك طرد المسيح الصرّافين من هيكل أورشليم، وأنزل لعنات السماء على المنافقين والفريسيين. لأن كلاهم كانوا يدعون إلى العمل المباشر والقوي. لكن، وعلى الرغم من أن البوذا والمسيح كانا يؤدِّبان، إلاّ أنهما أبديا من خلال أفعالهما رقة وحباً لامثيل لهما. لأنهما ما كانا ليرفعا إصبعاً على أعدائهما، ما جعلهما يقدمان نفسيهما بكل طيبة خاطر عوضاً عن أن يتنازلا عن الحقيقة التي عاشا من أجلها. فالبوذا كان بوسعه الموت مقاوماً الكهنوت، لو لم يبرهن من خلال حبه أنه يستطيع جعلهم ينحنون. والمسيح مات على الصليب، وعلى رأسه شوك، متحدياً جبروت إمبرطورية بكاملها. وأنا حين أدعو إلى مقاومة ذات طابع لاعنفي، فإني بكل تواضع وبكل بساطة، أسير على خطى هذين المعلمين الكبيرين.
(الهند الفتاة، 12-5-1920، ص3)
***
أعتقد بحزم أن العصيان المدني هو أكثر أشكال التحريض البنيوي طهارة. طبعاً، من الممكن أن يصبح مخزياً ومحتقراً إن كان طابعه اللاعفي مجرد ذرّ رماد في العيون. لأننا إن قبلنا بنزاهة اللاعنف، فلا مسوغ لإدانة أكثر أفعال العصيان شراسة بسبب الاشتباه بأنها قد تودي إلى العنف. لا يمكن القيام بأي تحرك كبير أو خفيف دون مخاطر كبيرة، والحياة لا تستحق أن تعاش ما لم تصاحبها مخاطر كبيرة. ألا يبيّن لنا تاريخ العالم أنْ لا شاعرية في هذه الحياة إن خلت من المخاطر.
(الهند الفتاة، 15-12-1921، ص419)
***
الشرط الأول الذي لا يمكن الاستغناء عنه في أية مقاومة مدنية هو أنها يجب تضمن عدم حدوث أي انفجار للعنف، سواء من طرف الذين يتبنون المقاومة المدنية أو من قبل الجمهور بشكل عام. وهنا لا تنفع الإجابة التي يقول، في حال حصول أي عنف، إنّ مسببه هو الدولة أو أية مؤسسة أخرى معادية للمقاومة المدنية. يجب أن يكون واضحاً أن ليس بوسع المقاومة السلبية أن تزدهر وسط أجواء العنف. لكن هذا لا يعني أن إمكانات الساتياغراهي قد استنفذت، لأنه يجب اكتشاف طرائق أخرى غير العصيان المدني.
(هاريجان، 19-3-1939، ص53)
***
هذا هو جمال ساتياغراها. إنها تنبع من النفس، ولا حاجة لأن يخرج المرء كي يبحث عنها؛ فهي فضيلة متأصلة في المبدأ نفسه. إنها مثل دهارمايودا (بمعنى الحرب التي تخاض لغايات نبيلة، وبطرائق ووسائل صحيحة)، لا توجد أسرار لحمايتها، ولا مجال فيها للتعليب، ولا مكان فيها للكذب، فهي تأتي من غير تفكر، والمؤمن جاهز على الدوام لتلقيها. فالصراع الذي يتطلب تخطيطاً مسبقاً ليس صراعاً، ولا يحصل إلاّ حين يشعر الساتياغراهي باليأس، فيبدو وكأنه على حافة الإفلاس، ولا يرى من حوله إلاّ الظلام، ما يجعل الله يأتي لنجدته.
(الساتياغراها في جنوب إفريقيا، ص14)
***
غالباً ما يساء استعمال كلمة ساتياغراها من أجل تغطية عنف مستور. لكني، كمؤلف لهذه الكلمة، أسمح لنفسي بأن أقول أنها تنفي أي شكل من أشكال العنف، سواء كان مباشراً أو غير مباشر، مستوراً أو غير مستور، في الفكر أو القول أو الفعل. لأنه خرق للساتياغراها أن نسيء لخصم أو نقول له، أو عنه، كلاماً قاسياً وبهدف الإساءة...
لأن الساتياغراها لطيفة، ولا تؤذي أحداً البتة، ولا يجوز أن تكون نتيجة فعل غضب أو خبث، فهي لا تدقق بالتفاصيل وليست عجولة ولا صاخبة. إنها عكس الإكراه، وقد وضعت كبديل كلي للعنف.
(هاريجان، 15-4-1933، الصفحة 8)
***
تزداد معرفتي بالساتياغراها نمواً كل يوم عرفتي، وليس لدي نصّ كتاب حولها كي أراجعه عند الحاجة، ولا أملك حتى الغيتا التي أعتبرها قاموسي. فالساتياغراها التي صُمِّمت من قبلي كعلم يمكن أن تثبت بانها ليست علماً على الإطلاق، وتبرهن على أنها مجرّد تأملات وأفعال شخص معتوه، إن لم نقل مجنون. حيث يمكن أن يكون ما هو حقيقي في الساتياغراها قديماً كالجبال، لكن لم يتم التسليم بعد بقيمتها من أجل حلّ مشاكل العالم، أو على الأقل، مشكلته الرئيسة أي الحرب. حيث يمكن لما ندّعي أنه صحيح فيها أن يثبت، من منظور هذه المشكلة الكبرى، أن لا قيمة له على أرض الواقع. وأنّ ما ندعيه انتصارات للساتياغراها، بمعنى الآهيمسا، هو في الحقيقة انتصارات ليس للحقيقة بل للخوف من العنف، وقد واجهت دائماً كل هذه الاحتمالات. إنني أشعر بالعجز، وكل ما أقدمه للأمة مجرّد صلاة أو - وهذا يعني نفس الشيء- أني أنتظر دائماً العون الإلهي.
(هاريجان، 24-9-1938، ص266)
***
حين لا تستسلم روحك أمام الغزاة فهذا يعني أن ضميرك يمنعك عن القيام بذلك. وعلى فرض أن "العدو" طلب منك تمريغ أنفك في التراب، وشدّ أذنيك، والقيام بمثل هذه العروض المهينة، فإنك سترفض حتماً هذه الإهانات. لكن إن انتزع منك أملاكك، فسلِّمها لأنك، كمريد للآهيمسا، اتّخذت قرارك، منذ البداية، بأنّ الممتلكات الأرضية لا تعني شيئاً.
(هاريجان، 18-8-1940، ص ص253 و254)
***
لقد ازدادت قناعتي بأن تأمين الحاجات الأساسية للناس لا يتمّ عن طريق المنطق فقط، وإنما عليهم أن يدفعوا ثمنه من خلال معاناتهم. لأن المعاناة هي قانون البشر، كما الحرب هي قانون الغاب. لكن المعاناة أكثر قوة بما لا يقاس من قانون الغاب من أجل تحويل الخصوم وجعلهم يستمعون، وإلاّ بقيت آذانهم صمّاء أمام صوت العقل.
(هاريجان، 5-11-1931، ص341)
***
بما أنّ الساتياغراها هي أحدى أكثر طرق العمل المباشر فعاليةً، فإنّ الساتياغراهي يستنفذ كل الطرائق الأخرى قبل أن يلجأ إليها. حيث سيحاول، بشكل دؤوب ومستمر، مقاربة السلطة القائمة، كما سيلجأ إلى الرأي العام لتوعيته، عارضاً قضيته ببرود وهدوء أمام كل من يرغب في الاستماع إليه، ثمّ، وبعد أن يستنفذ كل هذه الطرائق، يلجأ إلى الساتياغراها. لكنه حين يلاقي الدعوة الملزمة للصوت الداخلي، ويطلق الساتياغراها بواسطتها، يكون قد أحرق مراكبه ولم يَبقَ مجالاً للتراجع.
(الهند الفتاة، 20-10-1927، ص357)
***
تعتبر المؤهلات التالية… ضرورية لكل ساتياغراهي في الهند:
- أن يملك ثقة حية بالله، فهو سنده الوحيد.
- أن يؤمن بالحقيقة وباللاعنف كعقيدة، ما يعني أن يؤمن بالخير المتأصل في الطبيعة الإنسانية التي يتوقع أن يحرّكها عن طريق الحقيقة والمحبة التي يعبر عنهما من خلال ألمه.
- أن يعيش حياة عفيفة، ويكون مستعداً وقادراً على أن يتخلى، أجل قضيته، عن حياته وممتلكاته.
- أن يلبس العُمرة بشكل عادي، لأن هذا أساسي في الهند.
- أن يمتنع عن تناول أية مسكرات أو مخدرات بحيث يكون ذهنه صافياً دائماً، ويبقى عقله متوازناً.
- أن ينفِّذ بكل طيبة خاطر حميع القواعد والأنظمة التي تصدر بين الحين والحين.
- أن ينفِّذ قواعد السجن ما لم تكن معدَّة خصيصاً للنيل من احترامه لذاته.
ليست هذه المؤهلات حصرية بل توضيحية فحسب.
(هاريجان، 25-3-1939، ص64)
***
الساتياغراها هي سلاح الصادقين أساساً. والساتياغراهي ملزم باللاعنف، وما لم يراقب المرء أفكاره، من خلال كلامه وأفعاله، فليس بوسعه أن يقدم الساتياغراها.
(سيرة ذاتية أو قصد تجاربي مع الحقيقة، ص345)
***
القمع بحد ذاته يُدرّب على الساتياغراها، تماماً كما تؤمِّن حرب غير متوقعة تدريباً للجندي. حيث سيكتشف الساتياغراهيون أسباب القمع، وسيكتشفون أن المقموعين يخشون بسهولة أي مظهر من ظاهر القوة، وأنهم غير مستعدين لتحمّل أي عذاب أو أية تضحية شخصية. عندئذ يكون الوقت قد حان لتعلم أول دروس الساتياغراها. فعلى من يعرف أي شيء يتعلق بهذه القوة التي لا مثيل لها أن يدرِّب جيرانه على تحمّل القمع، لا كضعفاء ويائسين إنما بكل شجاعة ووعي... وتبقى (قواعد الإعداد المملّة هذه) أهم ما يتطلبه التدريب على الساتياغراها.
ويبقى أنه لا يمكن التوصل إلى لاعنف فاعل ونشيط ما لم يمر المرء عبر مراحل ضرورية قد تستلزم الكثير من التأني.
(هاريجان، 8-4-1939، ص80)
***
قوة الساتياغراها
الساتياغراها قوة كونية، تبدأ من العائلة لتمتد إلى كل الحلقات الأخرى.
تصوروا إقطاعياً يستغلّ المستأجرين لديه، ويغرّمهم مستفيداً من ثمرة عملهم التي جيّرها لحسابه الخاص. وعندما يحاججونه لا يُصغي إليهم، ويعترض قائلاً إنّ عليه أن يلبّي الكثير من مطالب زوجته وأولاده، وهكذا. ما يدفع المستأجرون ومن يؤيدونهم ويتمتعون ببعض النفوذ إلى اللجوء لزوجته لتنقل احتجاجهم إلى زوجها. ومن الممكن جداً أن تستجيب لمطالبهم وتقول إنّها لا تحتاج لهذا المال المستغَلّ. وكذلك الأولاد الذين بوسعهم أن يقولوا إنهم سيؤمّنون احتياجاتهم بأنفسهم. ثم لنفترض بعد كل هذا أنه لم يستجب، أو أنّ زوجته وأولاده تضامنوا معه ضد المستأجرين الذين لم يُذعنوا، مما قد يدفع المستأجرين أن يتخلوا عن الأرض إن طُلب منهم ذلك، مع إخباره أنّ عليه أن يُذعن لمطالبهم العادلة إن أرادهم أن يستمروا. ومن الممكن في هذه الحال أن يستبدلهم بمستأجرين آخرين، مما قد يُولِّد بعض الاضطرابات التي لم تصل إلى حدّ العنف، والتي ستستمر حتى يتنبه المستأجرون الجدد لخطئهم، فيتضامنوا مع المستأجرين المبعدين.
وهكذا فإن الساتياغراها هي طريقة لتثقيف الناس، تنتشر بحيث تُغطّي كل مكونات المجتمع مما يجعل من غير الممكن مقاومتها في نهاية المطاف. لكنّ العنف يقطع التطور الطبيعي للعملية برمتها الأمر الذي يطيل أمد الثورة الحقيقية في قلب المجتمع برمّته.
والشروط الضرورية لنجاح الساتياغراها هي:
(1) - يجب أن لا يحمل الساتياغراهي في قلبه أيّ حقد تجاه خصمه.
(2) - وأن يكون هدفه حقيقياً وملموساً.
(3) - وأن يكون مستعداً لتحمّل الألم حتى تحقيق ما يسعى إليه.
(هاريحان، 31-3-1946، ص64)
***
اللاتعاون
في بعض الأوقات يصبح اللاتعاون واجباً كالتعاون، إذ ما من أحد مرغم على التعاون مع شخص يمارس الخطأ أو الاستعباد. والحرية التي يتم الحصول عليها عن طريق جهود الآخرين، مهما كانت خيرة، لا يمكن الاحتفاظ بها حين يزول ذلك الجهد، ما يعني، بكلمات أخرى، أنها ليست حقيقية. لكن بوسع الإنسان الأكثر تواضعاً أن يشعر بوهجها بمجرّد أن يتعلم كيفية الحصول عليها عن طريق الفعل اللاعنفي. لأني متأكد من أن اللاتعاون اللاعنفي قادر على أن يؤمّن ما ليس بوسع العنف تأمينه، وذلك عن طريق التحول النهائي للمخطئين. ونحن في الهند لم نعطِ اللاعنف قط ما يستحقه من محاكمة. لكنّ الأعجوبة أننا، وبلاعنفنا المشوب، حققنا الكثير.
(الهند الفتاة، 20-4-1920، ص97)
***








الفصل السابع

اللاتملّك

إنجيل اللاتملك
تعتمد حضارتنا وثقافتنا وجنّتنا، على هذه الأرض، ليس على مضاعفة احتياجاتنا الخاصة، بمعنى التساهل مع الذات، وإنما على الحدِّ من هذه الاحتياجات، بمعنى نكران الذات.
(الهند الفتاة، 23-2-1921، ص59)
***
وهكذا نصل إلى مبدأ نكران الذات الكامل، ونتعلم استخدام الجسد، ما دام حياً، من أجل الخدمة، بحيث تصبح هذه الخدمة – وليس الخبز – قوت يومنا؛ فيصبح طعامنا وشرابنا ونومنا ويقظتنا من أجل هذه الخدمة فقط. مثل هذه الحالة الذهنية تؤمّن لنا، طوال الوقت، السعادة الحقيقية وروح الابتهاج. فلنحاسب أنفسنا من هذا المنظور.
وهنا، لسنا بحاجة لذكر أنّ هذه ليست دعوة للعطالة، لأنّ علينا أن نملأ كل لحظة من حياتنا بنشاط عقلي وجسدي، لكن هذا النشاط يجب أن يكون من أجل الحقيقة (ساتفيكا). كما أنّ من يكرّس حياته من أجل الخدمة يتعلم التمييز بين النشاط الجيد والنشاط الشرير. وهذا يتم بشكل طبيعي بالنسبة لعقل مكرَّس للخدمة.
(من يرفدا مندير، ص ص 6-23)
لماذا علينا جميعاً اقتناء الممتلكات؟ لماذا لا يجب علينا، جميعنا، وبعد فترة من الزمن، تجريد أنفسنا من كل الممتلكات؟ التُّجار عديمو الأخلاق يفعلون ذلك لغايات غير نزيهة، لكن لماذا ليس بوسعنا أن نفعله لغايات نزيهة؟
لقد كان هذا الأمر شيئاً اعتيادياً بالنسبة للهندوسي في مرحلة معينة، حيث كان يُتوقّع من كلِّ هندوسي، وبعد أن عاش حياةً منزلية لفترة معينة، أن يدخل مرحلة حياتية أساسها اللاتملُّك. لماذا لا يكون بمقدورنا إعادة إحياء هذا المنقول الجميل؟ السبب في هذا يعود على الأغلب إلى أننا بقيامنا بذلك نضع أنفسنا تحت رحمة من ننقل إليهم ملكيتنا. لكن هذه الفكرة تبدو جذابة جداً بالنسبة لي. لأنّ من بين عدد لا يحصى من حالات تؤكد هذه الثقة المشرّفة نادرة جداً هي الحالات التي تتمّ فيها خيانتها.
... أما كيف يمكن أن نطبق هكذا ممارسة من دون أن نُمكّن أشخاصاً غير جديرين بالثقة من استغلالها؟ فحُكمٌ يمكن أن نكتسبه بعد ممارسة طويلة. مما يعني أنْ لا شيء يجب أن يمنعنا عن القيام بهذه التجربة لمجرّد خوفنا من أننا قد نُستغل. حيث لا شيء منع المؤلف الإلهي للغيتا عن تقديم الرسالة المتضمنة في "أنشودة السماء"، وهو كان يعرف أنه بسببها سيتعرض للعذاب من أجل تبرير كل نوع من أنواع الرذيلة بما فيها القتل.
(الهند الفتاة، 3-7-1924، ص221)
لا يمكن للحب والتملك الحصري أن يتطابقا لأنه، نظرياً على الأقل، حيث يوجد حب كامل يفترض أن يوجد لا تملك كامل. والجسد هو آخر الأشياء التي نملكها، لذا ليس بوسع المرء أن يطبّق الحب المثالي، وأن يتجرّد كلياً من ملكيته، ما لم يكن مستعداً لأن يقبل الموت، وأن يتنكر لجسده من أجل الخدمة الإنسانية. لكن هذا صحيح فقط من الناحية النظرية. ففي الحياة العملية ليس بمقدورنا تطبيق الحب المثالي بسهولة، لأن الجسد كملكية سيبقى غير كامل، وسيبقى من واجبه دائماً السعي نحو الكمال. وهذا يعني إنّ الكمال في الحب سيبقى مثالاً بعيد المنال طالما نحن أحياء، وإن كان من واجبنا أن نسعى إليه باستمرار.
(المجلة الجديدة، تشرين الأول 1935، ص412)
***
تخلَّ عن كل شيء وكرّسه لله، ثمّ عش حياتك. هذا يعني إنّ الحق في الحياة مشتقّ من إنكار الذات. حيث لا يقال: "عندما يفعل الجميع ما عليهم، سأفعل ما عليّ"، بل يُقال: "لا تهتم بما يفعله الآخرون، بل افعل أنت ما عليك ودع له الباقي".
(هاريجان، 6-3-1937، ص27)
***
الفقر والغنى
كم كان رائعاً وحكيماً لو افتتح المانحون مؤسسات يُقدِّمون فيها وجبات طعام صحية، وفي بيئة نظيفة، إلى رجال ونساء يعملون لديهم. من ناحيتي أعتقد أن المغزل أو أي وسيلة تتعامل مع القطن هي العمل الأمثل. أمّا إن لم يكن لديهم هذا فبوسعهم اختيار أي عمل آخر. القاعدة الوحيدة يجب أن تكون "لا طعام بلا عمل"...
لأني أعرف أنّ من الأسهل بكثير إلقاء الوجبات في وجوه العاطلين عن العمل، بينما أصعب بما لا يقاس تنظيم مؤسسة يقدم العمل النزيه فيها قبل تقديم الوجبات. من منظور مادي، وفي المراحل التأسيسية علي أي حال، فإن تقديم الوجبات للناس بعد جعلهم يعملون هو أكثر كلفة من ترك المطبخ حرّاً كما هي عليه الحال الآن. لكني أعتقد أنه سيكون أقل كلفة على المدى الطويل إن لم نشأ أن نزيد، كالمتوالية الهندسية، عدد المتسكعين الذي يتزايد بشكل مفرط على هذه الأرض.
(الهند الفتاة، 13-8-1925، ص282)
***
إله الفقراء
لا أتجرّأ أن أنقل لهم رسالة الله. كما ليس بوسعي أن أضع أمام الكلب هناك، وأمام ملايين الجائعين الذين لا بريق في أعينهم، والذين إلههم الوحيد هو الخبز، رسالة الله. فقط بوسعي أن أنقل إليهم رسالة الله من خلال رسالة العمل المقدس. إذ يمكن التحدث عن الله ونحن جالسين هنا أمام وجبة إفطار جيدة، وننتظر وجبة الغداء، لكن كيف بوسعي التحدّث عن الله للملايين الذين ليس بوسعهم تناول وجبتين في اليوم؟ فبالنسبة لهؤلاء لا يمكن للألوهة أن تكون إلاّ خبزاً وزبدة. وقد قدّمت لهم المغزل آملاً أن يغدو بوسعهم الحصول على الزبدة. وإن كنت أبدو اليوم مرتدياً مئزري، فلأني أصبحت الممثل الوحيد لهؤلاء الملايين من أنصاف الجائعين وأنصاف العراة العاجزين عن الكلام.
(الهند الفتاة، 15-10-1931، ص310)
***












الفصل الثامن

في العمل

في إنجيل العمل من أجل القوت اليومي
خلق الله الإنسان لكي يعمل من أجل قوت يومه، وقال: الذين يأكلون ولا يعملون لصوص.
(الهند الفتاة، 13-10-1921، ص325)
***
لقد علمت بالقانون القائل أنّ على الإنسان أن يعمل لكي يأكل. وقد جاءتني أولاً من قراءة كتابات تولستوي حول الخبز والعمل. لكن، حتى قبل ذلك، بدأتُ بتقدير هذه الفكرة حين قرأت كتاب روسكين بمعزل عن الماضي. وكان أول من تناول هذا القانون الإلهي القائل بأن على الإنسان أن يحصل على خبزه بعمل يديه كان كاتباً روسياُ يدعى بونداريف، الذي عرّف به ودعى إليه تولستوي. من وجهة نظري، لقد تمّ التعرّض لنفس الموضوع في الفصل الثالث من الغيتا حيث نقل إلينا بأن الذي يأكل من دون تقديم أضحية إنما يأكل طعاماً مسروقاً. والأضحية هنا تعني الخبز الذي هو نتاج العمل.
(من يرفدا مندير، ص35)
***
وصلنا بالمنطق أيضاً إلى نفس النتيجة. هل يحق لامرئٍ لا يعمل بذاته أن يأكل؟ "عليك أن تأكل خبزك بعرق جبينك" - هذا ما قاله الكتاب المقدس. ليس بوسع المليونير أن يستمر طويلاً، وسيصيبه الملل بسرعة، إن بقي طوال اليوم مستلقياً على فراشه، لذا نراه يتمرّن على الجوع الذي سيساعده على تأمين قوته. لو أنّ كل واحد منا، سواء كان غنياً أم فقيراًً، تمرّن على هذا، بإي شكل أو بأية طريقة، فلما لا يتمرّن على التحصيل الإيجابي للطعام؟ لم يطلب أحد من المزارع أن يمارس تمارين رياضية، وأن ينمي عضلاته. لا بل أنه أكثر من تسع أعشار الإنسانية يعيش من فلاحة الأرض. كم كنّا أسعد، وأكثر صحةً وسلاماً لو أن العشر المتبقي اتّبع مثال الأكثرية الساحقة، على الأقل فيما يتعلق ببذل ما يكفي من الجهد لتحصيل خبزهم.
***
لم يخلق الله أكثر مما نحتاج إليه لتلبية احتياجاتنا الآنية، لذلك فحين يتملك الفرد أكثر مما يحتاج إليه يفقر جيرانه. وسبب مجاعة الناس في أصقاع متفرقة من الأرض أن الناس يستولون على أكثر مما يحتاجون إليه. ونحن بوسعنا استعمال هبات الطبيعة كما نشاء لكن، في كتب الطبيعة، يتساوى دائماً ما يؤخذ وما يعطى. أمّا في كتبنا فليس هناك أي توازن في أي من العمودين.
 (تطبيق تعاليم الأشرام، ص ص 62 – 63)
***
كان العمل الذكي من أجل الخبز دائماً أعلى أشكال الخدمة الاجتماعية، لكن كم سيكون أفضل لو أضاف الإنسان بجده الخاص شيئاً مفيداً إلى ثروة البلد: أن "نكون" هو أن "نفعل".
وقد أضيفت صفة "الذكاء" إلى العمل لتبيان أنّ العمل، لكي يكون خدمة استشارية، يجب أن تكون له هدفٌ معين. وهذا يعني أن كل عامل يقدم خدمة اجتماعية، ويفعل هذا بطريقة ما. لكنّ المعنى هنا أكبر بكثير، لأن الشخص الذي يعمل للصالح العام يخدم المجتمع ويستحقّ الترقية. لهذا فإن العمل من أجل الخبز لا يختلف عن الخدمة الاجتماعية.
(هاريجان، 1-6-1935، ص125)
***
لو عاش كل شخص من عرق جبينه لكانت الأرض جنة، ولما تطلبت مسألة استخدام الكفاءات الخاصة مراعاة متميزة. لو أن كل شخص عمل جسدياً من أجل تحصيل خبزه، فإن النتيجة ستكون أنّ الشعراء والأطباء والمحامون إلخ... سيكتشفون أنّ من واجبهم تقديم مؤهلاتهم من أجل خدمة الإنسانية دون مقابل، مما يجعل محصلة إخلاصهم المتجرد للواجب أفضل وأغنى بما لا يقاس.
(هاريجان، 2-3-1947، ص47)
***
العودة إلى الريف تعني اعترافاً محدداً وطوعياً بواجب العمل لتحصيل الخبز، وإن كانت لا تشكل ضماناً. لكنّ الناقد يقول إنّ "الملايين من أطفال الهند يعيشون اليوم في القرى ولكنهم، رغم هذا، يعيشون حياة تقارب المجاعة"، وهذا صحيح مع الأسف. ولو كان بمقدورهم لتهرّبوا من العمل، ولجأوا حتى إلى أقرب مدينة تؤمن لهم احتياجاتهم.
يعتبر الخضوع الإلزامي لسيّد ما حالة من حالات العبودية، بينما يعتبر الخضوع الاختياري للأب مفخرة لبنيه. كذلك يُولِّد الخضوع الإلزامي لقانون العمل من أجل الخبز الفقر والمرض والاستياء، لأنه حالة من حالات العبودية، في حين يفترض أن يجلب الخضوع الاختياري لها الرضا والصحة. والصحة هنا صحة حقيقية، وليست بعض القطع من الفضة والذهب.
(هاريجان، 29-6-1935، ص156)
***
يعتبر الاقتصاد ذو العلاقة بالعمل من أجل الخبز طريقاً حياً للحياة لأنه يعني أنه يجب على كل إنسان العمل بنفسه من أجب طعامه ولباسه. لو كان بوسعي إقناع الناس بقيمة وضرورة العمل من أجل الخبز، فلن تبقى أية حاجة للخبز واللباس. ولن أتردد في أن أقول للشعب، وبثقة، إنّ عليهم أن يجوعوا، ويبقوا عراةً، إن كانوا لا يعملون في الحقل ولا يغزلون وينسجون.
(هاريجان، 7-9-1947)
***
لا يمكن لأيّ عملٍ يُصنَع باسمه أن يكون صغيراً لأنّ لكل الأفعال، في هذه الحالة، الدرجة ذاتها من التقدير.
(الهند الفتاة، 25-11-1926، ص414)
***
يجب أن نشعر بالخجل حين نستريح أو نتناول وجبة دسمة، طالما بقي هناك أي رجل قادر أو امرأة بلا عمل أو طعام.
(الهند الفتاة، 6-10-1921، ص314)
***
لا تسيئوا فهمي؛ فأنا لا أقلِّل من قيمة العمل الذهني، ولكن لا يغنيني أي مقدار من هذا العمل عن العمل الجسدي الذي على كلٍّ منّا أن يقدِّمه لصالح الجميع. إذ قد يكون، وهو غالباً كذلك، أسمى بما لا يقاس من العمل الجسدي. لكنه ليس ممكناً، لا اليوم ولا غداً، أن يحلّ محله، حتى كغذاء فكري، والذي قيمته أعلى بكثير من تلك الحبوب التي نأكلها، وليس بوسعه البتة أن يحل محلها. بالفعل، ما كان ممكناً للعقل أن يستمر من دون ما تنتجه الأرض.
(الهند الفتاة، 15-10-1925، ص ص355 و356)
***
العمل ورأس المال
لقد قلت دوماً إنّ الشيء المثالي بالنسبة لي هو أن يُكمل رأس المال والعمل بعضهما بعضاً، وأن يتعاونا بحيث يشكِّلا عائلة كبيرة تعيش في وحدة وتناغم، وعلى الرأسماليين ألاّ يهتموا فقط بالرفاه المادي للعاملين لديهم، بل أيضاً برعايتهم المعنوية تماماً كما هم مسؤولون بموجب ذلك على الرفاه المادي للطبقات العاملة.
(الهند الفتاة، 20-8-1925، ص285)
***
لا يمكن إلغاء استغلال الفقير بمجرد تدمير حفنة من أصحاب الملايين، وإنما بإزالة جهل الفقراء، وتعليمهم كيفية اللاتعاون مع مستغليهم، مما يساعد على تحويل المستغلين أنفسهم. حتى إني اقترحت بأن هذا سيؤدي، في نهاية المطاف، إلى أن يصبحوا شركاء متساوين. فرأسال المال بحدّ ذاته ليس شراً، إنما الشرّ يكمن في سوء استعماله. كما أننا سنكون دائماً بحاجة إلى رأسال المال بهذا الشكل أو ذاك.
(هاريجان، 28-7-1940، ص219)
***
لا يوجد حقّ في العالم لا يفترض واجباً يقابله. مالك الشيء لا يُفسد أبداً ما يملكه. لذلك حين تعرف أن المطحنة مُلك لك بمقدار ما هي مُلك لأصاحبها، فإنك لن تُعطِّل أبداً ملكيتك. ولن تقوم البتّة بتدمير الثياب أو الآلات لمواجهة خلافك مع أصحاب المطاحن. قاتل، إن كان لا بدّ من ذلك، على درب الاستقامة وسيكون الله معك. وأكرّر أنه لا يوجد طريق ملكي يجعلك تحصل على حقوقك سوى تطهير الذات والمعاناة.
(الهند الفتاة، 4-8-1927، ص248)
***
وسترى مرّة أخرى، أن المطلوب القيام في إطار مخطط اللاعنف هذا لا يقل عن... ما هو مطلوب من الجندي العادي المسلح أن يقوم به من رأسه إلى أخمص قدميه. لأنه حين يسعى بلا شك إلى قتل وتدمير عدوه، فإنه يحمل حياته على كفه. ما يعني أني أريد من العمل أن ينسخ شجاعة الجندي دون أن ينسخ في الوقت نفسه جلافتها، وتحديداً أن يقتله. لذلك أقترح عليك أن تنظر إلى ذلك العامل الذي يواجه خطر الموت وهو أعزل من السلاح، ولا حتى للدفاع عن نفسه، على أنه يتمتع بشحاعة أكبر من تلك التي يحملها رجل مسلح من رأسه إلى أخمص قدميه.
(الهند الفتاة، 14-1-1932)
***
حين سيعي العمل كرامته سيجد المال مكانه الصحيح، ما يعني أنه سيصبح مؤتمناً عليه للعمل. لأن العمل أهم من المال.
(هاريجان، 19-10-1935، ص285)
***
أنا لا أعارض تنظيم العمل لكني، ككل الأشياء، أريد لهذا التنظيم أن يكون على توازٍ مع الخطوط الهندية، أو إن شئتم مع خطوطي، والعامل الهندي يعرف هذا غريزياً. أنا لا أنطر إلى رأس المال كعدوٍّ للعمل، وأرى أن تعاونهما ممكن جداً. فتنظيم العمل الذي قمت به في جنوب أفريقيا وششانماران وأحمد أباد لم يكن ينطلق من روح العداء للرأسماليين، لأن مقاومة كل حالة، وبالدرجة المطلوبة، كانت ناجحة بالكامل.
(الهند الفتاة، 17-3-1927، ص86)
***
لا أعتقد أنّ من الضروري أن يكون هناك أي صدام بين رأس المال والعمل لأن كل منهما مستقل عن الآخر. لكن ما هو ضروري اليوم هو ألاّ يهيمن الرأسمالي على العامل، لأني أعتقد أن الأيدي العاملة في المطاحن تملك مطاحنها بمقدار ما يملكها حاملو الأسهم، وعندما سيعي أصحاب المطاحن أن الأيدي العاملة في مطاحنهم تملكها بمقدار ما هم يملكونها، فإن الخلاف بينهما سيزول.
(الهند الفتاة، 4-8-1927، ص248)
***
لو أنّ كل حقّ كان ينبثق من واجب تمّ القيام به بشكل جيد لكان لا يعوض، ما يعني أني أستحقّ راتبي فقط حين أقوم به بشكل كامل، لأني حين آخذ راتبي من دون أن أقوم بعملي أصبح لصاً. فليس بوسعي المشاركة بإصرار مستمر على تحصيل الحقوق من دون الرجوع إلى تأدية الواجب الذي يجعل تلك الحقوق مستحقة.
(هاريجان، 30-11-1947، ص448)
***


في الإضراب عن العمل
أعلم أنّ الإضراب حق طبيعي للعمال من أجل تحصيل حقوقهم، لكنّ يجب النظر إليه كجريمة بمجرد ما يوافق الرأسماليون على مبدأ التحكيم.
(الهند الفتاة، 5-5-1920، ص6)
***
شروط الإضراب الناجح سهلة، ولن يفشل الإضراب أبداً إن تأمنت له الشروط التالية:
- يجب أن تكون فكرة الإضراب عادلة.
- يجب أن يتوفر، من حيث المبدأ، إجماع عملي بين المضربين.
- يجب عدم استعمال العنف ضد الذين لم يُضربوا.
- يجب أن يكون المضربون قادرين على الاعتماد على أنفسهم خلال فترة الإضراب، وألاّ يحتاجوا أي تمويل من النقابات. لهذا، عليهم إشغال أنفسهم بعمل مؤقت مفيد ومثمر.
لا يكون الإضراب هو الحل حين يتوفر ما يكفي من العمالة للحلول محل المضربين. في مثل هذه الحالة، وفي حال المعاملة السيئة أو الأجر غير العادل، يكون الحل هو الخضوع.
طبعاً كانت هناك إضرابات ناجحة لم تتأمّن فيها مثل هذه الشروط، ما يدلّ على أنّ أصحاب العمل كانوا إما ضعفاء أو إنّ ضميرهم كان مثقلاً. لكننا نخطىء جداً حين نقلّد الأمثلة السيئة؛ فالأسلم عدم نسخ أية أمثلة لا نعرف عنها كل شيء، بل علينا اتِّباع الشروط التي نعلم ونعترف بأنها أساسية للنجاح.
(الهند الفتاة، 16-2-1921، ص ص52–53)
***
يفترض أن يكون الإضراب السلمي محصوراً بالذين يشملهم نفس التظلّم الواجب تصحيحه. وهكذا، إن قام الصُّناع المنافسون من عمال تمبوكتو، المكتفون بما يحصلون عليه، بالإضراب تضامناً مع عمال المطاحن الذين يحصلون على أجور متدنية، فإن إضراب الصنّاع المنافسين سيكون نموذجاً عنفياً لأن عليهم أن يساعدوا بطريقة أكثر فعالية كأن يسحبوا اعترافهم من أصحاب المطاحن في تيمبوكتو من دون أن يعرّضوا أنفسهم لتهمة العنف.
لكن من الممكن تخيّل مناسبات يكون فيها غير المظلومين بشكل مباشر مجبرين على إيقاف العمل، كأن يتم على سبيل المثال تحالف أصحاب المصانع المنافسة مع أصحاب المطاحن في تيمبوكتو، عندئذٍ، يكون واجباً بوضوح على عمال المصانع المنافسة أن يتضامنوا مع عمال المطاحن. لكنّ ما اقترحته هو فقط من باب المثال، لأن من الواجب في النهاية أن تعطى كل حالة ما تستحقه من دراسة. لأنّ العنف قوة خبيثة، ولأنّه ليس من السهل تلمّس وجوده دائماً، وإن كنت تشعر به في نفس الوقت.
(الهند الفتاة، 18-11-1926، ص400)
***
لن أشارك، في أي حال من الأحوال، وبغض النظر عن اللاعنف، في إضراب عام يهدف إلى الإستيلاء على السلطة.
(هاريجان، 28-7-1946، ص237)
***
كيف يجب على رأس المال أن يتصرف تجاه الإضرابات العمالية؟ السؤال مطروح، وله الكثير من الأهمية في الأوقات الراهنة. إحدى الطرق هي تلك المسماة بالأمريكية، وهي عبارة عن إلغاء العمل عن طريق الغوغائية المنظمة. والجميع يتفق على اعتبار هذه الطريقة خاطئة ومدمرة. أما الطريقة الأخرى، الصحيحة والمحترمة، فهي تقتضي معاملة كل إضراب كما يستحق، وإعطاء العمل حقه، ليس وفقاً لما يرى رأس المال أنه حق له، إنما وفق ما يستحقه العمل كعمل ويراه الرأي العام المستنير حقاً..
مع تقدم الوقت، يصبح عالم العمل أكثر إلحاحاً في مطالبه التي تزداد كل يوم، وهو لا يتردد في اللجوء إلى العنف من أجل تحقيق هذه المطالب. وقد استعملت طرق جديدة لدعم تلك المطالب، حيث لا يتردد العمال في الإساءة إلى ممتلكات أصحاب العمل، وتخريب الآلات، والتعدي على الكبار في السن، وعلى النساء، الذين لم يلتحقوا بالإضراب، وقسرهم على استبعاد مفسدي الإضراب. في مثل هذه الظروف، كيف يجب أن يتصرف أرباب العمل؟
... نصيحتي لأرباب العمل هي أن يتعاملوا بكل طيبة خاطر مع العمال كملاك حقيقيين، وخاصةً فيما يتعلق بمشاكل يتوهمون أن أرباب العمل قد تسببوا بها، لا بل أن يذهبوا أبعد من ذلك بحيث يعتبروا أنّ عليهم تقديم تربية صحيحة للمستخدمين، تربية توقظ الذكاء النائم في أعماقهم، وترحب بسرور بتلك القوة التي أعطيت لهم، والناجمة عن ذلك التضامن العمالي.
لا يمكن لأرباب العمل القيام بعملٍ نبيلٍ كهذا مثل بين ليلة وضحاها. وفي هذه الأثناء ماذا يجب على الذين يواجهون مطرقة المضربين أن يفعلوا؟ من دون تردد، تراني أنصح أصحاب العمل هؤلاء بأن عليهم المباشرة بتفضيل المضربين على أنفسهم، وأن يخلوا ممتلكاتهم ليس تحت التهديد، إنما لأن هذا صحيحاُ، ولكي يظهروا حسن نواياهم، أن يقدّموا لمستخدميهم مساعدة مهندسيهم وموظفيهم الأكفاء. وسرعان ما سيكتشف أرباب العمل أنهم لم يخسروا شيئاً في نهاية المطاف. حقاً، سينزع عملهم الصحيح سلاح معارضيهم، ويمنحهم مباركة عمالهم، لأنهم استخدموا رأسمالهم بشكل صحيح. وأنا لن أعتبر هذا العمل عمل خير بل هو استخدام ذكي للموارد من قبل الرأسماليين، وتعامل نزيه مع المستخدمين، الذين حوّلوهم إلى شركاء حقيقيين.
(هاريجان، 31-3-1946، ص60)
***
من يفلح الأرض
إن كان للمجتمع الهندي أن يتطور تطوراً حقيقياً على دروب آمنة، فيجب على الطبقة الموسرة أن تعترف بأن للفقراء نفس الروح التي يملكونها، وأن ثروتهم لا تعطيهم حق التعالي على الفقراء. عليهم أن ينظروا إلى أنفسهم، تماماً كما فعل النبلاء اليابانيون، كمؤتمنين يحافظون على ثروتهم لصالح الذين يحرسونهم، أي الفقراء. عندئذٍ، لن يأخذوا من عمّالهم إلاّ عمولة بسيطة. أما الآن، فلا يوجد أي تناسب بين كل هذا البهرج غير الضروري والمبالغ فيه للطبقة الموسرة وبين البؤس المحيط والفقر الشديد والطاحن للفقراء، الذين يعيش الأغنياء في وسطهم... لو كان بوسع الطبقة الغنية أن تقرأ فقط مؤشرات الأزمنة، فتعيد النظر بمفاهيمها التي تعطيها حقاً إلهياً في ممتلكاتها؛ فعندئذٍ، وخلال فترة قصيرة جداً، ستتحول السبعمائة ألف كوم من الروث التي تفي اليوم بالغرض كقرى، إلى معابد للسلام والصحة والرفاهية.
لأني مقتنع بأنّ الرأسمالي الهندي، إن اتَّبع مثال الساموراي الياباني، لن يخسر شيئاً وسيربح كل شيء. إذ ما من خيار آخر بين تخلّي الرأسماليين عمّا هو فائض لديهم، ما يعني السعادة للجميع من جهة، وبين الفوضى، إن لم يستفق الرأسمالي بسرعة، التي ستحصل على يد الملايين الجائعة، المتيقظة والجاهلة، فتغرق البلد بفوضى لا يمكن لكل القوة المسلحة التي بوسع الحكومة جلبها أن تتلافها. وأملي هو أن يكون بوسع الهند تلافي الكارثة.
(الهند الفتاة، 5-12-1929، ص396)
***
الحلم الذي أتوق لتحقيقه ليس نهب الملكية الخاصة، وإنما حدّ التمتع بها بحيث يكون بالإمكان تجنّب الفقر الشديد وما ينتج عنه من غضب وتناقض بشع، كما هي عليه الحال اليوم، بين حياة ومحيط الغني والفقير. لأنّ على الآخرين أن يشعروا بأنهم شركاء مُلاّك الأراضي وليس عبيدهم. وأن يصبح العمل جميلاً إلى أقصى حد، ما يجنبنا حالات الابتزاز التي تحصل في كل المناسبات.
(الهند الفتاة، 2-11-1929، ص384)
***
قرأت قبل سنوات قصيدة تصف الفلاح بأنّه مَلك العالم. لو أنّ الله كان العاطي فإنّ المزارع هو ذراعه، فما الذي يجب أن نفعل لنفي الدين الذي علينا تجاهه، خاصةً وأننا نحيا من عرق جبينه؟.
(هاريجان، 25-8-1946، ص281)
***
الخيار الذي يسبق العمل
في قلب الصراع الدائر بين رأسال المال والعمل بوسعنا القول إنّ الرأسماليين هم غالباً في المربع الخطأ. أما عندما يتمكن العمل من تحقيق قوته بشكل كامل، فأنا أعرف أنّ من الممكن أن يصبح أكثر طغياناً من رأس المال. حيث يصبح متوجباً على أصحاب المطاحن أن يعملوا وفق الشروط التي يمليها العمل، إن تمكن هذا الأخير من السيطرة على المخابرات. رغم أنّ من الواضح أنّ العمل لن يتمكن من ذلك، لأنه لو تمكن من ذلك فلن يعود عملاً بل سيصبح سيداً. والرأسماليون لا يحاربون بقوة مالهم فقط، لكنهم يملكون أيضاً الذكاء والبراعة... لهذا انتشر فريق ثالث بين هذين الفريقين، وأصبح هذا الفريق صديقاً للعمال. وهناك حاجة لمثل هذا الفريق، شرط أن تكون صداقته للعمال خالية من الأغراض، لأنه غالباً ما يستخدم العمال اليوم كرهينة، وبأكثر من طريقة. والفرصة هنا هي بين أيدي أولئك الذين يعملون في السياسة؛ فما الذي سيختارونه؟ مصالحهم الخاصة أم مصالح العمل والأمة؟ لأن العمل بحاجة ماسّة إلى أصدقاء، وليس بوسعه الاستمرار من دون قيادة. ونوعية الأشخاص الذين سيقودون هي التي ستحدد شروط العمل. فالإضرابات وإيقاف العمل والتظاهر أشياء رائعة. هذا لا شك فيه. لكن ليس من الصعب استغلالها، لذلك يجب على العمال أن ينتظموا في نقابات، وأن لا يضربوا بأي شكل من دون موافقة هذه النقابات. كما يجب أن لا يباشَر بأي إضراب قبل التفاوض مع أصحاب المطاحن؛ فإذا لجأ هؤلاء إلى التحكيم، عندئذٍ يسود مبدأ مجلس الحكماء ("البانشايات"، بالسنسكريتية). وبمجرد أن يتم الاتفاق على المجلس، يتوجب أن تُقبل قراراته من قبل الطرفين على حدٍّ سواء، أيّاً كانت تلك القرارات.
(الهند الفتاة، 11-2-1920، ص ص7و8)
الفصل التاسع

الرخاء للجميع (سارڤودايا)

في إنجيل الرخاء للجميع
إن كان علينا خدمته أو التماهي معه، فإن عملنا يجب أن يكون دؤوباً كعمله. من الممكن أن تستريح قطرة الماء حين تكون بعيدة عن المحيط، لكن بمجرد أن تصبح جزءاً من المحيط فإنها لن تعرف الاستراحة. الأمر نفسه فيما يتعلق بنا؛ فبمحرد أن نتماهى مع شكل المحيط الإلهي لن نعرف معنى الاستراحة، ولن نحتاج إليها بالأحرى. لأنّ حتى نومنا سيكون فعلاً بحد ذاته، حيث سننام وأفكار الله في قلوبنا. هذا التململ هو الراحة الحقيقية لأن هذا الحراك المستمر يحمل في قلبه سلاماً لا يوصف، وهذه الحالة من الاستسلام الكامل أصعب من أن توصف، لكنها ليست خارج حدود التجربة الإنسانية؛ فقد قاربتها العديد من النفوس المكرّسة، وبوسعنا نحن أيضاً مقاربتها.
( من يرافدا مندير، توجه الأشرام، ص47)
***
يجب أن يتمحور كل نشاطنا حول الحقيقة لأنّ الحقيقة يجب أن تكون متنفسنا الوحيد، وعندما يبلغ الحاجّ هذه المرحلة من تطوره تصبح باقي قواعد الحياة الصحيحة كلها يسيرة، ويصبح اتّباعها غريزياً، إذ ليس بوسعنا، من دون الحقيقة، اتِّباع أيّ مبدأ من مبادىء الحياة.
(  ص 2)
***
لا يمكن للباحث عن الحقيقة، الذي يتّبع طريق المحبة، أن يضمر شيئاً ضد الغد، لأن الإله لا يؤمّن لنا الغد البتة؛ فهو لا يخلق أبداً أكثر مما نحتاجه تحديداً ليومنا. وإن كنا نؤمن فعلاً بعنايته، فإن علينا أن نستريح متأكدين من أنه سيزوّدنا كل يوم بخبز يومنا، وبالقدر الذي نحتاجه.
 (الهند الفتاة، 4-9-1930، ص1)
***
الهدف الأسمى للإنسان هو تحقيق الألوهة، لذلك فإن كل نشاطاته، الاجتماعية والسياسية والدينية، يجب أن توجهها هذه الغاية العظيمة للرؤية الإلهية. وهذا يجعل الخدمة المباشرة لجميع البشر جزءاً ضرورياً من المسعى لمجرّد أنه جزء من طريقة إيجاد الله من خلال خليقته، والتماهي معهم. وهذا يتم فقط عن طريق خدمة الجميع لأني جزء وقطعة من كل، ولأنْ ليس بوسعي أن أجده بمعزل عن باقي الإنسانية.
أبناء بلدي هم أقرب جيراني. وقد أصبحوا بلا أمل ولا مورد وخامدين ما يدفعني لأن أكرّس كل جهدي لخدمتهم. لو كان بوسعي إقناع نفسي بأني أستطيع إيجاده في كهف في الهيملايا، فإني سأتوجه إلى هناك مباشرة، لكني أعرف أن ليس بوسعي أن أجده بمعزل عن الإنسانية.
(هاريجان، 29-8-1936، ص226)
***
من يبحث عن الفقير، ويدعو سواه للتصرف بطريقة مماثلة، يخدم الله أكثر مما يخدمه أي شخص آخر. لأنه كما قالت الباغاڤادغيتا: "قطعة فاكهة صغيرة أو وردة أو حتى ورقة نبتة لروح بهاختي" وأقام حيث يعيش المتواضع والأحقر والضائع "هو خادمي". هذا ما يجعل العمل على المغزل يكافىء أكبر صلاة، وأكبر فضيلة، وأكبر تضحية.
(الهند الفتاة، 24-9-1925، ص ص 331-332)
***
لا يمكن التماهي مع كل شيء حي ما لم نطهر أنفسنا. ما لم نطهر أنفسنا يبقى اتّباع تعاليم الآهيمسا كالحلم الفارغ؛ فالألوهة لا يمكن أن تتحقق داخل من لم يكن طاهر الفلب. لذا فإن تطهير الذات يشمل كل مجالات الحياة. ولما كانت الطهارة معدية، فإن تطهير النفس سرعان ما ينتشر في محيط صاحبه. لكن درب الطهارة صعب وقاس، حيث للوصول إلى طهارة كاملة يتوجب على المرء أن يصبح متحرراً من الانفعال في الفكر والكلام والفعل، وأن يترفع عن التيارات المتصارعة للحب والكراهية، والتعلق والرفض. وأعرف أني لم أحقق بعد في نفسي مثل هذه الطهارة المثلثة رغم سعيي الدؤوب، والذي لا يتوقف، في سبيلها. لهذا ليس بوسع إطراء العالم أن يزحزحني، وإن كان أحياناً يلسعني. السيطرة على العواطف الخبيثة تبدو لي أصعب من فتح العالم بقوة السلاح.
... لقد كانت لي تجارب مع تلك العواطف الدفينة في داخلي، وقد أشعرني التعرف إليها بالخجل، رغم أنها لم تهزمني. كما أن التجارب والامتحانات التي مررت بها قوَّتني ما أشعرني بسعادة كبيرة، رغم معرفتي بأنّ  أمامي طريق طويل لأقطعه في هذا السياق، حيث علي أن أحوِّل نفسي إلى لا شيء. لأنّ الإنسان ما لم يجعل من نفسه، وبإرادته الذاتية، الأخير بين المخلوقات، فلن يحقق الخلاص. والآهيمسا هي أبعد حدود التواضع.
(سيرة ذاتية – أو قصة تجربتي مع الحقيقة، ص371)
***
يقولون إنَّ "الوسائل هي في نهاية المطاف مجرد وسائل". وأنا أقول بالأحرى: "إنّ الوسائل هي في نهاية المطاف كل شيء". والغايات أيضاً كالوسائل.... حيث لا يوجد جدار يفصل بين الوسيلة والغاية. وفعلاً، أعطانا الخالق إمكانية التحكم بالوسائل (وإن كانت هذه أيضاً محدودة جداً)، لكنه لم يعطنا أية إمكانية للتحكم بالغايات. ما أقوله هو اقتراح لا يقبل أي استثناء.
(الهند الفتاة، 17-7-1924، ص ص236–237)
***
الواجب هو الينبوع الحقيقي للحقوق؛ فإن قمنا جميعنا بواجباتنا، لن تكون الحقوق بعيدة المنال. أما حين ندع واجباتنا جانباً ونسعى وراء حقوقنا، فإنها ستهرب منّا كورقة في مهب الريح. وكلّما لاحقناه أكثر كلّما هربت منا أكثر. وهذا يتطابق مع التعليم الخالد لكريشنا في هذه الكلمات الخالدة: "الفعل بحد ذاته واجب، أما الثمرة فهي حق".
 (الهند الفتاة، 8-1-1925، ص ص15و16)
***
فلسفة الياجنا (التضحية)
الياجنا هي الفعل الذي غايته رفاهية الآخرين، ذلك الذي نفعله دون مقابل، مادي أو معنوي. و"الفعل" هنا يجب أن يؤخذ بمعناه الأوسع، وهو يشمل الأفكار والأقوال، وكذلك الأفعال. كما أن هناك أفعال لا تشمل الإنسانية فقط، إنما أيضاً الحياة ككل.
وأيضاً، يجب أن تكون التضحية الأولية عملاً يقود إلى تحقيق أقصى الرفاه لأكبر عدد من الناس، في أوسع مساحة ممكنة، والذي يمكن أن يقوم به أكبر عدد من الرجال والنساء بأقلّ الأضرار. ما يعني، أنها ليست تضحية (ياجنا)، وبالأحرى تضحية كبرى (ماهاياجنا)، أن تتمنى الأذية، أو أن تلحقها بأي شخص آخر، حتى ولو كان ذلك في سبيل مصلحة أعلى. وتعلّمنا (الغيتا)، كما تؤكد التجارب، أنّ كل الأفعال، التي لا يمكن أن تُصنَّف على أنها ياجنا، تُعزِّز الاستعباد. من هذا المنظور ليس بوسع العالم أن يستمر، ولو للحظة واحدة، من دون تضحية، وبالتالي فإن الغيتا التي تعاطت مع االحكمة الحقيقية، في الفصل الثاني، تعاطت، في الفصل الثالث، مع طرائق الوصول إليها مؤكِّدةً، من خلال كلمات كثيرة، أنّ التضحية (الياجنا) كانت موجودة منذ بداية الكون. فهذا الجسد أعطي لنا لكي نخدم به الخليقة. وبالتالي، كما تقول الغيتا، فإنّ كلّ من يأكل من دون تضحية إنما يأكل طعاماً مسروقاً، وإنّ كل عمل يهدف إلى تحقيق حياة طاهرة يجب أن يتَّسم بالتضحية (بالياجنا).
ولما كانت التضحية قد جاءتنا مع ولادتنا، فإننا مَدينون لها طيلة حياتنا، وملزمون بخدمة هذا العالم. فكما يكون العبد الذي يتلقى الطعام واللباس من سيده ملزم بأن يخدمه، علينا بكل امتنان أن نقبل هذه الهبات المقدمة لنا من قبل سيد الكون؛ فما نتلقاه يجب أن نتعامل معه كهبة، وهذا يعني أننا، كمَدينين، ملزمين بأن لا نهمل التزاماتنا. ما يعني وجوب عدم لوم السيد إن لم فشلنا في تحقيقها؛ فأجسادنا، التي هي ملك له، يجب أن يُعتنى أو يضحّى بها إذا كانت هذه هي مشيئته. وهذا لا يستدعي التذمر ولا الشفقة بل، بالعكس، هي حالة ممتعة ومرجوة أن نتمكن من تحقيق مكانتنا في قلب المخطط الإلهي. ونحن نحتاج إلى إيمان قوي بحقّ إن كنّا نرغب في أن نجرّب نعمته اللامتناهية. "لا تقلق على نفسك، ودع الأمر لله"- هذه على ما يبدو، وصية كافة الأديان. ولا ينبغي لهذا أن يخيف أحداً، لأن من يكرّس نفسه للخدمة سيتفهم، يوماً بعد يوم، ضرورتها (التضحية) في مجالات أوسع، وسيزداد إيمانه. ودرب الخدمة لا يمكن أن يطأه من لم يتخلى عن مصالحه الذاتية، ويتعرف إلى اشتراطات ولادته. وكلٌّ منّا، سواء بشكل واع أو من دون وعي، يُقدِّم بعض الخدمات، لكننا إذا ما عوَّدنا أنفسنا على تقديم الخدمة بشكل طوعي، فإن رغبتنا في الخدمة ستصبح أقوى، وهذا لا يحقق سعادتنا فحسب، وإنما أيضاً سعادة العالم برمّته.
(من ياراهما مندير، توجه الأشرام، ص ص53-56)
***
لن يفكر من يخدم طوعاً، لن يفكّر بسلواه التي يدعها لمشيئة ربه الذي في الأعالي، ما يعني أنه لن يشغل نفسه بما قد يعترض طريقه بل سيأخذ فقط ما يحتاج إليه ويدع الباقي. وسيكون هادئاً سلساً، لا يعرف الغضب حين يفكر حتى وإن صدف أن وجد نفسه متضايقاً، لأن خدمته، كفعاليته، هي مكافأته الوحيدة، وسيكون سعيداً بها.
وكذلك، يجب أن لا يتجرأ أحد على أن يهمل واجبه أو يتخلف عنه. فمن يعتقد أن عليه أن يهتم بعمله الخاص فقط، تاركاً القيام بالعمل العام لوقت لآخر، ليقوم به بالطريقة التي يختارها، ما زال عليه أن يتعلم بدائيات فعل التضحية. لأنّ خدمة الآخرين بصورةٍ طوعية تتطلب منّا أن نعطي أفضل ما عندنا، لا بل يجب أن تسبق خدمتنا لأنفسنا. ما يعني أن المتطوع الحقيقي يكرّس نفسه لخدمة الإنسانية، دون أي تحفظ.
(المرجع نفسه، ص ص57-60)
هذه الحضارة الشيطانية
أريد النمو وأريد الحكم الذاتي والحرية. لكني أريد هذ�

***
الإنسان والآلة
أنا مقتنع، بشكل كامل، بأنّه حين تزول كل منجزات عصر التقنية ستبقى الأعمال اليدوية، وحين يزول الاستغلال ستبقى الخدمة المخلصة والعمل المخلص. وبسبب إيماني هذا، أستمر في عملي... لقد كان الإيمان الذي لا يقهر لكلّ من ستيفنسون وكولومبوس هو سندهم في عملهم. والإيمان بعملي هو سندي الرئيسي.
(هاريجان، 30-11-1935، ص329)
***
لو كانت الأمور مثالية لكنت استغنيت عن كل الآلات، كما كنت استغنيت عن هذا الجسد الذي لا يساعدني في خلاصي، ولسعيت إلى تحرر الروح تحرراً كليّاً. من هذا المنظور، أرفض كل الآلات، لكن الآلات ستبقى لأنه لا يمكن تجنبها. والجسد بحد ذاته... آلة مثالية؛ لكنه حين يصبح عائقاً أمام تحليق الروح يغدو الاستغناء عنه أمراً ضرورياً.
(الهند الفتاة، 20-11-1924، ص386)
ما أعترض عليه هو جنون الآلة، وليس الآلة بحد ذاتها. هذا الجنون الذي سببه ما يدعونه توفير العمل والمال؛ فالناس يستمرون في "توفير العمل" بحيث يصبح الآلاف بلا عمل، فيرمون بهم في الشارع حيث يموتون جوعاً. وأنا أيضاً أريد الاقتصاد بالوقت والعمل، لكن ليس من أجل حفنة من الناس، وإنما من أجل الإنسانية ككل. يجب أن تكون الغاية توفير عمل الفرد، لا أن يكون الجشع الإنساني هو الدافع. لهذا، مثلاً، تراني أرحِّب، في أي وقت، بآلة لتجليس المغازل الملتوية. ليس من أجل أن يصبح الحدادين بلا عمل فلا يعودون يصنعون المغازل؛ حيث سيستمرون في صنع المغازل، لكن عندما تتعطل هذه المغازل سيكون لكل مغزل آلة لتصليحه. لذا؛ فلنستبدل المحبة بالجشع وسيكون كل شيء على ما يرام.
(الهند الفتاة، 13-11-1924، ص378)
***
المكننة أمرٌ جيد حين تكون اليد العاملة غير كافية للقيام بالعمل المطلوب، لكنها تصبح شراً حين تكون اليد العاملة الضرورية للقيام بالعمل أكثر من اللازم، كما هو الحال في الهند. فالمشكلة، بالنسبة لنا، ليست في تأمين أوقات راحة للملايين من سكان قرانا، إنما في الاستفادة من ساعات فراغهم التي تعادل، من حيث أيام العمل، ستة أشهر في السنة.
(هاريجان، 16-11-1934، ص316)
***
لا يهتم الإنتاج الشامل بالمتطلبات الحقيقية للمستهلك، لأنه لو كان الإنتاج الشامل جيداً بحد ذاته لكان بوسعه التنوع إلى ما لا نهاية، لكنّ ما نلاحظه هو أنّ لهذا الإنتاج محدودياته الخاصة. كما أنّه لو تبنت كل الدول هذا النوع من الإنتاج لما كانت هناك أسواق كافية لمنتجاتها، وهذا يعني أن الإنتاج الشامل سوف يتوقف عندئذٍ.
(هاريجان، 2-11-1934، ص301)
***
لا أريد للثروة أن تتركّز بين أيدي قلّة من الناس، بل أن تكون في متناول الجميع. تساعد الآلة اليوم قلّة من الناس على الركوب على ظهر الملايين. والدافع لهذا ليس الإحسان بهدف توفير العمل إنما الجشع. وأنا أناضل بكل قوتي ضد هذه الأوضاع.
(الهند الفتاة، 13-11-1924، ص378)
***
عندما يتمركز الإنتاج والاستهلاك سيزول إغراء تسريع الإنتاج بشكل مستمر وبأي ثمن، وستنتهي أيضاً كل صعوبات ومشاكل نظامنا الاقتصادي الحالي..، ولن يكون هناك تراكم غير طبيعي للكثروة في جيوب قلة، وعوز يعاني منه الأكثرية بسبب الأقلية...
في النظام الذي أنادي به سيكون العمل عملة التبادل وليس المعدن. عملة تكون هي الثروة، ويملكها كل من في وسعه استغدام قوة عمله، حيث يحول قوته إلى ملابس وإلى حبوب. وإذا احتاج إلى زيت البارافين، الذي ليس بوسعه إنتاجه، يستطيع مبادلته بما لديه من فائض الحبوب. إنه تبادلٌ للعمل وفق شروط حرة وعادلة ومتساوية – من منطلق أنها ليست لصوصية. قد تعترضون قائلين بأنّ ما أطرحه مجرّد نسخ لنظام المقايضة القديم. ولكن، أليست كل التجارة الدولية قائمة على نظام المقايضة؟
(هاريجان، 2-11-1984، ص302)
***
ما هو سبب هذه الفوضى الحالية؟ إنه الاستغلال. لا أقصد هنا استغلال الأمم القوية لتلك الأضعف منها، إنما الأمم الشقيقة لبعضها بعضاً. واعتراضي الرئيسي على المكننة مردّه أنّ هذه المكننة هي التي مكّنت الأمم من استغلال بعضها بعضاً. لأنها في النهاية مثل الأشياء الخشبية التي من الممكن أن يحسن أو يُساء استعمالها، لكنها، بسهولة وكما نعلم، يساء استعمالها.
(الهند الفتاة، 22-10-1931، ص318)
***
أُقيّم عالياً كل اكتشاف يتمّ من أجل الصالح العام، لكن هناك فرق بين اختراع واختراع؛ فلستُ مثلاً لستُ بتلك الغازات الخانقة التي بوسعها قتل أعداد كبيرة من البشر خلال فترة قصيرة. حيث تستخدم الآلات الثقيلة من أجل الأعمال التي لا يستطيع البشر القيام بها، شريطة أن تكون ملكيتها للدولة وأن تستخدم للصالح العام.
(هاريجان، 22-6-1935، ص146)
***
لعنة التصنيع
من الجيد أن نؤمن بالطبيعة الإنسانية، وأنا أحيا لأن عندي إيمان كهذا. لكنّ هذا الإيمان لا يُعمي بصيرتي عن واقع تاريخي يقول، ورغم أن كل شيء يبقى جيداً في النهاية، إن أشخاصاً ومجموعات سبقتنا، ونسميها أمماً، قد بادت. فروما واليونان وبابل ومصر وغيرها الكثير هي شهادات حية تؤكّد واقع أن أمماً قد بادت في السابق بسبب آثامها.
ما نأمله في هذا السياق هو أن أوروبا، من منطلق ثقافتها العلمية الجيدة، ستتبين ما هو واضح وتعاود السير على خطاها، فتجد المخرج الضروري لهذه التقانة المخيبة للآمال. وليس ضروريأ أن يحدث هذا من خلال العودة إلى البساطة القديمة المطلقة بالكامل. إنما يجب أن يكون هذا الطريق من خلال حياة يسودها الشكل الريفي، وتخضع القوة المادية الغاشمة فيها للقوة الروحية.
(الهند الفتاة، 6-8-1925، ص273)
***
مستقبل التصنيع قاتم؛ فلإنكلترة الآن منافسون ناجحون يتمثلون في أمريكا واليابان وفرنسا وألمانيا، كما تنافسها أيضاً حفنة من المطاحن في الهند. فقد كان هناك يقظة في الهند، كما ستكون يقظة في جنوب أفريقيا الأغنى منها بكثير من حيث الموارد الطبيعية والمعدنية والبشرية. حيث يبدو الإنكليز بجبروتهم كالأقزام مقارنة بالعرق الأفريقي الجبار. وقد تقولون معترضين، إنّ هؤلاء مجرّد متوحشين نبلاء. إنهم نبلاء حتماً، لكنهم ليسوا بالمتوحشين؛ وخلال سنوات ربما لن تجد الأمم الأوروبية في أفريقيا مجرّد أرض تُغرق أسواقها ببضائعها. لذلك، إذا كان مستقبل التصنيع قاتماً بالنسبة للغرب، فكيف سيكون بالأحرى بالنسبة للهند؟
(الهند الفتاة، 12-11-1941، ص335)
***
كلّما أمعنت النظر في روسيا، حيث بلغ تأليه التصنيع ذروته، أجد أن الحياة هناك لا تغويني. ومستخدماً لغة الكتاب المقدس حيث جاء: "ماذا يفيد الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟"، بتعابير حديثة، أقول إنّ من المهين للإنسان أن يفقد شخصيته ليصبح مجرد قطعة ثانوية في قلب آلة، لأني أريد لكل فردٍ أن يصبح عضواً كامل الحضور والتطور في المجتمع.
 (هاريجان، 28-1-1939، ص438)
***
عندما ستباشر الهند في استغلال باقي الأمم – كما يفترض حين ستصبح الهند دولة صناعية – فإنها ستكون لعنة بالنسبة لباقي الأمم، وتهديداً للعالم أجمع. أما، لماذا أربط تصنيع الهند باستغلال باقي الأمم؟ فأقول: ألا ترون مأسوية الوضع المتمثل بأن نجد عملاً لـ300 مليون عاطل عن العمل، في الوقت الذي لم تستطع فيه إنكلترة إيجاد عملٍ لثلاثة ملايين عاطل لديها، وتواجه مشاكلَ حيّرت أكبر عقولها.
(الهند الفتاة، 21-11-1931، ص335)
***
لا أعتقد بأن التصنيع ضروري في جميع الأحوال ولكل البلدان، فما بالكم بالهند. وبالفعل، أعتقد أنّ بوسع الهند أن تُسدِّد قسطاً من مديونيتها لعالمٍ يتلوّى لمجرّد اعتمادها طريقة حياة بسيطة ونبيلة من خلال تطوير آلاف الأكواخ التي لديها، والعيش بسلام مع العالم المحيط. فسموّ التفكير يتعارض مع حياة مادية معقدة تستند إلى وتيرة عالية فرضتها علينا عبادة الشيطان، لأنّ كل ما هو جميل في هذه الحياة يغدو ممكناً حين نتعلم فنّ العيش بشكل نبيل...
لكن، هل مثل هذه الحياة البسيطة ممكنٌ بالنسبة لأمة منعزلة، أياً كان اتِّساعها وعدد سكانها، في وجه عالم مسلح حتى أسنانه، ويعيش ترفاً في ظروف معينة. هذه المسألة موضوع نقاش بالنسبة للمتشككين، أما أنا فجوابي البسيط يقول: إذا كانت الحياة البسيطة تستحق بأن تعاش، فإنها في هذه الحال تستحق حتى بأن يقوم فرد واحد، أو مجموعة أفراد، بالسعي إليها.
***
أعتقد، في الوقت نفسه، أنّ من الضروري خلق بعض الصناعات الأساسية. أنا لا أؤمن، لا برئيس الجهاز ولا بالاشتراكية المسلحة، بل أؤمن بالفعل وفقاً لقناعتي، دون انتظار أن يتبعني الجميع. ما يعني أنه، ومن دون تعداد الصناعات الرئيسة، سيكون لدي ملكية دولة، حيث يعمل عدد غفير من البشر جنباً إلى جنب. أما ملكية ما ينتجون، وسواء كان متقناً أو غير متقن، فيعود إليهم من خلال الدولة. وهذه الدولة، كما أتخيلها، لا يمكن لها أن تكون إلاّ لاعنفية، لأني لن أجرّد المتمولين مما يملكون بالقوة، إنما سأدعوهم إلى التعاون في عملية التحوّل إلى ملكية الدولة. إذ لا وجود للمنبوذين في المجتمع، وسواء كان هؤلاء  من أصحاب الملايين أو من المعدمين، فكلاهما قروح سببها نفس المرض، وجميعهم من أجل هذا مجرد بشر.
(هاريجان، 1-9-1946، ص285)
***
إن إحياء القرية ممكن فقط حين لا يكون هناك استغلال. التصنيع الواسع سيقود إلى استغلال سلبي أو إيجابي للقرويين بحكم مشاكل السوق التنافسية، لذا علينا أن نركز بحيث تبقى القرية مكتفية ذاتياً، وأن يكون التصنيع فيها فقط للاستعمال المباشر. بالإبقاء على هذا الطابع لصناعة القرية لن يكون هناك أي مانع يحول دون استخدم القرويين للمعدات والآلات الحديثة التي بوسعهم صناعتها أو التمكن من الوصول إليها، شريطة أن لا تستخدم كوسائل لاستغلال الآخرين.
(هاريجان، 28-1-1946، ص226)
***
أساند من كل قلبي ذلك الاقتراح القائل بأن أية خطة لاستثمار المواد الخام لبلد معين، لا تأخذ بعين الاعتبار القوى البشرية الكامنة، خطة غير متوازنة، وليس بوسعها تأمين العدالة الإنسانية...
لأن التخطيط الحقيقي يجب أن يراعي الاستخدام الأمثل للقوة العاملة في الهند، وتوزيع منتجاتها الخام على قراها المتعددة عوضاً عن تصديرها، وإعادة شراء المواد المصنَّعة بأسعار خيالية.
(هاريجان، 23-3-1947، ص79)
***
الاشتراكية
الاشتراكية الحقة لقنها لنا أجدادنا الذين علمونا: "أنّ كل الأرض ملك للغوبال، لكن أين الخط الفاصل؟ الإنسان هو الذي صنع هذا الخط وبوسعه تعديله". وكلمة غوبال تعني الراعي؛ وتعني أيضاً الله. وهي وفق اللغة المعاصرة تعني الدولة، أي الشعب. وواقع أن الأرض ليست ملكاً للناس اليوم صحيح جداً، لكن الخطأ ليس في المنقول بل فينا نحن الذين قبلنا بذلك. ولا شكّ عندي بأنّ بوسعنا مقاربة الأمر كأية أمة، بما في ذلك روسيا، لكن بلاعنف.
(هاريجان، 2-1-1937، ص375)
***
لم تلد الاشتراكية حين تم اكتشاف سوء استخدام رأس المال من قبل الرأسماليين لأنّ الاشتراكية، بل حتى الشيوعية - كما سبق لي القول - واضحة في الفقرة الأولى من الإيشوبانيشاد. وما هو صحيح هو أن بعض الإصلاحيين قد فقدوا الإيمان بطريقة التغيير، الأمر الذي ولّد الاشتراكية العلمية. وأنا ملتزم بحل نفس المشكلة التي واجهت الاشتراكيين العلميين. لكن الصحيح أيضاَ أن مقاربتي كات دائماً وفقط من خلال لاعنف كامل. قد أفشل ولكن، إن فشلت، فسيكون سبب فشلي هو جهلي بتقنيات اللاعنف، فربّما أكون معبِّراً رديئاً عن عقيدة يزداد إيماني بها يوماً بعد يوم.
(هاريحان، 20-2-1937، ص12)
***
الوقت الذي أكنُّ فيه أكبر تقدير لنكران الذات ولروح التضحية لدى أصدقائنا الاشتراكيين، فإني لم أنسَ يوماً الفارق الكبير بين طريقتهم وطريقتي، لأنهم، بكلِّ صراحة، يؤمنون بالعنف وبكل ما يتضمنه. وأنا أؤمن أكثر فأكثر باللاعنف..، وباشتراكيتي التي هي "حتى بمعزل عن هذا الأخير". فأنا لا أريد الصعود على أشلاء المكفوفين والصم والبكم. لأنه وفق اشتراكيتهم (الهندية مثلاً) لا مكان لهؤلاء، وغايتهم الوحيدة هي الرفاه المادي. مثلاً، الهدف في أمريكا هو سيارة لكل مواطن، وليس هذا ما أبتغيه. فما أريده هو إمكانية التعبير عن شخصيتي بحرية كاملة. يجب أن أكون حراً حتى في بناء درج لسيروس إن رغبت ذلك، ما لا يعني أني أريد فعل هذا. ولكن في ظل الاشتراكية الأخرى، لا توجد حرية فردية، فأنت لا تملك شيئاً، ولا حتى جسدك.
(هاريجان، 4-8-1946، ص246)
الاشتراكية كلمة جميلة، وهي كما أفهمها تعني المساواة بين جميع أفراد المجتمع – لا أحد في الأعلى ولا أحد في الأسفل. ففي جسم الفرد الرأس ليس أعلى من سواه لمجرد كونه في أعلى الجسم، ولا أخمص القدمين أخفض من سواه لأنه يلامس الأرض. فكما أن كل أعضاء الجسم متساوية، كذلك هي أعضاء المجتمع: هذه هي الاشتراكية. في الاشتراكية هناك الأمير والفقير، يقع الغني والفقير، صاحب العمل والعامل، جميعهم على نفس المستوى. أما من منطلق ديني أنا، فلا ثنائية في الاشتراكية إنما وحدة كاملة. لأننا حين ننظر إلى مجتمعات العالم الذي من حولنا، لا نجد سوى الثنائية والتعدد، أما الوحدة فغيابها ملفت للنظر. فهذا الإنسان في الأعلى، وذاك في الأسفل، وهذا هندي وذاك مسلم والثالث مسيحي والرابع فارسي والخامس من السيخ والسادس يهودي. وحتى بين هؤلاء، هناك تقسيمات ثانوية. أما وفق الوحدة كما أتصورها، فهناك وحدة تامة رغم تعددية الأشكال. ومن أجل بلوغ هذه الحالة لا يجب النطر إلى الأشياء فلسفياً والقول بأنه لا يجب أن نتحرك قبل أن يقتنع الجميع بالاشتراكية. لأنه إن لم نغير حياتنا، فإنه بوسعنا الاستمرار في رفع الشعارات وتشكيل الأحزاب والإمساك باللعبة كالنسور حين تسنح لنا الفرصة. لكن هذه ليست اشتراكية، لأنه بمقدار ما نتعامل معها كلعبة بوسعنا الإمساك بها، بمقدار ما تبتعد عنا.
***
يقول الاشتراكيون والشيوعيون بأنّ ليس بوسعهم اليوم فعل شيء من أجل تحيق العدالة. لذلك نراهم يستمرون في دعايتهم من أجلها، ولهذه الغاية هم يؤمنون بضرورة توليد الحقد وزيادته. ويقولون إأنهم حين يستولون على السلطة، سيدعمون العدالة." وأنا أدعي بأني شيوعي بعض الشيء رغم أني أستعمل السيارات والتسهيلات الأخرى التي يضعها الأغنياء تحت تصرفي، لكنهم لا يسيطرون علي وبوسعي إبعادهم في لحظة إن تطلبت مصلحة الجماهير ذلك.
(هاريجان، 31-3-1046، ص64)
***
علينا أن نفهم أن ليس بوسعنا التعجيل في الإصلاح. وإن كنا نريد تحقيقه بوسائل لاعنفية، فإن ذلك ممكن فقط عن طريق تثقيف كلا الطرفين (أي) "من يملك" و"من لا يملك". فالأولون يجب أن يتأكدوا من أن القوة لن تستخدم ضدهم البتة. كما يجب أن يتعلم أولئك الذين "لا يملكون" أن ليس بوسع أحد إجبارهم على فعل ما لا يرغبون، وأن بوسعهم تحقيق حريتهم عن طريق تعلم فن اللاعنف بمعنى التضحية بالذات. وإذا كان لا بد من تحقيق هذه الرؤيا، فإن التعليم الذي ذكرته يجب أن يباشَر به من الآن. من خلال خلق جو من الاحترام المتبادل والثقة كخطوة أولى. بعدئذٍ، يمكن أن يكون هناك صراع لاعنفي بين الطبقات وبين الجماهير.
(هاريجان، 20-4-1940، ص97)
***
أنا أؤمن بالعمل الحر، وأؤمن أيضاً بالإنتاج المخطط. لأنه إن كان لدينا فقط إنتاج دولة فإن هذا سيفقر الناس فكرياً، حيث سينسون مسؤلياتهم. لهذا سأسمح للرأسمالي ومالك الأرض (زاميندار) بأن يحتفظوا بمعاملهم وأراضيهم، ولكن كمؤتمنين على هذه الملكيات.
(هاريجان، 20-7-1947، ص12)
***
النموذج الاشتراكي والعقيدة الشيوعية
نا لا أشارك القناعة الاشتراكية القائلة بأن مركزة ما هو ضروري للحياة سيقودنا إلى الرفاه العام، الذي سيحصل حين تصبح الصناعات المركزية ممتلكة ومدارة من قبل الدولة. وقد ولدت النظرة الاشتراكية في الغرب في بيئة مشبعة بالعنف. الغاية الكامنة وراء النموذج الغربي والنموذج الشرقي (للاشتراكية) واحد – رفاه أكبر للمجتمع ككل، وإلغاء اللاعدالة القميئة الناجمة عن وجود الملايين ممن "لا يملكون" من جهة وحفنة من "الملاك" من جهة أخرى. وأنا أعتقد بأن هذا ممكن التحقيق حين يقبل أفضل عقول العالم باللاعنف كقاعدة لنظام اجتماعي عادل. لذلك أعتقد بأن وصول البروليتاريا إلى السلطة عن طريق العنف سيفشل في النهاية لأن ما أخذ بالقوة ستنتزعه قوة أكبر.
(هاريجان، 27-1-1940، ص428)
***
أعترف بأني لم أفهم بعد ما تعنيه البلشفية تماماً. كل ما أعرفه هو أنها تبغي إلغاء منظومة الملكية الفردية. وهذا مجرد تطبيق اقتصادي للمبدأ الأخلاقي الداعي إلى عدم التملك والذي، إن تبناه الناس وتمكنوا من تطبيقه بوسائل سلمية وبالإقناع، سيكون نظاماً لا يضاها.
لكن ما أعرفه عن البلشفية هو أنها لا تمنع استعمال القوة، بل تحللها من أجل نزع الملكية الفردية والحفاظ على ملكية الدولة. وإن كانت هذه هي الحال، فإني لن أتردد في أن أقول بأن النظام البلشفي، كما هو سائد حالياً، لن يدوم طويلاً. لأني مقتنع تماماً بأنه ليس بالإمكان بناء أي شيء دائم بالقوة. لكن هذا الواقع لا ينفي أن المبدأ البلشفي، الذي هو نتيجة أطهر التضحيات التي قدمها في سبيله أعداد لا تحصى من النساء والرجال، والتي كرستها تضحيات أرواح معلمين كبار كلينين، لا يمكن أن يذهب سدىً. ما يعني أيضاً أن المثل النبيل لتضحياتهم سيكرّس إلى الأبد الأمر الذي سيسرِّع في تطبيق المبدأ ويطهرِّه على مر الأيام.
(الهند الفتاة، 15-11-1928، ص381)
***


الفصل العاشر

للذكرى والتاريخ

اليهود في فلسطين
تبلَّغت عدة رسائل تسألني التصريح بنظراتي حول المسألة العربية–اليهودية في فلسطين وحول اضطهاد اليهود في ألمانيا. وإن إقدامي على طرح نظراتي في هذه المسألة العويصة لا يخلو من تردُّد.
أنا متعاطف كلياً مع اليهود؛ فقد عرفتهم معرفة حميمة في جنوب أفريقيا، وبعضهم بات رفيق حياة. ومن خلال هؤلاء الأصدقاء قُيِّض لي أن أعرف الكثير عن تعرُّضهم المديد للاضطهاد. لقد كانوا منبوذي المسيحية؛ والشبه كبير بين معاملة المسيحيين لهم ومعاملة الهندوس للمنبوذين. فلقد استُدعِي التسويغ الديني في كلتا الحالتين لتبرير المعاملة غير الإنسانية التي أنزِلَت بهم جميعاً. ثمة، إذن، لتعاطفي مع اليهود، إلى جانب الصداقة، سببٌ أشمل أعم.
لكن تعاطفي لا يعميني عن متطلبات العدل. فالنداء من أجل الوطن القومي لليهود لا يستهويني كثيراً؛ إذ هو يجد تسويغاً له في التوراة وفي إصرار اليهود على تمسُّكهم بالعودة إلى فلسطين. فلماذا لا يتأسُّون بشعوب الأرض الأخرى فيتَّخذون وطناً لهم ذلك البلد الذي يولدون فيه ويسترزقون؟
فلسطين ملك للعرب تماماً مثلما أن إنكلترا ملك للإنكليز وفرنسا ملك للفرنسيين. فمن الخطل وعدم الإنسانية فرض [سيطرة] اليهود على العرب. ما يجري اليوم في فلسطين لا يقبل التبرير بأي ناموس أخلاقي للسلوك؛ وليس من تسويغ للانتداب إلا التذرع بالحرب الأخيرة [العالمية الأولى]. ولا ريب أنه من قبيل الجريمة ضد الإنسانية أن يُكرَه العرب الأعزَّة على النزول عن فلسطين لليهود، جزئياً أو كلياً، وطناً قومياً لهم.
قد يكون البديل الأنبل هو الإصرار على معاملة عادلة لليهود حيثما يولدون ويترعرعون؛ فاليهود المولودون في فرنسا فرنسيون بالدقة تماماً كما أن المسيحيين المولودين في فرنسا فرنسيون. فإذا لم يكن لليهود من وطن سوى فلسطين هل سيطيب لهم أن يُكرَهوا على مغادرة الأماكن الأخرى من العالم التي هم فيها مستقرون؟ هل يريدون وطناً مزدوجاً يقيمون فيه كما يحلو لهم؟ هذا النداء من أجل الوطن القومي يقدِّم تبريراً مدلَّساً لطرد اليهود من ألمانيا.
لكن اضطهاد الألمان لليهود ليس له، على ما يبدو، نظير في التاريخ. فطغاة الماضي لم يذهبوا قط إلى الحدِّ الذي يبدو أن هتلر ذهب إليه؛ وهو يفعل ذلك بحماسة دينية: إنه يدعو إلى دين جديد قوامه قومية حصرية قتالية يصير باسمها أيُّ انتهاك للإنسانية عملاً إنسانياً يثاب عليه فاعلُه دنيا وآخرة. إن إجرام شاب بادي الجنون، لكنه جَسور، ما فتئ يُبتلى به قومُه بشراسة لا تُصدَّق. فإذا كان مقيَّضاً لحرب أن تكون مبررة باسم الإنسانية ومن أجلها فإن حرباً ضد ألمانيا، بهدف الحيلولة دون الاضطهاد التعسفي لشعب كامل، قد تكون مبرَّرة كل التبرير. لكني لا أؤمن بأية حرب. لذا فإن مناقشة الحجج المؤيِّدة لمثل هذه الحرب والحجج عليها تقع خارج أفقي أو نطاق اختصاصي.
لئن لم يكن بالوسع شنُّ حرب على ألمانيا، حتى رداً على مثل هذا الإجرام الذي يُرتكَب بحق اليهود، قطعاً لا يصح التحالف معها؛ إذ كيف يُعقَد تحالفٌ بين أمَّة تدَّعي الانحياز إلى العدالة والديمقراطية وأمَّة تجاهر بعدائها للاثنتين؟ أم أن بريطانيا باتت تنساق إلى الديكتاتورية المسلَّحة وإلى كل ما تعنيه؟
إن ألمانيا تبيِّن للعالم مدى فعَّالية استخدام العنف عندما لا يعرقله أيُّ رياء أو ضعف يتزيَّا بزيِّ الإنسانية؛ وهي تبيِّن أيضاً مبلغ بشاعة ورعب ذلك العنف في عريه المروِّع.
فهل بوسع اليهود أن يقاوموا هذا الاضطهاد المنظَّم السافر؟ هل من طريق لصون عزَّة نفسهم بدون أن يشعروا بالعجز أو بالخذلان. أراهن أن هناك طريقاً. فما من امرئ مؤمن بإله حي ينبغي أن يشعر بالعجز أو بالخذلان. إن يهوه – إله اليهود – إله شخصي الصفات أكثر من إله المسيحيين أو المسلمين أو الهندوس، على كونه، في الواقع، ومن حيث الماهية، مشترك بين الجميع، وواحد لا شريك له، ومستعصٍ على الوصف. ولكن بما أن اليهود ينسبون الشخصية إلى الله ويعتقدون أنه يحكم كل فعل من أفعالهم فقد وجب عليهم ألا يشعروا بالعجز. فلو كنت يهودياً وولدت في ألمانيا وكنت أسعى إلى رزقي فيها لأعلنتها وطني بما لا يقل عن أطول الغوييم الجرمان قامة، ولتحدَّيته أن يرديني قتيلاً أو أن يلقي بي في غيهب سجنه؛ ولرفضت أن أُطرَد أو أخضع لمعاملة تمييزية. وفي قيامي بذلك لن أنتظر أن ينضم إليَّ أصحابي من اليهود في المقاومة المدنية، بل أوقن أن البقية في النهاية لا بدَّ أن يحذوا حذوي...
... والآن أوجِّه كلمة إلى يهود فلسطين. لا ريب عندي أنهم ماضون على ضلال. ففلسطين بالمفهوم الكتابي ليست أرضاً جغرافية؛ إنها في قلوبهم. أما إذا كان لا بدَّ لهم أن يتطلعوا إلى فلسطين الجغرافيا وطناً قومياً لهم فمن الخطل أن يدخلوها في ظل المدفع البريطاني؛ إذ إن منسكاً دينياً لا يصح أن يُتمَّم بمعونة أسنَّة الحراب أو القنابل. ليس لهم أن يستوطنوا فلسطين إلا بالوفاق مع العرب؛ بل عليهم أن يسعوا إلى كسب قلوب العرب؛ فالإله نفسه يحكم كلا القلبين العربي واليهودي. بوسعهم أن يواجهوا العرب بالـساتياغراها ويقدموا أنفسهم للقتل أو للرمي في البحر الميت بدون أن يرفعوا إصبعاً صغيراً ضد العرب؛ ولسوف يجدون الرأي العالمي يؤيِّدهم في تشوُّقهم الديني. هناك مئات الطرق للتفاهم مع العرب، شريطة أن يستبعدوا معونة الحراب البريطانية. أما وأن الأمور على ما هي فإنهم مشتركون مع البريطانيين في سلب شعب لم يسئ إليهم في شيء.
أنا لا أدافع عن تجاوزات العرب. أتمنى عليهم أن يختاروا طريق اللاعنف في مقاومة ما يعتبرونه – محقِّين – تعدِّياً لا مسوِّغ له على بلادهم. ولكن بحسب القوانين المقبولة للحق وللباطل لا جناح على مقاومة العرب في وجه المظالم الطاغية.
فليبرهن اليهود الزاعمون أنهم الشعب المختار على صحة لقبهم باختيارهم طريق اللاعنف تزكية لحقِّهم بمكان لهم على الأرض. فكل بلد وطن لهم، بما في ذلك فلسطين، إنما ليس بالعدوان بل بالخدمة المُحِبَّة. لقد بعث إليَّ صديق يهودي كتاباً بعنوان مساهمة اليهود في الحضارة من تأليف سيسل روث، وفيه مسرد بما فعله اليهود إغناءً للأدب والفن والموسيقى والمسرح والعلم والطب والزراعة إلخ. فبالعزيمة يستطيع اليهودي أن يرفض معاملتَه معاملةَ منبوذ الغرب، أن يرفض احتقاره أو التعالي عليه. بوسعه أن يستقطب انتباه العالم واحترامه بأن يكون الإنسان، خليقة الله المصطفاة، بدلاً من أن يكون بشراً سرعان ما يسقط إلى درك البهيمة فيتخلَّى عنه الله. بوسعهم أن يضيفوا إلى مساهماتهم العديدة مساهمة العمل اللاعنفي الفائقة.

هذا الفصل ترجمة: ديمتري أفييرينوس
تعاريف

أدڤايتا: الفلسفة الهندية الداعية للتوحيد ورفض الثنائية.
أجياري: معبد زرادشتي لعبادة النار.
آهيمسا: بمعنى اللاأذية أو اللاعنف، والذي في حانبه الإيجابي يعني محبة كل أشكال الحياة.
الله: اسم الإله بالعربية (عند المسلمين).
أمانيتڤام: التواضع.
أباريغراها: اللاتملك.
أردهانجيني: المرأة أو "النصف الأفضل".
أشرام: مسكن المعلم الروحي؛ المكان الذي تسكن فيه جماعة روحية؛ مرحلة من مراحل الحياة.
أسوكا: ملك هندي من القرن الثالث ق. م. اشتهر بأنه تخلى عن التوسع والغزة. وبالمنحوتات الصخرية التي أقامها من أجل الديانة البوذية.
أتيشودرا: أي الأخفض من الشودرا، وهي التسمية التي تطلق على الفئة من الدرجة الرابعة في أسفل السلم الاجتماعي الهندي والمعروفة بالمنبوذين.
أتمان: الروح.
أڤاتار: لغوياً تعني الوريث أو تجسد الألوهة، وخاصة منها ڤيشنو في الثالوث الألوهي الهندوسي.
بانسي: مزمار القصب الذي كان يستعمله راعي البقر الإلهي، شري كريشنا.
باردولي: قرية من مقاطعة كاهاراج شاركت في حركات العصيان المدني.
باغاڤاد-غيتا: انظر غيتا.
بهاكتي: الإخلاص.
بهانغي: عامل النظافة؛ مكنس شوارع.
بهارات ماتا: أمنا الهند.
بيبهيشان: عُرِف في الرامايانا كأخ لراڤانا ومستشاره الحكيم.
بهوباغهومي: أرض المتعة.
براهما: الاسم الهندي للخالق، وواحد من الثالوث.
براهماشاري: هو العازب الذي يتبع البراهماشاريا (شريعة البراهما).
براهماشاريا: هي شريعة البراهما التي تقتضي ممن يتبعوها أن يبقوا عازبين ويتكرّسوا لتعلم الفيدا والتبشير بها.
براهمان: المنتسب إلى أولى الطبقات الأربع، ووظيفته الرئيسة دراسة وتعليم الفيدا.
بوذا: لقب مؤسس البوذية، عاش ما بين 563 و483 ق.م. يعرف أيضاً باسم غوتاما أو سيدهارتا أو شاكاياموني.
شيطانيا: مصلح بنغالي من القرن الخامس عشر ب.م. ويعتبره أتباعه كتجسد لكريشنا.
شاكي: رحى الطاحون.
شاباتي: كعكة مسطحة رقيقة من الطحين؛ قطعة متبقية من رغيف الخبز.
شارخا: عجلة المغزل.
مسيرة داندي: هي مسيرة الملح، أو تلك المسيرة التي تمت بقيادة غاندي بدءاً من 12 أذار إلى 5 نيسان 1930. وقد انطلقت من أشرام سابارماتي إلى بلدة داندي الساحلية التي تبعد عنها 100 ميل، وكان هدفها استخراج الملح من البحر وكسر الاحتكار البريطاني للملح.
دامايانتي: هي أسطورة تمثل الوفاء والحب الخالص المتمثل بأميرة فيداربا الأسطورية وحبيبها الأمير نالا. ويشكل موضوع هذه القصة فصلاً من الموضوع الأساسي في البورانا.
داريدرانارايانا: الألوهة المتجسدة من خلال شخص الفقير المحتاج.
داشاراتها: هو ملك أيودهيا ووالد راما وفق الرامايانا
داياناند: هو سوامي داياناند ساراسواتي (1824-1883) مؤسس الآريا ساماج
دهارما: الدين؛ شريعة الكائن الأوحد؛ الاستقامة؛ القواعد الهندية الدينية والأخلاقية.
دهارماجا: وليد الشعور بالمسؤولية.
دهارما يودها: حرب تُخاض من أجل الاستقامة وبوسائل وطرائق صحيحة.
دهيد: لقب يطلق على المنبوذين.
دهورنا: الإضراب جلوساً، شكل قديم وبدائي من الساتياغراها.
دنيانديڤ: فتى وشاعر من ماهاراشترا القرن الثالث عشر الميلادي. صاحب الدنيانينشواري التي هي تعليق ماهارتي على الغيتا.
دراوبادي: هو تفاهم أمراء باندافا وفق الماهابهاراتا.
دوبلاس: مجتمع شودرا متخلف من غوجارات.
دوريودهانا: رئيس أمراء كاورافا وفق الماهابهاراتا.
داير: جنرال إنكليزي أمر بإطلاق النار على تجمع أعزل في جيليانوانا باغ في أرميستار في 13 نيسان 1919، مما تسبب بقتل 400 شخص.
غانجا: نهر الغانج المقدس شمال غرب الهند.
غاني: معصرة الزيت.
الغيتا: أو "نشيد المولى" ديوان شعر سنسكريتي أُلِّف قبل الميلاد بعدة قرون، حيث نشهد كيف وضع شري كريشنا، مبادىء وفلسفة الديانة الهندية.
غي: زبدة مصفّاة
غوخال: الغوبال كريشنا غوخال (1866-1915)، سياسي هندي وعضو في المجلس التشريعي التايع لنائب الملك (البريطاني)، ومؤسس جمعية خدام الهند. وقد اعترف به غاندي أباً روحياً له في السياسة.
غوندا: همجي أو أزعر.
غوندايسم: زعرنة أو همهمجية.
غوبال: راعي البقر، وهو أحد أسماء شري كريشنا.
غور: شكل محلي للدبس المصنوع من السكر.
غورو: معلم، أستاذ.
غوسيڤا: خدمة الماشية؛ حماية البقر.
غرام بانشايات: مجلس قرية أو "مجلس الخمسة".
غرام سيڤا: خدمة القرية.
غرام سيڤاك: شخص معين لخدمة القرية.
حكيم: ممارس الطب الشعبي المحلي.
هانومان: الألوهة على صورة قرد، وهي تلك المكرسة لخدمة راما وفق الرامانايا.
هارتال: بمعنى الإضراب، أو التوقف عن العمل.
هووغلي: الفرع الغربي لنهر الغانج حيث تقع مدينة كالكوتا.
إيشوبانيشاد: واحدة من الأوبانيشاد الأساسية.
الجاينية: ديانة الهند القديمة والتي يعتبر اللاعنف أحد فروعها.
الجاينيين: أتباع الجاينية.
جاناك: ملك ڤيديها الفيلسوف.
كبير: شاعر قديس ومتصوف من شمال الهند. عاش في القرن الخامس عشر. كتب في مديح الألوهة، وفي التناغم بين الهندوسية والإسلام.
كاماجا: وليد الشهوة.
كارما بهومي: أرض الواجب.
كارما يوغي: شخص كرّس حياته لخدمة الآخرين دون مقابل.
خدار أو خادي: قماش منسوج باليد.
كيسان: فلاح.
قرآن: كتاب المسلمين المقدّس.
كريشنا: إله وبطل أساسي في الماهابهاراتا. يعبده الهنود كثامن تجلي للألوهة.
كشاتريا: عضو في الطبقة الهندوسية الثانية (المحاربين).
ليلا: اللعب الإلهي أو الرياضة، وغالباً ما تفسر من قبل الفايشنافات كليلا الإله، وهو مفهوم يدخل عناصر العفوية والحرية إلى الكون.
لوك سيڤاك سانغ: جمعية للخدمة العامة.
الماهابهاراتا: ملحمة هندية تدور قصتها حول الحرب الكبرى بين الباندافاس والكاورافاس، أمراء السلالة القمرية الذين كانوا أبناء عمومة، وكلاهما كان يطالب بعرش هاستينابور (دلهي حالياً).
ماهاتما: الروح الكبرى. وهو لقب كان يطلق على غاندي.
ماهاڤير: فارهامنا، وهو النبي الرابع والعشرين للجاينية وأحد أكبر دعاتها (عاش ما بين و486 ق.م.)
مهاياجنا: التقدمة الكبرى، أو طقس الاستعطاف.
مانترا أو مانترام: التجسد المقدس أو السحري.
مانوشيا: رجل.
مايا: الوهم. وفق الفلسفة الهندوسية المايا هي القدرة الإلهية التي خلقت الكون.
موكشا: التحرر من القيود الأرضية.
موني: الحكيم أو قديماً المتنبئ.
ناي تعليم: حرفياً، هي التعليم الحرفي أو الأساسي
نماز: الصلاة (باللغات الإيرانية).
ناناك: مؤسس ديانة السيخ (ما بين 1469 و1539 ميلادية).
نيرڤانا: الانعتاق وهو التعبير البوذي المكافىء للموكشا الهندوسية.
بانشا أو بانشايات: الخمسة؛ منبر المقاطعة، أو مجلس الخمسة.
بانشايات راج: قواعد البانشايات.
بانداڤا: الأخوة الخمسة، مكافأت السلالة القمرية، الذين انتصروا في حرب ماهاراشترا.
بينجارابولس: قوانين من أجل رعاية كبار السن والعجز.
بورنا سواراج: الحكم الذاتي أو الاستقلال الكامل.
براهلادا: ابن هوراني كاشيبو، ملك وشيطان أسطوري، أدت عبادته لڤيشنو إلى اضطهاده من قبل والده الذي قُتل في نهاية المطاف على يد ناراشيمحا الإنسان الأسد، وأڤاتار ڤيشنو.
بريتام: أو بريتامداس، شاعر غوجارتي من القرن الثالث عشر ميلادي، كتب العديد من الأناشيد المتصوفة.
راج: مملكة، حكم، نظام.
راجاشاندرا، رايشاندهباي: متصوف وفيلسوف من الجاينيين، عاصر غاندي الذي يعتبره معلمه الروحي. توفي عام 1900.
رام، راما: ملك، وبطل أسطورة الرامايانا، الهنود ينظرون إليه كملك وإنسان مثالي، ويعبدونه كالتجلي السابع للألوهة.
راما كريشنا: قديس ومتصوف من البنغال (1836 – 1886 ميلادية)، كان غورو (معلم) سوامي ڤيڤيكاناندا، بشر بأحادية الألوهة وبالتناغم الأساسي لكل الأديان. وقد سميت رسالة "راما كريشنا" على اسمه.
رامايانا: هو اسم راما، وأحد أسماء الله.
رامانوجا: باحث ڤايشاڤي من القرن الثاني عشر الميلادي، ويعرف بأنه هو الذي طرح الفلسفة المثنوية.
راماراجيا: أسطورة هندوسية تحكي قصة اختطاف سيتا، زوجة راما، من قبل راڤانا الملك الشيطان للانكا (سيلان حالياً)، وخلاصها بعد غزو لانكا من قبل جيوش كان يقودها راماند ومقتل راڤانا على يد راما.
رامجي مندير: معبد راما.
راڤانا: الملك الشيطان للانكا في أسطورة الرامايانا، والذي أدى اختطافه لسيتا إلى تدميره على يدي راما.
ساداڤرات: الإحسان.
ساهادهارمين: الزوجة.
ساماغرا كرامسيڤا: دورة خدمة القرية.
ساماسكاراس: الميول الفطرية الموروثة من حياة ماضية؛ عادات دينية.
ساناتانيست: التابع المؤمن للديانة الهندية القديمة.
سانّياس: التخلّي عن كل الروابط الأرضية، وتركيز الذهن على الكائن الأعلى.
سانّياسي: من يتبع السانياس.
سارڤودايا: الرفاه للجميع.
ساتڤيكا: السعي إلى الحقيقة.
ساتيا: الحقيقة.
ساتياغراها: الاستعانة بقوة الحقيقة أو قوة الروح.
ساتياغراهي: من يمارس الساتياغراها.
ساڤيتري: زوجة ساتيافان التي تقول الأسطورة إنها طالبت إله الموت بإعادته إلى الحياة.
شانكارا: فيلسوف هندي من القرن الثامن للميلاد. وقد كان أحد دعائم اللاثنوية في المدرسة الفلسفية للفيدانتا.
شاستراس: المخطوطات الهندية.
شلوكا: قصيدة أو مؤلف شعري.
شودرا: فرد في الطبقة الرابعة والأدنى عند الهنود.
سيتا: زوجة راما.
سمريتيس: القواعد المستندة إلى إعادة تجميع الشاسترا.
ستهيتابراجنا: بمعنى صاحب الذهن المتوقد، وهو صاحب الروح التي لا تتأثر بأقصى الفرح والحزن.
سوداما: صديق الطفولة المحتاج، وشريك شري كريشنا في الساعات الأخيرة لهذا الأخير في الباغاڤادغيتا.
سورداس: شاعر هندي أعمى من القرن السادس عشر الميلادي؛ ويعتبر مؤلفه الرئيسي سورساغار الذي يحكي فيه قصة كريشنا من أكثر الأعمال شعبية في الهند.
سواديشي: من، أو مصنوع في، بلد المرء.
سوارغاروهان براڤا: عنوان الفقرات الثماني عشرة الأخيرة من ملحمة الماهابهاراتا. والتي تحكي قصة الأيام الأخيرة ليودهيشتيرا الذي لجأ في نهاية حياته إلى جبال الهيمالايا، وكيف فقد زوجته وإخوته الأربعة الواحد تلو الآخر، قبل أن يلتقي إندرا راكباً على عربته ليأخذه إلى السوارجا حيث ينعم الصالحون بثمرة أعمالهم.
تادجود: حلوى مصنوعة من ثمار شجر النخيل.
تاباشاريا: التكفير.
تيلاكس: إشارة إلى غطاء الرأس.
توكارام: شاعر صوفي من ماهاراشترا عاش في القرن السابع عشر الميلادية. ألّف العديد من القصائد الروحانية.
تولسيداس: شاعر هندي من القرن السادس عشر الميلادي. ألّف عدة أعمال أهمها الراماشاريتاماناسا (أو المقدس في حياة راما) التي تتحدث عن المنجزات الأسطورية التي حققها راما في حياته. وهي من أكثر الأعمال تقديراً بالنسبة للهندوس.
أوبانيشاد: موضوعات الفلسفة الهندية القديمة، ملحقة بالڤيدا وتحتلّ نفس المكانة التي تحتلها الڤيدا.
ڤايداس: الذي يمارس الأيورڤيدا كمنظومة للطبابة المحلية.
ڤايشياس: أبناء الطبقة الهندية الثالثة المؤلفة من المزارعين والتجار.
ڤالميكي: أول الشعراء السنسكريتيين وصاحب ملحمة الرامايانا.
ڤارنا: أو اللون؛ وهي واحدة من التقسيمات الأربعة للمجتمع الهندي (أي البراهمان والكشاتريا والڤايشيا والشودرا) وهي تستند إلى عامل الوراثة.
ڤارناشراما: التقسيم الطبقي الرباعي للمجتمع الهندي.
ڤيدانتا: منظومة فلسفية نابعة عن الأوبانيشاد.
ڤيداس: أقدم المخطوطات الهندية، عبارة عن أناشيد لآلهة متنوعة. وهذه الأناشيد من أربعة أنواع هي: الريجڤيدا والسماڤيدا واليروجڤيدا وأتهارڤاڤيدا.
ڤيدورا: الحكيم وابن الأسرة المتواضعة الذي يمجده كريشنا في الماهابهاراتا.
ياجنا: الطقس أو الذبيحة الدينية.
يوغا: نظام تأمل هندي ذو علاقة باتحاد الروح الإنسانية بالخالق.
يوغي: ممارس اليوغا.
يودهيشتيرا: الأقدم من بين أمراء الباندافا والمعروف بسلوكه القويم.
زاميندار: ملاك الأرض.
زيند أڤيستا: الكتاب الزارادشتي المختصر عن (أڤيستا).
زوروآستير: اسم زَرادشت باليونانية.



المحتويات

تصدير: ..................................................... 5
الفصل الأول : حول نفسي ................................. 11
الفصل الثاني : حول الحقيقة ................................ 31
الفصل الثالث : في تجاوز الخوف .......................... 39
الفصل الرابع : في الإيمان ................................. 43
الفصل الخامس : في اللاعنف .............................. 67
الفصل السادس : ساتياغراها ............................... 99
الفصل السابع : اللاتملك .................................. 109
الفصل الثامن : في العمل ................................. 115
الفصل التاسع : الرخاء للجميع (ساردوفايا) ............... 131
الفصل العاشر : للذكرى والتاريخ ......................... 155
تعاريف: .................................................. 161




[1] - التعبير الهندي المستعمل هو سانياسي التي أصلها سانياس أي الزهد.

[2] - هنا تأتي كلمت صيام بمعنى الإضراب عن الطعام (المترجم)

[3] - كلمة سنسيكريتية تعني اللجوء إلى قوة الحقيقة أو قوة الروح

[4] - بمعنى اللاعنف أو اللا أذية.

[5] - بمعنى الفلسفة المتضمنة في الأوبانيشاد

[6] - كانت هذه آخر كلمة قالها حين أطلق عليه النار وقبل أن يموت.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق